يبدو مُحتمًا أن يثور تساؤل حول الفرق بين التخطيط والإستراتيجية، خاصةً في أوساط الأعمال؛ حيث يستخدم المصطلحان بشكلٍ متبادل في كثيرٍ من الأحيان، ما يولّد التباسًا واضحًا.
فمن ناحية نجد أن الإستراتيجية تعني بالمنطق الأساسي الذي ترتكز عليه المؤسسة لصنع القيمة وتحقيقها، في حين أن التخطيط يمثل العملية التنفيذية لهذه الإستراتيجية. علاوة على ذلك يمكن القول إن الإستراتيجية تحدّد الرؤية المستقبلية للمؤسسة. بينما يحدّد التخطيط المسار الذي يجب اتباعه لتحقيق هذه الرؤية.
كما يتجلى الفرق بين الإستراتيجية والتخطيط في طبيعة كلٍ منهما. فالأولى منطق تحليلي يهدف إلى فهم البيئة التنافسية وتحديد الميزة التنافسية للمؤسسة. في حين أن الثاني هو عملية إجرائية تهدف لترجمة هذه الإستراتيجية إلى خطوات عملية قابلة للتنفيذ.
ومن الضروري التنويه هنا إلى أن الخلط بين المصطلحين قد ينشأ من الاستخدامات المتعددة لكلمة “إستراتيجية”. ففي بعض الأحيان تستخدم للإشارة إلى مجالات متخصصة، مثل: “التمويل الإستراتيجي” أو “التسويق الإستراتيجي”. وفي أحيانٍ أخرى تستخدم بشكلٍ عرضيٍ للإشارة إلى الأهداف الشخصية، مثل: “إستراتيجيتي لتحسين درجاتي هي الدراسة بنسبة 10% أكثر يوميًا”.
الفرق بين التخطيط والإستراتيجية
وفي حين أن الإستراتيجية تركّز على “ماذا” و”لماذا” فإن التخطيط يركّز على “كيف” و”متى”. بمعنى آخر: تقدّم الإستراتيجية الأساس المنطقي للإجراءات التي تتخذها المؤسسة. بينما يحدّد التخطيط الخطوات التفصيلية التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذه الإجراءات.
كذلك يمكن اعتبار الإستراتيجية بمثابة خريطة الطريق التي توجّه المؤسسة نحو تحقيق أهدافها. بينما يعد التخطيط المركبة التي تساعدها على السير في هذا الطريق.
كما أن الفرق بين التخطيط والإستراتيجية يكمن في المدى الزمني لكلٍ منهما، فالثانية عادةً ما تكون طويلة المدى، وتغطّي فترةً زمنيةً تتراوح من 3 إلى 5 سنوات. في حين أن التخطيط قد يكون قصير أو متوسط المدى، ويغطّي فترةً زمنيةً تتراوح بين سنةٍ واحدةٍ و3 سنوات.
ومن الجدير بالذكر أن الإستراتيجية يجب أن تكون مرنة وقابلة للتعديل، بحيث تتناسب مع التغيرات التي قد تطرأ على البيئة التنافسية. بينما من الضروري أن يكون التخطيط أكثر تفصيلًا ودقة؛ بحيث يحدّد المهام والمسؤوليات والموارد المطلوبة لتنفيذ الإستراتيجية.
إطار “كرايينبرينك” الإستراتيجي
يسلط إطار جيروين كرايينبرينك؛ الخبير الإستراتيجي المرموق، الضوء على ستة مجالات حيوية تشكل أساسًا متينًا لنجاح الأعمال في العصر الحديث.
ويقدم “كرايينبرينك”؛ من خلال خبرته الواسعة ككاتب ومتحدث ومدرب ومستشار، رؤية شاملة تتجاوز المفاهيم التقليدية للإستراتيجية. مُركزًا على التفاعل الديناميكي بين هذه المجالات الستة، والتي يعتبرها بمثابة بوصلة توجه الشركات نحو تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية.
-
السوق:
يشدد “كرايينبرينك” على أهمية التحليل الدقيق للسوق، والذي يتضمن تحديد العملاء المستهدفين وفهم احتياجاتهم وتفضيلاتهم. بالإضافة إلى دراسة المنافسين وتحليل نقاط قوتهم وضعفهم.
