ابدأ وعيناك على المسؤولية المجتمعية
أحمد بن على العمودي *
القيادة، المخاطرة، التركيز، المثابرة، الإبداع، التعاون، وضوح الرؤية، التخيل، إدارة الوقت، الإنتاجية والمسؤولية المجتمعية كلها عادات نتفق جميعا أنها تسهم في تحقيق النجاح والريادة لرواد الأعمال.
محور حديثنا حول المسؤولية المجتمعية؛ نظراً لأهميتها حيث كشفت دراسة حديثة لموقع “بيت دوت كوم” في المنطقة العربية أن 9 من 10 مستهلكين يفضلون الشراء من شركات لديها برامج مسؤولية مجتمعية، وهو ما يُعد حافزا للتفكير بجدية بممارسة رواد الأعمال للمسؤولية المجتمعية وتطبيقهم لمفهومها.
فالمسؤولية المجتمعية تساعد كثيرا في نمو الأعمال؛ بسبب دعم أفراد المجتمع لأهداف هذه الشركة أو تلك ورسالتها والاعتراف بوجودها نظير مساهمتها المجتمعية وهذا ما سيسهم في خلق نموذج مضيء لرواد الأعمال من خلال المساهمة في المجتمع عبر مشاريع ومبادرات مجتمعية تنموية.
المسؤولية المجتمعية هي مفهوم يتمحور حول مبادرات أو ممارسات طوعية وأخلاقية تقوم بها المنشآت؛ تفعيلاً لدورها في تحقيق التنمية المستدامة سواء مع موظفيهم وعائلاتهم أو أصحاب المصلحة من الشركاء أو المساهمين أو المجتمع المحلي ومختلف شرائح وفئات المجتمع ككل بهدف تحسين معيشة الناس وخدمة البيئة والحفاظ عليها، وتشمل القيم والمبادئ المتفق عليها التي تحلي سلوك المنشآت بالمواطنة الصالحة.. فالمسؤولية المجتمعية هي التزام مستمر من قبل المنشآت للمساهمة في تحقيق التنمية للمجتمع وتحسين الظروف المعيشية للجمهور الداخلي وللمجتمع المحلي أيضا.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن مفهوم المسؤولية المجتمعية لا يزال يعاني من القصور في مفهومه لدى قيادات القطاع الخاص والعاملين فيه من جانب، فضلاً عن القصور في فهم المعنى الحقيقي لمسؤوليات القطاع الخاص تجاه المجتمع في جوانب التنمية الاجتماعية والمساهمة مع القطاع الثالث (منظمات المجتمع المدني والعمل الخيري والتطوعي) ودعم برامج التطوع والمبادرات ذات المردود المجتمعي من جانب آخر.
ولا تنحصر المسؤولية المجتمعية على مؤسسات القطاع الخاص الكبيرة، بل تستطيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة القيام بدور محوري في المسؤولية المجتمعية خصوصاً لو علمنا أن ما يقرب من 90 في المائة من المؤسسات في جميع أنحاء العالم تتكون من مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم وتمثل من 50 إلى 60 في المائة من فرص العمل، وتلعب دوراً مهما في تنمية المجتمع.
من جانب آخر تشير الدراسات الميدانية في الدول النامية إلى قصور في الدور الاجتماعي لمؤسسات وشركات القطاع الخاص، حيث لا يتناسب حجم ما تحققه من عوائد وما تحظى به من اهتمام ودعم حكومي ومجتمعي مع ما تقدمه لخدمة مجتمعاتها في غياب ملحوظ لتبني ثقافة المسؤولية المجتمعية التي تعتبر في الأصل استثمارا يعود على المنشأة وتعزيزا لقدراتها التنافسية فضلاً عن لعب دور وطني وواجب تمليه الدوافع الإنسانية والاجتماعية والدينية.
وتظهر الإحصاءات العالمية أن نصف الشركات الكبرى في العالم تصدر تقارير مستقلة خاصة بالمسؤولية المجتمعية كإجراء معياري باعتبار أن المبادرات المجتمعية استثمار أخلاقي بالدرجة الأولى يتصل بالأداء بعيد المدى لهذه المؤسسات والشركات، وأصبح هذا الاستثمار ضرورة لتميز هذه المؤسسات والشركات، وله دور في دعمها لتحتل مواقع بارزة ومتقدمة في المستقبل.
