بلا أدنى شك أن التطورات الحديثة التي يشهدها العالم يومًا تلو الآخر في العديد من المجالات كالتكنولوجيا والمعلومات والتقنيات الرقمية وغيرها من المجالات الأخرى تُعتبر دافعًا أساسيا وقويًا للإبداع، ويُمثل الإبداع تحديًا قويًا للذكاء الاصطناعي، ويبدو أن الإبداع الاستكشافي مثالي للحاسوب؛ لأن هذا ما يمكن أن تفعله الآلة المُبتكرة.
ظهرت مخاوف بشرية في الآونة الأخيرة، نتيجة ما يشهده العالم من تطور كبير وسريع في عالم الذكاء الاصطناعي، مُعتقدين أن انتشاره يهدد بقاءهم في شركاتهم ومؤسساتهم، فيبدو أن الأمر مُقلقًا لدى كثير من الموظفين، ولكن النظريات العلمية التي تخرج من كُبرى الجامعات والمراكز البحثية بمختلف العالم تؤكد أنه لا يُمكن الاستغناء في جميع الأحوال عن العامل البشري؛ وذلك لأن عامل الذكاء الاصطناعي محدود للغاية فهو لا يفعل إلا الأنماط التي تعلمها.
الذكاء الاصطناعي وتعلم الأنماط
تظل العملية الإبداعية مُثيرة للاهتمام؛ حيث يُمكن للذكاء الاصطناعي تعلم الأنماط وتطبيقها على مجالات جديدة كما تعلمها بالضبط ولا يحدث أي عملية تطويرية، لكن التحدي الأقوى الذي يواجهه هو الإتيان بشيء جديد وكسر النظام الرتيب.
إن العملية الإبداعية هي مبادرة يُبديها الشخص بقدرته على الخروج عن المألوف في التفكير، ويحصل التغير الكبير عندما يكون الفرد حساسًا للمشكلات التي يواجهها والتغيرات التي تحدث في البيئة المحيطة به، فعندها يوجه التفكير الإبداعي نحو متطلبات الحياة العملية.
الإبداع يقود عملية فكرية
يُمكننا القول، إن الإبداع يقود عملية فكرية تجمع بين المعرفة والعمل الخلاق وتتعامل مع الواقع وتسعى نحو تحقيق الأفضل، كونها ناتج تفاعل متغيرات شخصية وبيئية وسلوكية يقودها أشخاص فائقون في العملية الإبداعية.
الأجدى لتحقيق الفائدة من عالم الذكاء الاصطناعي هو إيجاد طرق عملية لتطبيقها في الشركات والمؤسسات وكثير من المجالات، إذن ما يُمكن أن نعترف به الآن هو أن للذكاء الاصطناعي حدود لا يُمكن أن يتجاوزها، وذلك لأن العامل البشري هو من يحدد المجالات التي يعمل بها فالقيادة هنا تُكمن في العقل البشري.
وفي نفس الاتجاه، أقر مجال الطب بأن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يٌقدم الحل لكل المشكلات، وهو ما أدى إلى التخلي عن البرنامج الذي أعدته شركة «آي بي إم»؛ لمساعدة الأطباء على علاج السرطان، فهذا الاتجاه يوضح لنا أن الذكاء الاصطناعي ليس حلاً لجميع المشكلات كما يعتقد البعض، وأن استخدامه في كل شيء ليس مُجديًا.
هل الذكاء الاصطناعي قادر على الإبداع؟
ومن هنا حان وقت طرح السؤال الذي يرواد الكثير من الأشخاص، وهو: هل آلة الذكاء الاصطناعي قادرة على الإبداع؟ أو بمعنى آخر؛ هل نوعية الآلات التي تعتمد على الحوسبة قادرة على الإتيان بأشياء جديدة مثل ما يأتي به العقل البشري؟ يقول «جون سيرل» في هذا الشأن إنه لا يمكن للآلات التي تعتمد على الحوسبة اكتساب أي حالات إدراكية، فمن المستحيل أن تصبح آلة الذكاء الاصطناعي آلة مُفكرة.
كما لاحظنا فيما ذكرناه سلفًا أن للذكاء حدودًا لا يُمكن أن يتجاوزها في كثير من المجالات، على عكس العقل البشري الذي ليس له حدود في العملية الإبداعية، فالشيء الجدير بالملاحظة هنا على الجانب الآخر، أن آلة الذكاء الاصطناعي لديها القدرة الكاملة على محاكاة العملية الإبداعية والأفكار التي يُنتجها العقل البشري، ويُمكن من خلال آلات الذكاء الاصطناعي جمع المعلومات وتحليلها، ومن ثم اتخاذ قراراتها بناءً على هذه التحليلات.
في نهاية المطاف، نُلاحظ وكما ذكرنا أن عملية الإبداع لا تتوقف عند العقل البشري؛ لذا ينبغي على الفرد أن يبحث عن مجال إبداعه، ويجتهد ليتعلم ويتطور؛ فالعقل البشرى معجزة كبيرة وعظيمة وهبها الله لكل فرد منا.
اقرأ أيضًا: سمة وجودية.. هل الإبداع موهبة أم مهارة مكتسبة؟