ويعد هذا التحليل بمثابة حجر الزاوية في بناء إستراتيجية تسويقية فاعلة؛ لأنه يمكّن الشركات من تحديد الفرص والتحديات. واتخاذ القرارات الصائبة التي تضمن لها ميزة تنافسية مستدامة.
-
الابتكار:
كما يركز على ضرورة اتخاذ قرارات إستراتيجية صائبة بشأن المنتجات أو الخدمات التي تقدمها الشركة. ويجب أن تكون هذه المنتجات أو الخدمات مبتكرة وتلبي احتياجات العملاء، وتتميز عن المنتجات أو الخدمات المنافسة.
ويعد الابتكار بمثابة المحرك الرئيسي للنمو والنجاح؛ حيث يسمح للشركات بالتكيف مع التغيرات المتسارعة في السوق، وتلبية الطلب المتزايد على المنتجات والخدمات الجديدة.
-
الوسائل:
يؤكد “كرايينبرينك” أهمية الاستفادة القصوى من الأصول والمهارات المتاحة للشركة. ويتضمن ذلك: استغلال الموارد المادية والبشرية والتكنولوجية بكفاءة، وتطوير المهارات اللازمة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية.
في حين أن الاستغلال الأمثل للموارد بمثابة المفتاح لخفض التكاليف وزيادة الإنتاجية، وتحقيق أقصى استفادة من الإمكانات المتاحة.
-
المال:
يعد تحقيق الربحية وضمان الاستدامة المالية من الأهداف الرئيسية لأي شركة. ويشدد جيروين كرايينبرينك على ضرورة إدارة الأمور المالية بحكمة، وتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات. وضمان التدفق النقدي الكافي لتغطية الاحتياجات التشغيلية والاستثمارية.
بينما يشكّل التخطيط المالي السليم ضمانًا لنجاح الشركة على المدى الطويل، وتحقيق أهدافها المالية بكفاءة وفعالية.
-
الزخم:
فيما يوضح أهمية التكيف مع البيئة المتغيرة، والاستفادة من الفرص المتاحة، وتجنب المخاطر المحتملة. ويتضمن ذلك: مراقبة التغيرات في السوق والتكنولوجيا والقوانين واللوائح، وتطوير القدرة على التكيف مع هذه التغيرات بسرعة وفاعلية.
كما يمثل الزخم قوة دافعة تمكّن الشركات من مواصلة النمو والنجاح في بيئة الأعمال المتغيرة.
-
المعنى:
يعد تحديد الغرض من الأعمال بمثابة الأساس الذي يرتكز عليه النجاح الحقيقي. ويشدد “كرايينبرينك” على ضرورة أن يكون للشركة غرض واضح ومحدد، يتجاوز مجرد تحقيق الربح. ويساهم في تحقيق قيمة مضافة للمجتمع.
كما يشكل الغرض محفزًا يلهم الموظفين والعملاء، ويساهم في بناء علاقات قوية ومستدامة مع جميع الأطراف المعنية.
الإستراتيجية مقابل الخطة
يحدد هذا التقسيم الجوهري الفرق بين إستراتيجية المنظمة وخططها التنفيذية، سواء كانت تلك الإستراتيجية قائمة بالفعل أو مخططة للمستقبل. فهي تمثل الرؤية الشاملة والتوجه العام للمنظمة، وتحدد أهدافها الكبرى وكيفية تحقيقها على المدى الطويل.
بينما الخطة هي مجموعة من الخطوات التفصيلية والإجراءات المحددة التي تسعى إلى تنفيذ الإستراتيجية وتحقيق أهدافها المرحلية. هذا التمييز ضروري لفهم كيفية عمل المنظمات الناجحة.
من ناحية أخرى تدور الخطة حول تفصيل الخطوات والموارد والجدول الزمني اللازم لتحقيق أهداف محددة. فهي تمثل خارطة طريق تفصيلية تحدد المهام والمسؤوليات والمواعيد النهائية، والموارد المالية والبشرية والتكنولوجية اللازمة لتنفيذها. وتتوافق الخطط مع الإستراتيجية؛ إذ إنها مشتقة منها وتخدم أهدافها، ولكنها ليست هي نفسها.