يُطلق مصطلح البيانات الضخمة على البيانات ذات الحجم الكبير، والتي لا يمكن لبرامج الحاسوب التقليدية- كإكسل (Excel)- معالجتها وتحليلها أو التعامل معها، بل غالبًا ما يتم تسجيلها إلكترونيًا بشكل فوري، وعلى مدى زمني طويل، وقد تُسجل بشكل منظم؛ كبيانات الطقس، أو غير منظم؛ كما في وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يتطلب استخدام أدوات تحليلية وإحصائية للاستفادة منها.
ومن أمثلة البيانات الضخمة:
- تغيرات الطقس خلال عقود من الزمن.
- الحوالات البنكية والتعاملات المالية.
- البيع والشراء في المتاجر.
- أسعار الأسهم في أسواق المال.
- استفسارات وطلبات المواطنين في الدوائر الحكومية.
- الحضور والانصراف.
- السير وحركة المرور في الطرقات.
- شحن الأمتعة والبضائع في المطارات والموانئ.
- تفاعل العملاء في وسائل التواصل الاجتماعي.
- التسوق الإلكتروني.
وتشكل البيانات الضخمة أحد أهم الأصول للحكومات والمنشآت الربحية وغير الربحية؛ إذ تكمن أهميتها فيما تحويه من معلومات توضح الرؤية وتقنن المخاطر عند اتخاذ القرارات؛ ما يساهم في رفع كفاءة العمل والإنتاجية، فغالبًا ما يتم الاستفادة منها لتحقيق هدفين رئيسين: اكتشاف الفرص، وتحديد المشاكل.
يتعلق اكتشاف الفرص بمساهمة البيانات الضخمة في اكتشاف فُـرص للتطور والنمو والتوسع لا يمكن اكتشافها بالأساليب التقليدية وذلك لسببين:
- الأول: حجم البيانات الهائل الذي يقدم وفرة وتنوعًا للبيانات المُحللة.
- الثاني: الوقت الطويل الذي جمعت فيه البيانات، والذي يساعد على اكتشاف والتحكم في تأثير الممارسات السلوكية الموسمية (كالشراء في شهر رمضان المبارك) وغير الموسمية.
وفيما يتعلق بالهدف الثاني؛ وهو تحديد المشاكل؛ فعبر التنقيب في البيانات الضخمة، يمكن لصاحب القرار تتبع مصادر الخلل؛ لتحديد المشكلات، وإيجاد الحلول المناسبة، كما يساعد تحليل البيانات الضخمة على تحديد الخيارات المُكلِّفة وغَير المجدية؛ من أجل تقنينها أو إقصائها كليًا، مع استخدام البيانات الضخمة للتنبؤ بالمتغيرات والقرارات المستقبلية؛ ما يساعد المنشآت على التخطيط السليم والتحضير الكامل.
التطور التقني
ومع ارتفاع حدة المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، أصبح استخدام البيانات الضخمة أمر لابد منه، فالتطور التقني ساهم بشكل مباشر في تبسيط عمليات جمع وحفظ وتحليل البيانات؛ وذلك من خلال برامج حاسوبية تقوم بتلك المهام تلقائيًا دون الحاجة إلى خبراء برمجيات لتشغيلها وإدارتها؛ وهو ما انعكس على النمو الكبير لسوق البيانات الضخمة على مستوى العالم.
ووفقًا لدراسة أعدها ويكيبون (Wikibon)، ونشرتها سيليكون أنجل (SiliconANGLE)، وستاتستا (Statista)، فإنَّ نسبة نمو سوق البيانات الضخمة في العالم من عام 2011 (7.6 مليار دولار) إلى عام 2017 (35 مليار دولار) ارتفعت بنسبة 360.5%.
وتتنبأ الدراسة باستمرار نمو سوق البيانات الضخمة في العالم؛ لتحقق 103 مليارات دولار في العائدات السنوية لعام 2027. ويبين الرسم البياني التالي، ويفصل العائدات السنوية الماضية والمتوقعة في سوق البيانات الضخمة العالمي:
بناء الاستراتيجيات
ومع وفرة البيانات في هذا العصر، تتجه كثير من الحكومات- بشكل خاص- إلى الاعتماد على البيانات الضخمة في بناء الاستراتيجيات واتخاذ القرارات، ليس لرفع جودة الخدمات الحكومية فحسب، بل ولحفظ المال العام، وتقنين الصرف غير المسؤول؛ إذ تتميز البيانات الضخمة بإمكانية الانتفاع منها في مختلف المجالات والقطاعات.
فيروس زيكا
عندما اكتُشف فيروس زيكا (Zika) في أمريكا الشمالية، ولوحظ انتشاره السريع في أرجائها، سارعت منظمة الصحة العالمية (World Health Organization) إلى إعلان حالة طوارئ وحجر صحي لبعض المرضى وبعض المناطق، فكان من أهم القرارات التي ساعدت- بعد الله سبحانه وتعالى- على القضاء على هذا الفيروس، استخدام البيانات الضخمة؛ إذ قامت السلطات الأمريكية بجمع وتحليل البيانات الديموغرافية والجيوغرافية للمصابين؛ لتقدير المساحات والمناطق السكانية المتضررة من الفيروس؛ ومن ثم حظرها، فساهم تحليل البيانات الضخمة لدى القطاعات الحكومية في القضاء على العديد من الفيروسات والأمراض الخطيرة؛ مثل إيبولا (Ebola)، وحُمَّى الضنك (Dengue fever)، والأنفلونزا الموسمية (seasonal flu).