واليوم أصبح الكثير من قيادات القطاع الخاص والعاملون فيه والعملاء أكثر إدراكا واستيعابا لثقافة المؤسسة المجتمعية الخيرة التي تتبنى وتقدم مبادرات وطنية ذات قيمة للمجتمع، وهنا ندرك الدور الكبير والمهم للغرف التجارية الصناعية لإشاعة هذه الثقافة بين منشآت القطاع الخاص مع أهمية دور كل من وزارة التجارة والصناعة ووزارة العمل ووزارة الثقافة والإعلام في إشاعة الثقافة المؤسسية لدور القطاع الخاص تجاه المجتمع، وتبني استراتيجيات تنموية تسهم في تنافسية المنشآت الوطنية وتدعمها من خلال المنتجات والخدمات التي يقدمها القطاع الخاص.
وخلال الفترة الأخيرة تعالت النداءات بضرورة تبني المنشآت مسؤولياتها المجتمعية والأخلاقية حتى لا يتركز دورها حول تحقيق الربح فقط وسعيها لذلك عبر ممارسات غير مقبولة أخلاقياً أو قانونيا فالثروة ليست كل شيء بالنسبة للمجتمع، وهذا يؤكد أهمية تبني رواد الأعمال فكر المسؤولية المجتمعية منذ بداياتهم، الأمر الذي سيسهم في تبنيهم واجباتها الاجتماعية من خلال حرصهم على تنمية المجتمع وبناء منشآتهم العملاقة بإذن الله وفق مفاهيم حديثة تنطلق من المسؤولية المجتمعية.
هي دعوة حقيقية لأن تحرص كل منشأة لتكون مؤسسة مواطنة عبر تبني المسؤولية المجتمعية بكافة أبعادها الاجتماعية والبيئية والبحث عن أفضل وأجود الطرق والوسائل لخلق توازن بين نشاطها والعالم الذي يحيط بها لتحدث أثراً إيجابياً فيما حولها، وتعكس نظرة إيجابية صادقة لالتزامها بقناعة ذاتية تجاه عملائها ومحيطها عبر تجسيد الدور الاجتماعي التنموي، والمثابرة على الإبداع في مبادارتها المجتمعية.
في عالمنا اليوم يجب ألا تكتفي المؤسسات والشركات بالارتباط بالمسؤولية المجتمعية، بل يجب أن تغوص في أعماقها وأن تسعى نحو الإبداع في تبنيها وريادتها وتسهم في رقي المجتمع وتطوره وفق ما تمتلكه أي منشأة من موارد وإمكانات ونظرة مستقبلية.
المسؤولية المجتمعية هي مساهمة حقيقة وواقعية للارتقاء بالمجتمع نحو التحضر والتقدم والازدهار، وهي ليست محصورة على الشركات الكبرى فقط، بل من الواجب أن تسهم أي منشأة سواءً أكانت كبيرة أم متوسطة أم صغيرة ببرامج ومبادرات تحقق لها فوائد وعوائد على المدى الطويل، والأهم في ذلك أن تنفذ هذه المبادرات أو البرامج باحترافية وأن تحقق تنمية للمجتمع.
إن تبني منشآت القطاع الخاص بشكل عام لمفهوم ومبادرات وبرامج وأنشطة المسؤولية المجتمعية أو ما يطلق عليها أحيانا المسؤولية الاجتماعية يعد واجبا وطنياً ومجتمعياً تقتضيه احتياجات المجتمع وأفراده، ويحقق الريادة لها مجتمعياً، بحيث أن تكون المؤسسة أو الشركة مسؤولة اجتماعيا من خلال خلق وبناء مجتمعات أفضل.
أخي رائد الأعمال، أختي رائدة الأعمال وجها بوصلة أعمالكما تجاه المسؤولية المجتمعية، أجعلا جزءا من رسالتكما في الحياة خدمة مجتمعكم وتنميته، فنحن كرواد أعمال قادرون على أن نصنع فرقا من خلال التأثير الإيجابي على مجتمعنا وبناء مستقبل مشرق لأعمالنا بإذن الله.
* مستشار ومتخصص في الإعلام والعلاقات العامة والمسؤولية المجتمعية CSR.
@AlAmoudiaama
ص.ب: 22059 – جدة -21495