عادة ما يُطرح موضوع التفكير الابتكاري في المؤسسات على أنه نقيض التفكير الإبداعي على مستوى الأفراد، على الرغم من أن المسألة في الواقع ليست كذلك على الإطلاق، ناهيك عن أنه لا مجال للحديث عن «إبداع مؤسسي» من دون إبداع فردي، وإلا فكيف ستبتكر المؤسسة من دون موظفين مبدعين ومبتكرين؟!
لكن الأهم من هذا التحديد النظري أن نفهم ما هو السبب الذي يجعل من التفكير الابتكاري في المؤسسات مهمة حاسمة؟ أو مهارة المستقبل كما يقول بعض المحللين؟
الحق أن الحاجة الماسة إلى التفكير الابتكاري في المؤسسات ظهرت كنتيحة لمعطى آخر، هو كون العالم آخذ في تغير دائم وحتمي، وطالما أن الأمر كذلك فمن شأن كل شيء أن يتغير، فإذا كانت الشركة قد وضعت استراتيجيتها وخططها العامة بناءً على واقع ما فكيف سيكون الحال إن تغير هذا الواقع أو تلك المعطيات؟!
اقرأ أيضًا: كيف تحفز الشركات على الإبداع؟.. استراتيجية نجاح الأعمال
حتمية التغيير أو الابتكار كطوق نجاة
الآن وبعد أن أدركنا أن العالم متغير حتمًا وبشكل دائم حُق لنا أن نبحث عن الطريق/ الطرق التي يمكن بفضلها أن نتعاطى بشكل إيجابي مع تلك المتغيرات، والحق أن ما من سبيل إلى ذلك سوى التفكير الابتكاري في المؤسسات، مشفوعًا، بلا شك، بالإبداع على مستوى الأفراد.
ولكي تدرك أن العالم يمور بالتغيرات مورًا إليك ما قاله دان أمّان؛ رئيس “جنرال موتورز”، معبرًا عن هذه المسألة:
«لقد رأينا أعمالنا تتغير في السنوات الخمس الماضية أكثر مما حدث في السنوات الخمسين السابقة».
وإذا أردت وجهة نظر أكاديمية فهذا تاكر ماريون؛ الأستاذ المشارك في كلية D’Amore-McKim للأعمال في جامعة نورث إيسترن، مدير برنامج ماجستير العلوم في الابتكار، يقول:
«تواجه كل صناعة تحديات من خلال الديناميكيات على مستوى العالم والتغيرات في التكنولوجيا».
اقرأ أيضًا: رواد الأعمال وتطبيقات الجوال الرائجة
التفكير الابتكاري في المؤسسات
لكي نفهم ما هو التفكير الابتكاري في المؤسسات علينا أن نفكك هذا المصطلح، فأولًا يتوجب علينا الوقوف على ماهية التفكير الإبداعي في حد ذاته، ثم ننتقل مرة أخرى إلى تحديد المقصود بالتفكير الابتكاري في المؤسسات.
من ناحية أولى يُعرف التفكير الإبداعي بأنه القدرة على ابتكار أفكار وأساليب جديدة لحل المشاكل، وكونك مبدعًا يعني أنه من المحتم أن تكون مرنًا. المرونة شرط الإبداع على أي حال.
إذًا فالتفكير الابتكاري هو مهارة حاسمة للأفراد الذين يريدون أن يظلوا قادرين على المنافسة في السوق. لكنها أيضًا حيوية للشركات والمؤسسات.
وهذا ما يقودنا إلى الحديث، من جهة ثانية، عن التفكير الابتكاري في المؤسسات، والذي هو عبارة عن نقل المحاجة من الصعيد الفردي إلى الصعيد المؤسسي.
فليس الأفراد وحدهم هم الذين يتوجب عليهم التفكير بشكل مبتكر لمواجهة المشكلات والتحديات المختلفة التي تواجههم، وإنما يجب على الشركات أن تفعل الأمر ذاته إن هي أرادت أن تبقى وتزدهر في ظل عالم يمور بالتغيرات مورًا.