الأزمات والكوارث الطبيعية
مثال آخر، طورت الحكومة اليابانية نظامًا لتحليل البيانات الضخمة؛ للمساعدة في التعامل مع الأزمات والكوارث الطبيعية؛ كتسونامي والزلازل الأرضية، يساعد الضحايا عبر الحصول على البيانات من الإنترنت، ونظام تحديد المواقع العالمي (Global Positioning system) أو (GPS) من أجهزة الهواتف الذكية، وأجهزة الملاحة في السيارات خلال فترة الأزمة أو الكارثة الطبيعية؛ ومن ثم تحليل تلك البيانات؛ إذ يعمل النظام على رصد وتأكيد حركة الضحايا، بعد حدوث الأزمة أو الكارثة مباشرةً.
مثال آخر للاستخدام الجيد للبيانات الضخمة؛ ما فعله قطاع المواصلات في لندن خلال أولمبياد 2012؛ حيث استخدمت المواصلات اللندنية معلومات عن الطرقات والأماكن المزدحمة في بناء خطط للتحكم في حركة السير في الأزمات والمناسبات الكبرى، كما وظفت مجموعة أدوات تحليلية للتحكم في حركة السير على الطرقات؛ لضمان التحرك السريع والآمن خلال فترات الذروة.
سك النقود
قدم قسم الخزينة الأمريكية في البنك الاحتياطي الفيدرالي مثالًا رائعًا لاستخدام البيانات الضخمة، بسك نقود معدنية جديدة كل ربع سنة وتدويرها بين العامة. وفي إحدى دورات السَّك، قام أحد مسؤولي الخزينة بتحليل بيانات النقود المعدنية المسكوكة خلال فترة معينة من الزمن، فاكتشف أن الخزينة تحوي 1.4 مليار دولار من النقود المعدنية التي لم يتم تدويرها من قبل العامة، فكان قرار البنك بعدم سك نقود معدنية؛ حتى نفاد الـ 1.4 مليار دولار؛ ما نتج عنه توفير تكاليف سك النقود لأكثر من دورة.
تتطلب طبيعة بعض القرارات، اتخاذها بشكل دوري أو روتيني؛ ما يجعل المشاكل الصغيرة تتراكم لتصبح كبيرة ومكلفة. وغالبًا ما يساهم تحليل البيانات الضخمة في تفادي الخسائر الكبيرة الناتجة عن تراكم المشاكل الصغيرة كما هو الحال مع مثال سك النقود السابق.
القطاعات الحكومية السعودية
تمتلك القطاعات الحكومية في المملكة العربية السعودية أرضية خصبة لاستثمار قواعد البيانات الضخمة التي في حوزتها؛ حيث تمتلك وزارة الحج مثلًا من البيانات الضخمة ما يكفي لتحسين الخدمات المقدمة للحجاج، وتوفير تجربة حج آمنة.
كذلك، يستطيع جهاز المرور- بإذن الله- الانتفاع من البيانات الضخمة؛ لضمان حركة مرور آمنة وسلسة في طرقات المدن الكبيرة تحديدًا، كما تمتلك الهيئة العامة للسياحة قاعدة بيانات كفيلة بمساعدتها في التخطيط للمناسبات المستقبلية، وتقسيم السوق واستهداف شرائح العملاء المربحين.
ويستطيع الهلال الأحمر أيضًا- من خلال البيانات الضخمة- اختيار مواقع مناسبة لمراكز الإسعاف؛ لضمان تغطية أكبر عدد ممكن من المواطنين والمقيمين، كما يمكن للهيئة العامة للاستثمار التعرف على سلوكيات العميل الاستهلاكية واحتياجاته؛ لتسهيل عملية اختيار والتفاوض مع المستثمر الأجنبي والمحلي، وكذلك الهيئة العامة للرياضة التي يمكنها التعرف أكثر على الرياضيين السعوديين واحتياجاتهم، وتوفير المرافق اللازمة حسب احتياجات المناطق، والقائمة تطول!
يبدو أن أكثر ما يعيق الانتفاع من البيانات الضخمة في الحكومات والمنشآت التجارية هو عدم وفرة الكفاءات؛ كون تحليل البيانات الضخمة من التخصصات العِلمية الحديثة؛ إذ يقول بيتر بوريس؛ كبير موظفي الأبحاث، والمدير المسؤول عن الأبحاث في ويكيبون: ” إن المليارات من الناس والأجهزة تعتمد على آلاف من علماء البيانات فقط؛ وهذا عدم تطابق لا يمكن استمراره”. كذلك، يوجد ندرة في الشركات الاستشارية المتخصصة التي قد تؤدي هذا الدور بالنيابة عن القطاعات الحكومية والشركات.
شركة الأبحاث الرقمية
ومن المبهج أن تجد- في ظل ندرة المواهب والخبرات- كفاءات سعودية متخصصة في تحليل البيانات الضخمة، تقود إحدى أسرع المنشآت نموًا في السوق السعودي للبيانات الضخمة؛ وهي شركة الأبحاث الرقمية (DRC) التي تقود سوق البيانات الضخمة في المملكة بمواهب وكفاءات سعودية شابة، أتمنى لهم التوفيق، والاستمرار على هذا النهج.
لمعرفة المزيد عن البيانات الضخمة واستخداماتها وما إذا كان بإمكانك الانتفاع منها كقطاع حكومي أو خاص، يمكنك التواصل مباشرةً مع كاتب المقال.
حسام الدليقان
مهتم بالأبحاث التسويقية التطبيقية وتطوير الأعمال