تبغي المملكة العبور إلى اقتصاد ما بعد النفط من خلال النفط ذاته، وعبر المصادر التقليدية للطاقة ذاتها؛ إذ إنها (المملكة) ليست مع تلك الدعوات الانفعالية التي تطالب بحتمية الخلاص من النفط، فوجهة نظرها على ما يبدو: إذا كان النفط سينتهي خلال السنوات القادمة فلماذا لا أستفيد منه أقصى استفادة ممكنة حتى ذلك الحين؟!
ذلك تفكير عملي حتى النخاع، لكنه لا ينسى إعداد العدة من أجل صوغ براديجما (نموذج فكري) اقتصاد ما بعد النفط، ووضع الأسس والمعايير اللازمة لنهضة هذا الاقتصاد وتمكنه فيما بعد من توفير المزيد من الفرص، والدفع بالوطن ككل قدمًا.
اقرأ أيضًا: الحملة الوطنية للعمل الخيري.. سخاء خادم الحرمين وولي عهده
استراتيجية ذات وجهين
وعلى هذا يمكن القول إن المملكة، فيما يتعلق بموضوع اقتصاد ما بعد النفط أو مسألة النفط بشكل عامل، تعمل وفق استراتيجية ذات وجهين: الأول هو تعظيم الاستفادة النفطية، وتحقيق أعلى قدر من المكاسب من خلاله.
ودون إغفال، وهذا هو الوجه الثاني لاستراتيجية المملكة، الاستعداد لاقتصاد خالٍ من النفط _اقتصاد ما بعد النفط_ وتمكين المملكة من تولي زمام أمورها الاقتصادية من دون الاعتماد على النفط إطلاقًا.
والحق أن هذه الاستراتيجية، بغض النظر عن كونها منطقية وعملية، محتمة؛ فالمخزون النفطي غير متجدد على أي حال، كما أن الاكتشافات النفطية قد لا توازي الطلب على النفط، ومن ثم ندخل _ما لم نعد العدة لاقتصاد ما بعد النفط_ في معضلة صعبة؛ إذ إن المصدر الأساسي للدخل انمحى وبالتالي لا بديل.
ولكن مع هذه الاستراتيجية السعودية الرشيدة سيكون بإمكان المملكة تحقيق الاستفادة على أكثر من وجه.
اقرأ أيضًا: ولي العهد يستعرض إنجازات 5 سنوات بعد رؤية 2030
تفعيل استراتيجية اقتصاد ما بعد النفط
لكن متى ستتوجه المملكة إلى تفعيل استراتيجية اقتصاد ما بعد النفط؟ الحق أنه ليس في مستطاعنا، على صعيد استشراف المستقبل، تحديد موعد بالضبط لذلك، لكن ما يمكن قوله والجزم به أن التحول إلى اقتصاد ما بعد النفط واقع لا محالة، وقد لا يأتي عام 2070 إلا وقد تم تفعيل هذه الاستراتيجية الاقتصادية/ الوطنية الحكيمة.
وبحسب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ في لقائه التلفزيوني الأخير، فإن أغلب المحللين العالميين يتوقعون بالإجماع أن ينمو الطلب على النفط حتى 2030م، والأغلبية منهم يتوقعون نمو الطلب على النفط حتى 2040، والأقلية يتوقعون أنه في 2030 سيبدأ الطلب على النفط في الانخفاض تدريجيًا حتى 2070م.
إذًا فالقيادة السعودية واعية بأن الطلب العالمي على النفط سينخفض خلال السنوات القادمة، ومن ثم أعد سمو ولي العهد، ومن ورائه القيادة السعودية عبر رؤية 2030، العدة لكي تتخلص المملكة من تلك العقبات، فرأينا سعيًا ممهنجًا لتنويع مصادر الدخل السعودي، وكذا الاعتماد على الاقتصاد المعرفي وريادة الأعمال وما إلى ذلك.
