كان Howard R Bowen هو من أشار إلى مصطلح التدقيق الاجتماعي، ثم توالت الدراسات في الحقلين الاجتماعي والاقتصادي حول هذا المفهوم الجديد؛ حتى تأسست الكثير من المعاهد والمراكز البحثية للاهتمام بهذا المصطلح الجديد، وتطبيقه على أرض الواقع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ما نقصده بالتدقيق الاجتماعي (كنظرية وكممارسة) لم يحظ بالاهتمام المطلوب، ولا اللائق في الأوساط الأكاديمية العربية، سنحاول في هذا المقال، ما وسعنا الجهد، بيان المقصود بهذا المصطلح، وتوضيح العلاقة بينه وبين المسؤولية الاجتماعية.
التدقيق الاجتماعي.. المفهوم والحدود:
يُعرّف التدقيق الاجتماعي بأنه الفحص الانتقادي والاحترافي للوضعية الاجتماعية؛ من أجل إصدار رأي حولها من قبل مسؤول محايد، ومستقل.
ويعرفه آخرون بأنه عملية تقييم منظم للمضمون الاجتماعي للبرامج والأنشطة التي تقوم بها المؤسسة، وإعداد التقارير عن تلك البرامج.
باختصار، يمكن القول إن هذا “التدقيق الاجتماعي” ما هو إلا المسؤولية الاجتماعية للشركات وقد وُضعت قيد المساءلة، أي أن هذا التدقيق هو بمثابة إخضاع الأنشطة الاجتماعية التي تقوم بها المؤسسة لعملية فحص وتدقيق.
وعلى ذلك، فإنه لا يمكننا أخذ أحد هذين المفهومين دون الآخر، فإذا أردنا تفعيل مبادئ المسؤولية الاجتماعية، وجني الثمار المرجوة من جراء تلك الممارسة، فلا بد من الاستعانة بالتدقيق الاجتماعي، وما ينطوي عليه من وسائل وميكانيزمات.
إنها دائرة تبدأ من المسؤولية الاجتماعية وتنتهي بالتدقيق الاجتماعي، ومنه إلى المسؤولية الاجتماعية من جديد؛ بُغية التحسين، والتجويد، والتطوير.
وفقًا لهذا الطرح، يمكن القول إن التدقيق الاجتماعي هو عمل رسمي تخطط له الإدارة العليا في المؤسسة، كما أنه عملية تقييم منظّم لأداء الموارد البشرية في شتى الوظائف، وهو استراتيجية نوعية تعمل على زيادة محتوى وفعالية المضمون الاجتماعي في المؤسسة.
مراحل التطبيق:
للتدقيق الاجتماعي مراحل مختلفة، ومسار محدد يسير وفقًا له؛ حيث يبدأ مراجع محايد، ومستقل، يراجع برامج الشركة ذات المضمون الاجتماعي، ويعمل على تقييمها، وقياس مدى فعاليتها، وطريقة أدائها.
وبعد ذلك تأتي مرحلة التشخيص اللازم للمشكلة، وتحديدها بدقة، وعقب ذلك، يتم رفع جملة من التوصيات والحلول اللازمة التي يرى المدقق الاجتماعي أو المراجع أنها قد تكون مجدية في حل ذاك المشكل الذي يكتنف المضمون الاجتماعي لبرامج المؤسسة وأنشطتها المختلفة.
قياس الأداء.. هل ممكن؟
رغم أن التدقيق الاجتماعي هو عملية قياس في المقام الأول، إلا أن هذا القياس ليس من السهولة بمكان؛ حيث إن ما يسعى المدقق الاجتماعي إلى قياسه هو، بالأساس، مؤشرات نوعية، ناهيك عن أنها، شأنها شأن كل الميكانيزمات الاجتماعية الأخرى، متغيرة، متبدلة دائمًا أبدًا؛ فليس ثمة من ملمح لهذا الإنسان إلا التبدل والتحول الدائمين.
وإنما تنبع صعوبة عملية القياس من صعوبة تحديد جميع مؤشرات الأداء الاجتماعي، عدم وجود وحدة مشتركة للقياس، غياب آليات الإفصاح عن نتائج الأداء الاجتماعي، كما أنه من الصعوبة بمكان قياس ومعرفة مردود هذه الأنشطة الاجتماعية لدى الفئات المستهدفة.
الميزانية الاجتماعية!
هل هناك شيء يمكن أن نطلق عليه “الميزانية الاجتماعية”؟! إنه أمر ليس مألوفًا لدى كثيرين، لكن يمكن القول اختصارًا: إن هذه الميزانية الاجتماعية هي عبارة عن أداة تمكّن المؤسسة من الإحاطة العامة بالوضعية الاجتماعية، من خلال ما توفره من معلومات وبيانات مختلفة.
وتنطوي الميزانية الاجتماعية على بيانات خاصة بالموارد البشرية، والعاملين، والأجور، وظروف الصحة والسلامة، والعلاقات المهنية، أي أنها تهتم بكل مجال يمكن أن تنشأ فيه علاقة اجتماعية بين شخصين أو أكثر في المؤسسة.
إن الهدف الأساسي من وضع الميزانية الاجتماعية، والتدقيق الاجتماعي بشكل عام، هو تحديد الانحرافات، والأخطار الاجتماعية، ومحاولة تفاديها، والتقليل من آثارها الجانبية.
خاتمة:
لعل ما قصدنا بيانه في هذا المقال هو الإشارة إلى الاستراتيجيات الخاصة بالتدقيق الاجتماعي هو بمثابة المختبر الذي نقيس من خلاله مدى فعالية المسؤولية الاجتماعية، والبرامج الاجتماعية المختلفة التي تقوم بها المؤسسات التجارية والصناعية.
وهو الأمر الذي يعني أن هذين المفهومين (التدقيق الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية) لا يمكن تطبيقهما إلا معًا، بل وجود أحدهما دون الآخر لا يعني شيئًا، سوى عدم جدوى هذا الآخر.
اقرأ أيضًا:
الصورة الذهنية للشركات.. وسيلة فعّالة لجذب المستهلكين