في شهر مارس عام 1950، سأل أحد المراسلين ويلي ساتون؛ سارق البنوك الأمريكية الشهير، عن سبب سرقته للبنوك فقط خلال مسيرته الإجرامية التي استمرت على مدى ٤٥ عامًا فأجاب ويلي ببساطة: لأن البنك هو المكان الذي يوجد فيه المال.
عندما يتعلق الأمر بالعمل في مجال إدارة الأعمال فإن السبب الذي يجعلك تركز على التسويق هو نفسه السبب البديهي؛ إذ إنه المكان الذي يوجد فيه المال، وفي الواقع فإن الناس لم يعوا من يومها المعنى الحقيقي للتسويق، فظنوا أنه عبارة عن الاعلان أو اعداد العلامة التجارية أو عمل ترويجي.
فيما يلي طريقة بسيطة لفهم معنى التسويق
تخيل أنك تشارك في تنظيم مؤتمر صحي سيبدأ قريبًا ووضعت لافتة تقول “مؤتمر رعاية صحية ضخم قادم السبت المقبل” فهذا يُعتبر إعلانًا، أما إذا وضعتَ اللافتة على ظهر شاحنة وقمت بقيادتها في أرجاء المدينة فهذا يُعتبر ترويجًا. إذا كانت الشاحنة مزينة بشكل لافت حيث تَكتُب عنها الصحف المحلية، فهذه تُعتبر دعاية. وإذا ذهب مواطنو المدينة إلى المؤتمر، وقمتَ بإظهارالفوائد التي سيحصلون عليها وشرح أن الوقاية خيرٌ من العلاج، لدرجة أنهم يقومون بالتسجيل في هذا المؤتمر، فهذه هي المبيعات، ولكن إذا خططت لكل ذلك معًا فهذا هو التسويق.
لقد بدأ عصر التسويق الحديث في عام 1960 عندما قام جيروم مكارثي بابتكار مفهوم المزيج التسويقي بأربعة عناصر: المنتج والسعر والترويج والمكان. هذا المفهوم يقدم متغيرات يمكن التحكم فيها لمساعدة العلامات التجارية للتأثير في استجابة مشتريها. بعد ذلك بـ ٧ سنوات قام فيليب كوتلر؛ والذي يعتبر مؤسس التسويق الحديث، بتعميم هذا المفهوم في كتابه.
وفي أواخر السبعينيات اتفق المسوقون على نطاق واسع بضرورة تحديث هذه العناصر الأربعة؛ ما أدى إلى إنشاء مزيج التسويق الموسع في عام 1981 بواسطة بوم وبيتن؛ والذي أضاف 3 عناصر جديدة إلى هذا المبدأ وهي: الأشخاص والعمليات والأدلة الملموسة، ومن ثم انطلق العصر الرقمي مع ظهور الإنترنت وتطوير منصة الويب عام 1989؛ حيث سُمح للمستخدمين بالعثور على المعلومات التي يبغونها بشرط عدم مشاركة هذه المعلومات عبر الويب. وخلال أواخر التسعينيات بدأت تزدهر مواقع الشركات الإلكترونية البسيطة المستندة إلى نصوص؛ حيث تم اعتمادها في البداية لتقديم معلومات عن منتجات وخدمات الشركة.
وكانت شركة “بريستول ميرس سكويب” أولى الشركات التي اعتمدت حملة تسويقية رقمية للترويج لمنتجها “إكسسردن”.
واليوم يتم إنفاق مئات المليارات من الدولارات كل عام على أعمال التسويق؛ إذ يعمل المسوقون على تعديل استراتيجياتهم لتلبية احتياجات المستهلكين المتغيرة؛ ما يذكرنا بمدربي كرة القدم الذين يعملون على تعديل خططهم بحسب تغير الظروف والمعطيات في كل مباراة.
لنتخيل أنك مدرب المنتخب الوطني لكرة القدم المشارك في كأس العالم، وظيفتك كمدرب هي تدريب فريقك ليكسب كأس العالم، ستحتاج أولًا إلى بناء استراتيجية مميزة للفوز بالبطولة الدولية، والتي ستقود فريقك نحو هدفه؛ عن طريق القيام بكل الخطوات المطلوبة لربح المباريات، كما يجب على المسوق الرقمي المحترف أن يتّبع خطوات مماثلة عندما يتعلق الأمر بتطوير شركته في ذلك العصر.
في هذا السياق يحتاج المسوّق إلى البدء برؤية واضحة لخطة العمل، وتكتيكات دقيقة حول كيفية تمكين فريقه، وتقييم المؤثرات، والتنبؤ بالنتائج المحتملة، وثم اختيار أكثر الحلول المناسبة لاستراتيجية تسويقه.
كمدرب ذكي عليك أن تعي أنه لا يمكنك الفوز بكأس العالم بمفردك، فأنت بحاجة إلى فريق يضم أفضل اللاعبين الأساسيين والاحتياطيين، والدفاع، والهجوم، وحارس المرمى، أما في التسويق الرقمي فاللاعبون هم القنوات والأدوات التي يستخدمها المسوقون لتحقيق أهدافهم. على سبيل المثال: يُعد التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو قناة التسويق، بينما مواقع التواصل، كمنصات الفيسبوك والإنستجرام وما إلى ذلك هي الأدوات لذلك. سوف يساعد ذلك الفريق في القيام بأفضل أداء وتحقيق الأهداف المُرادة.
وهناك خيارات لا حدود لها في كل من كرة القدم والتسويق الرقمي، لكنك لن تعتمدها جميعًا، بل عليك أن تختار الحل الأذكى وتبني خياراتك عليه.