اقرأ أيضًا: ثقافة الابتكار في الشركات.. خطوات لتعزيزها
تعزيز الإبداع
والسؤال الآن: ما الذي يجب فعله، على صعيد كلي، كيما يتم تعزيز التفكير الابتكاري في المؤسسات؟
والحق أن ثمة طرق كثيرة يمكن من خلالها تعزيز التفكير الابتكاري في المؤسسات، والتي يرصد «رواد الأعمال» بعضها على النحو التالي..
-
الأفكار المتناقضة
إحدى أنجع الطرق لتعزيز التفكير الابتكاري في المؤسسات هي الجمع بين الأفكار المتناقضة؛ فمن خلال الجمع بين هذين المتناقضين يمكننا الخروج بفكرة ثالثة ناشئة عنهما، ولكن تختلف عنهما، ولا تشبههما في شيء.
ولعل هذا أحد القوانين الفلسفية/ المنطقية الشهيرة: الموضوع ونقيضه، ثم الثالث المرفوع. المهم أنه يمكن؛ من خلال الجمع بين فكرتين متناقضتين أو أكثر، تعزيز التفكير الابتكاري في المؤسسات.
اقرأ أيضًا: تأثير الأمن السيبراني في القطاعات.. الحماية كما يجب أن تكون
-
جمع وإدارة الأفكار
ومن ضمن طرق تعزيز التفكير الابتكاري في المؤسسات ليس فقط القدرة على توليد الأفكار _تلك مهمة أساسية وشاقة في كثير من الأحيان_ ولكن العمل على إدارتها وتحقيق أقصى استفادة منها.
لكن مما يجدر ذكره هنا أن الإبداع أيضًا يقتضي الحذف _وأعتقد أن جان بودريار قد أشار إلى هذه المسألة في كتابه دقيق الحجم عظيم القدر «الأشياء الفريدة»_ فلكي تكون مبدعًا يجب أن تكون لديك القدرة على استبعاد بعض الأفكار، الرؤى، الأطروحات، التي لن تجدي نفعًا، والتي لن تحقق من ورائها طائلًا.
وعلى صعيد أكثر تخصيصًا نقول إنه لا يجب على الشركة أن تضع حدودًا على توليد الأفكار، وإنما يجب أن تكون لديها القدرة على استبعاد وحذف بعضها.
اقرأ أيضًا: ناسا تختار شركة ” نوكيا” لبناء أول شبكة اتصالات LTE / 4G علي سطح القمر
-
العقل التجريبي
الإبداع تجريب، وإلا كيف يمكنك أن تتأكد من جدوى وفرادة فكرة ما؟! لزامًا عليك إذًا أن تضع أفكارك _التي تظنها قيّمة وفريدة_ موضع تجريب؛ فالتي تثبت جدواها يتم العمل على تطويرها، على أن يتم استبعاد الأخرى.
هذا التجريب أقرب، في سياق تناولنا للمسألة هنا في موضوع التفكير الابتكاري في المؤسسات، ما يكون إلى نظرية كارل بوبر؛ الفيلسوف والعالم الشهير المسماة بـ «منطق التكذيب العلمي»؛ فهو يدعو إلى التشكيك في جدوى النظريات العلمية قبل الإيمان بها، أو الإقرار بصحتها.
المهم، وبعيدًا عن هذه المسائل الفرعية، أن تدرك الشركة أنه لا سبيل إلى تعزيز التفكير الابتكاري في المؤسسات من دون تجريب كل الأفكار، بل أن يكون التجريب ممارسة دائمة ومستمرة.
اقرأ أيضًا:
نوكيا تلعب دورًا محوريًا في تقدم المملكة ودعم الشباب
ريادة الأعمال وعوامل أساسية لنجاح المشروعات
نوكيا تدفع عجلة التحول الرقمي لتعزيز رؤية 2030