اقرأ أيضًا: رؤية المملكة 2030.. 5 أعوام من التمكين الاقتصادي والإنجازات الاستثنائية
الصناعات التحويلية وأطروحات أرامكو
تشهد التنمية الصناعية في السعودية تقدمًا ملحوظًا على الأصعدة كافة؛ وذلك لما تلقاه من دعم حكومي متواصل، وهو ما أسهم في نقل الصناعة السعودية نقلات نوعية، وتمثل ذلك بصورة أساسية في التطور الذي شهدته الاستثمارات الصناعية، وعلى وجه الخصوص في مجال الصناعات التحويلية.
ووضعت السعودية _في سبيل استعدادها للانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط_ الأسس المهمة لتنمية الصناعات التحويلية، وذلك إيمانًا منها بأهمية هذه الصناعة وأملًا في التنويع الاقتصادي السعودي بشكل عام.
ويُعد نشاط الصناعات التحويلية في السعودية من أكثر الأنشطة الاقتصادية تحفيزًا لنمو القطاع الخاص في البلاد بين مجمل الأنشطة المكونة للاقتصاد الوطني الأخرى، كما تسهم هذه الصناعات في تحفيز الأنشطة الاقتصادية الأخرى.
ويمكن القول إن ثمة علاقة إيجابية بين الناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص والأنشطة الاقتصادية والتي تضم جملة من القطاعات الصناعات التحويلية، ونشاط خدمات الكهرباء والغاز والماء، ونشاط البناء والتشييد، ونشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق، ونشاط النقل والتخزين والاتصالات (بنسب متفاوتة من ناحية التأثير في معدلات نمو القطاع الخاص).
وسيظل نشاط الصناعات التحويلية محفزًا ومحركًا للأنشطة الاقتصادية الأخرى بشكل مباشر وغير مباشر؛ نتيجة الصلة بينه وبين الأنشطة الاقتصادية الأخرى، بالإضافة إلى كفاءته في استخدام عناصر الإنتاج، داعين إلى ضرورة توجيه الاستثمارات إلى هذا النشاط؛ لقدرته على تنويع القاعدة الإنتاجية والمساهمة في جذب الاستثمارات الأجنبية وخفض مستويات البطالة.
وبشكل عام تشكل الصناعات التحويلية قاعدة مثلى للتحول الاقتصادي من خلال صنع قطاعات صناعية ذات قيمة مضافة تسهم في زيادة الإنتاج المحلي، وتلبية الطلب وتحقيق الاكتفاء من السلع، وتعظيم الصادرات وتنويع قاعدة الإنتاج وتحقيق التوازن الاقتصادي، إضافة إلى قدرتها الفائقة على بناء قاعدة عمالية محترفة، ونشر ثقافة العمل والإنتاج الصناعي.
اقرأ أيضًا: مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون.. إدارة الانبعاثات والطاقة النظيفة
رؤية 2030 وما بعد النفط
وتستهدف رؤية المملكة 2030 _وذلك لصيق الصلة بمسألة اقتصاد ما بعد النفط_ إطلاق قدرات القطاعات غير النفطية الواعدة وفي مقدمتها قطاع الصناعة التحويلية؛ حيث تستهدف تعظيم القيمة المتحققة من قطاع التعدين وتوطين الصناعات الواعدة وتوطين الصناعات العسكرية، بالإضافة إلى تنويع الصادرات السعودية وزيادة الصادرات غير النفطية.
وتعمل السعودية على إيجاد صناعات جديدة ذات قيمة مضافة، وخدمات ذات مستوى عالمي؛ من خلال التركيز على الأعمال والصناعات، والتوسع في البنى التحتية بالمناطق الصناعية.
ويعكس التقدم على صعيد الصناعات التحويلية التحول في هيكلة الاقتصاد السعودي والتوجه نحو الصناعة المحلية بوصفها قاطرة النمو والتحول نحو الاقتصاد غير النفطي الذي حقق معدلات نمو قوية خلال الفترة الأخيرة.
اقرأ أيضًا:
أهم التساؤلات حول مشروع التحول لرأس المال البشري
خادم الحرمين: المملكة تلتزم بمكافحة التغير المناخي لإيجاد بيئة أفضل
توطين الوظائف.. وزارة الموارد البشرية تواصل جهودها