قد لا يمثّل التخطيط الناجح للشركات أي دلالة أو أهيمة لأولئك الذين يقولون إنه «لا جدوى من التخطيط»، متكئين على حجج جمة أغلبها لا يطال جوهر التخطيط ذاته، وإنما هي متعلقة بالعوامل والمتغيرات الأخرى المحتفة بالعملية التخطيطية والتي هي عوامل زَلِقة وشديدة التبدل.
وذلك الأمر _أي كون التخطيط غير مجد_ ليس دائمًا كما يطرح هؤلاء القوم، علاوة على أن “منهجية Lean” في التخطيط تظهر وكأنها حل وسط بين من يفرطون في أهمية التخطيط وبين أولئك الذين يبخسون من قيمته.
وتعتمد هذه المنهجية على إمكانية طرح/ اعتماد خطة بسيطة ذات محاور ومبادئ عامة، على أن يتم تطويرها كلما سنحت الحاجة إلى ذلك. بهذا نكون قد أصبنا عصفورين بحجر واحد؛ قمنا بالتخطيط وصار لدينا إطار مرجعي نحكتم إليه وبه نسترشد، كما أننا على الجانب الآخر نكون استوعبنا المتغيرات المحتفة بعملية التخطيط، وأخذناها بعين الاعتبار، وأوليناها الاهتمام المطلوب.
اقرأ أيضًا: أنمار السليماني: المملكة حققت في فترة قياسية ما كان مستحيلًا
حاجة الرواد إلى التخطيط
يحرث رواد الأعمال عادة في أرض بكر، ويطرقون مسالك ودروبًا لم يطرقها أحد غيرهم، ولهذا فإنهم، حتى وإن كانت كل رحلتهم مغامرة، وتنطوي على مفاجآت جمة، بحاجة إلى إطار عملي منهجي يعملون وفقًا له.
ومن هنا تبزر أهمية التخطيط الناجح للشركات الناشئة؛ فطالما أن هؤلاء القوم يخوضون غمار الصعاب المختلفة فإنهم لا بد أن يضمنوا، وإن على أقل تقدير، أنهم يسيرون في الطريق الصحيح، وأن تلك الطرق التي يسلكونها ستوصلهم في نهاية المطاف إلى ذات الأهداف التي سعوا إليها عندما فكروا في إطلاق شركة نائشة.
وثمة مسألة جوهرية ها هنا مفادها أن التخطيط الناجح للشركات الناشئة وغير الناشئة لا يعني أن الخطة دستور أو نص مقدس لا يجب تعديله أو تطويره، وإنما جوهر التخطيط الناجح للشركات قائم على فكرة التطوير المستمر والتعديل الدائم.
فالواقع مفرط التغير دائم التبدل، لا يمكن أن تحويه خطة عمل كتبت في عدة ورقات ولا حتى في مئات الورقات.
إذًا رواد الأعمال بحاجة إلى إدراك ماهية التخطيط الناجح للشركات وكيفية القيام به، ومعرفة الأسس العامة التي لا ينبغي أن تعزب عن بالهم، حالما يفكرون في العملية التخطيطية تلك.
اقرأ أيضًا: إدارة رائدات الأعمال.. أسلوب قيادي لتعزيز الأداء الوظيفي
التخطيط الناجح للشركات
حتى وإن كان التخطيط، جريًا على رأي وأطروحات رافضيه، مضيعة للوقت، فإن هناك بعض العناصر والمكونات التي لا يمكن إغفالها أو الاستهانة بها، تلك التي نجمعها معًا تحت عنوان «التخطيط الناجح للشركات»، وهي تلك المكونات التي يجملها «رواد الأعمال» على النحو التالي..
-
العرض التقديمي الجذاب
ربما تخال أن هذا أقرب إلى التسويق ولا علاقة له بالتخطيط الناجح للشركات، لكن الأمر ليس في حقيقته كذلك؛ فأغلب رواد الأعمال الناشئون يذهبون _طوعًا أو كرهًا_ في مسار البحث عن التمويل، وبالتالي هم بحاجة إلى إعداد عرض تقديمي جيد وجذاب، بدلًا من الانكباب على كتابة خطة عمل لن يقرأها أحد، وستصبح قديمة وبالية في أقرب وقت ممكن.
ومن شأن العرض التقديمي الجذاب، بما هو أحد مكونات التخطيط الناجح للشركات، أن يشتمل على ما يلي: نظرة عامة على الشركة ولمحة موجزة عنها، مهمة الشركة ورؤيتها، إيضاح من هم اللاعبون الرئيسيون في الفريق؟ ما هي خلفيتهم ذات الصلة؟ المشكلة الكبيرة التي تحاول حلها، وما هو الحل الذي تقترحه؟ لماذا هو أفضل من الحلول أو المنتجات الأخرى؟.