وكمدرب كرة قدم متمرس تدرك أنه ليس كل المحترفين أساطير بالفطرة، بل يأتي ذلك نتيجة الإرادة الجادة والتدريب الاحترافي؛ لذلك يجب عليك تطبيق التقييم المستمر لفريقك ودعم اللاعبين المميزين وتدريبهم حتى يتحول بعضهم الى أساطير، في السياق ذاته يجب على المسوقين الرقميين اتباع الخطة نفسها؛ حيث عليهم تقييم مواردهم المتاحة دائمًا، وتمكين قدرات فريقهم للوصول إلى أهدافهم بسلاسة وسرعة.
للفوز بكأس العالم يجب أن يتفوق فريقك على الفرق الأخرى، وللقيام بذلك يجب عليه أن تتابع اللاعبين في كل مباراة ويراقب أداءهم من خلال النظر إلى معدلات التصويبات والتمريرات والتسديدات والأخطاء والبطاقات الحمراء وغيرها. هذه المؤشرات هي ما بُعرف بمؤشرات الأداء الرئيسية لعملك.
يتبع المسوقون الرقميون الأذكياء نفس المقاييس المذكورة أعلاه من خلال التتبع المستمر لاستراتيجيتهم والأدوات المستخدمة وقدرات الفريق؛ ليكونوا على دراية بأي عثرة أو تحول في المستقبل.
باختصار: إذا كان فريق كرة القدم بحاجة إلى الفوز بكأس العالم أو أن عملك يحتاج إلى النمو في هذا العصر الرقمي، يجب أن يكون لدى كلا الفريقين خطة و استراتيجية واضحة، واستخدام الأدوات المناسبة، والعمل على تطوير القدرات المتاحة وتقييم الأداء المستمر.
لقد قمتُ بتطبيق هذه الصيغة نفسها في اعداد مفهومي التسويقي الحديث بعد مرور أكثر من ٥٠ عامًا من تقديم مفهوم المزيج التسويقي (المنتج، والمكان، والسعر، والترويج) حان الوقت لإنشاء مفهوم تسويقي جديد يلبي احتياجات العصر الرقمي ويسمح للعلامات التجارية بإدارة وتنفيذ أي نشاط تسويقي حديث.
وفي 9 يناير 2017، وبعد 17 عامًا من الخبرة في التسويق الرقمي والقيام بدراسة متطلبات السوق وتحليل حملات التسويق الرقمي الناشطة، توصلت إلى مفهوم “الأسس الأربعة لعمليات التسويق الرقمي®” الذي يشمل: النهج، الأدوات، التدريب، التعقب، وهو مفهوم تسويقي لبناني يمكن تطبيقه دوليًا.
يعتبر هذا المفهوم أسلوبًا تسويقيًا جديدًا يجمع ويستفيد من عوامل النجاح الأربعة المذكورة أعلاه “النهج، الأدوات، التدريب، التعقب” لتحقيق الأهداف المرجوة للعمليات التسويقية وبأقل كلفة.
وقد تم تصميم مفهوم “الأسس الأربعة لعمليات التسويق الرقمي لتلبية جميع أحجام الأعمال:
1. إذا كانت لديك شركة صغيرة أو متوسطة الحجم وتعمل بدون استراتيجية تسويق رقمي فإن هذا المفهوم التسويقي هو الحل الأنسب لك.
2. إذا كنت صاحب مهنة حرة (طبيب ، محامٍ، شخصية عامة) فإن مفهوم “الأسس الأربعة لعمليات التسويق الرقمي” يناسبك بشدة، خاصة اليوم، فالعلامة التجارية الشخصية تعتبر عاملًا مساعدًا ومكملًا للعلامة التجارية للشركات.
3. إذا كنت عضوًا في شركة كبيرة تدير عمليات تسويق رقمية فسيشكل هذا المفهوم التسويقي وسيلة أساسية مساعدة لك في قياس وتقييم وتطوير هذه العمليات.
كل هذه المؤشرات لمفهوم “الأسس الأربعة لعمليات التسويق الرقمي” سوف تساعدك بشكل أساسي في الإجابة عن أسئلة معينة والإشارة إلى مجموعة من الإجراءات؛ لضمان نجاح عمليات التسويق الرقمي.
فكر في إدارة “عمليات التسويق الرقمي” مثل التحليق بالطائرة
هل يقلع الطيار بدون خطة طيران، وفحص الطائرة، والتأكد من كمية الوقود؟ (إعداد النهج),
وبعد الإقلاع هل سيغلق الطيار لوحة العدادات ويُسكت صوت الراديو أثناء الرحلة؟ (استعمال الأدوات المتاحة).
هل يمكن لأي شخص أن يحلق بالطائرة دون أن يتعلم كيف يقودها؟ (التسلح بالمعرفة عن طريق التدريب).
عند الإقلاع هل يقوم الطيار بإيقاف الرادار؟ (المراقية والتعقب).
بالطبع لا، بدون خطة طيران وتدريب ورادار والأدوات المساعدة لن يتمكن الطيار من اكتشاف أي تهديد، أو معرفة كيفية عمل الطائرة، أو حتى التواصل حول خطط الطيران. قد يمكنه النظر من النافذة للخارج (مثلما يفعل معظم المسوقين الرقميين اليوم) ولكن برغم ذلك لن يكون لديه نطاق رؤية كافٍ للحفاظ على سلامة الطائرة.
يجب اتباع نفس المقاييس في الوقت الحاضر أيضًا خلال عملية إدارة عمليات التسويق الرقمي الفعالة، المتمثلة في الأسس الأربعة لعمليات التسويق الرقمي.
يتبع في الجزء الثاني..
اقرأ أيضًا:
95% من المستهلكين في المملكة تحوّلوا إلى التجارة الإلكترونية
تسويق الفكر القيادي.. قوة التأثير لجني الأرباح