ناهيك عن ضرورة اشتمال العرض التقديمي على بيان فرصة السوق، وتفاصيل المنتج، ومن هم العملاء المستهدفون؟ لماذا يكون هناك طلب كبير من هؤلاء العملاء؟ وما هي التقنية الأساسية؟ كيف يتم تمييزها؟ من هم المنافسون الرئيسيون؟ الشراكات ونماذح الأعمال.
وكذلك خطة التسويق؛ إذ يجب أن تُبين كيف تخطط للتسويق؟ ما الذي تتوقعه لتكاليف اكتساب العملاء مقابل القيمة الدائمة للعميل؟ ما الربح والخسارة الفعلية والمتوقعة والتدفقات النقدية؟ ما مقدار رأس المال الذي تحاول جمعه أو الذي أنت بحاجة إليه؟
اقرأ أيضًا: أفضل 5 مدراء تنفيذيين في العالم.. فن القيادة والابتكار
-
المنتج الأوليّ Prototype
مهما أنفقت من وقت في إعداد منتجك الأوليّ فلن تكون ملامًا، بل يمكن أن نضمن لك دون كبير مجازفة السير على طريق التخطيط الناجح للشركات؛ فهذا المنتج الأوليّ، وإن كان سيتم تعديله وتطويره مرارًا وتكرارًا، يجعل من السهل بيع رؤيتك للمستثمرين. كما أنه يمنحك بعض الزخم ويساعدك في تعيين الشركاء والموظفين.
والأهم من ذلك أنه هو المرحلة الأولى، ليس في التخطيط الناجح للشركات وإنما التي يمكنك خلالها رؤية فكرتك وقد تحولت إلى واقع عملي على أرض الواقع.
إننا ندرك بطبيعة الحال أنك لا تقدم، في هذه المرحلة، سوى “الحد الأدنى من المنتج القابل للتطبيق” (MVP)، ومع ذلك يجب أن يكون جيدًا ومتميزًا عن المنافسين، والتميز عن المنافسين أحد الأهداف المهمة التي يجب أن يشملها التخطيط الناجح للشركات.
ولا ينبغي كذلك أن تتقاعس عن طرح المنتج الأولي في السوق؛ فالهدف من هذه الخطوة الحصول على تعليقات العملاء المبكرة، التي هي إحدى أفضل الطرق للمساعدة في تحسين المنتج وتطويره.
اقرأ أيضًا: فشل خطط المدير.. الأسباب والدوافع
-
الفرص والمنافسة
يقتضي التخطيط الناجح للشركات المصداقية، ناهيك عن الانطلاق من أسس راسخة وثابتة، وأرسخ هذه الأسس أنك لا ولن تعمل في السوق بمفردك، وبالتالي عليك أن تعرف من هم منافسوك بالفعل؟ ما هي نقاط قوتهم وضعفهم؟ وماذا يميزك عنهم؟ أو بالأحري ما هي القيمة المضافة التي يقدمها منتجك؟
ومن ثم يجب أن تعلم، فوق ذلك، الفرص التسويقية التي يتوفر عليها هذا المنتج الذي تطرحه أو ترغب في طرحه بالسوق.
ومن المهم أن تمتلك إجابات شافية لجملة الأسئلة التالية قبل أن يسألك الممولون عنها: ما هو حجم السوق؟ وما مقدار ما يمكن للشركة اقتناصه بالضبط من هذا السوق؟ ومن هم المنافسون الرئيسيون للشركة؟
وما هي الطرق والآليات التي يمكن من خلالها جذب العملاء والاستحواذ عليهم من المنافسين؟ وما الذي يمنح شركتك الميزة التنافسية؟ أو ما هي القيمة المضافة التي تطرحها؟ وبالإضافة إلى ذلك: كيف يمكنك المنافسة فيما يتعلق بالسعر وسمات المنتج وأداء الموظفين ككل؟ وأخيرًا ما هي العوائق التي تحول دون دخولك إلى السوق؟
لو أنك اكتفيت بهذه المكونات الثلاث لضمنا أنك تنتهج فعلًا نهج التخطيط الناجح للشركات، ولا شك أنك ستدخل السوق وبيدك مصباح يهديك سواء السبيل.
اقرأ أيضًا:
- فشل خطط المدير.. الأسباب والدوافع
- مفاهيم الإدارة الحديثة.. نحو تفكيك المصطلح
- 5 اتجاهات للحوكمة يحتاج المديرون الماليون إلى معرفتها
- مخاطر الخطة البديلة
- ماذا يمكن أن تتعلم من إدارة مارك زوكربيرج؟.. استراتيجية ناجحة