تُشكّل قصة إد كرافن واحدة من أكثر الرحلات الريادية إثارة للجدل والإعجاب في عالم الأعمال الحديث. إذ جمعت بين الموهبة المبكرة، وروح المغامرة المحسوبة، والقدرة النادرة على اقتناص الفرص السانحة في اللحظة المناسبة تمامًا.
ومن بداياتٍ بسيطة في مدينة ملبورن الأسترالية؛ حيث تفتّح شغفه العميق بالتكنولوجيا والألعاب الإلكترونية في سنٍ مبكرة جدًا، إلى تحقيق أول ربح مالي ملموس وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره خلال رحلة بحرية عائلية.
قصة إد كرافن
مع مرور الأعوام تحوّل هذا الفضول الطفولي إلى رؤية إستراتيجية حادة ونافذة. هذه الرؤية هي التي قادت كرافن وشريكه إلى تأسيس منصات ضخمة غيّرت وجه صناعة الترفيه الرقمي عبر الإنترنت حول العالم.
كما بفضل هذه الرؤية الجريئة وقدرته الفائقة على استغلال تقنيات العملات الرقمية الناشئة أصبح واحدًا من أصغر المليارديرات على مستوى العالم. وفقًا لمؤشر بلومبيرج للمليارديرات.
وبينما يميل كثيرون إلى رؤية عامل الحظ كأحد الأسباب الرئيسة لصعوده السريع. تشير مسيرته العملية إلى أن الجرأة في اتخاذ القرار المصيري. والقدرة المستمرة على الابتكار التقني الجذري، والتمسك بالإصرار رغم العوائق القانونية والتحديات الأمنية، هي التي صاغت ملامح هذا النجاح المبكر الذي يعد مصدر إلهام لجيلٍ جديد من رواد الأعمال الطموحين في القطاع الرقمي.
النشأة في ملبورن والخلفية العائلية المؤثرة
ولد إد كرافن يوم 18 نوفمبر 1995م بمدينة ملبورن، أستراليا. وعلى الرغم من حداثة سنه تحمل خلفيته الأسرية تفاصيل معقدة. فتم منع والده، جيمي كرافن، خلال ثمانينيات القرن الماضي، من العمل بمجال الخدمات المالية. كما حكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر بسبب انهيار شركة الاستثمارات “سبيدلي سيكيوريتيز”.
في حين أن هذه الخلفية العائلية جعلت كرافن ينمو ببيئة تدرك جيدًا المخاطر الكامنة بعالم التمويل والأعمال غير التقليدية. لذا التحق بمدرسة “بيشوب درويت كوليدج”؛ حيث بدأ بتطوير اهتمام مبكر وغير عادي بالتكنولوجيا والألعاب الإلكترونية والعملات الرقمية. التي شكلت اللبنات الأساسية لمسيرته اللاحقة.
فضول المراهقة والانخراط في مجتمعات الإنترنت
وفي سياق متصل كانت الشرارة الحقيقية لمساره هي فوزه بمبلغ 6000 دولار خلال رحلة بحرية عائلية وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره خلال سنوات تعليمه المبكر.
بينما أيقظت هذه التجربة فضوله العميق تجاه الإحصائيات المرتبطة بصناعة المراهنات. وهو ما وجه مساره نحو التحليل الرقمي بدلًا من المسار الأكاديمي التقليدي.
كذلك خلال سنوات مراهقته الحرجة أصبح كرافن نشطًا وفاعلًا للغاية بمجتمعات الإنترنت التي تتمحور حول الألعاب الافتراضية والمراهنات الإلكترونية غير الرسمية. لا سيما ضمن لعبة “رون سكيب”.
هذه التجربة شكلت مختبره الأول لاختبار نماذج العمل والمخاطر. كما زودته بمهارات مبكرة بتنظيم المعاملات المعقدة عبر شبكات رقمية غير منظمة.
المسيرة المهنية
بعد تجاربه المشتركة والمبكرة بالرهانات الافتراضية داخل لعبة “RuneScape”، وهي لعبة نرد إلكترونية متطورة قائمة بالكامل على العملات الرقمية. أسس كرافن وشريكه الإستراتيجي بيجان طهراني عام 2013 موقع “Primedice”. ثم تلا ذلك عام 2016 إطلاق شركة “Easygo”، التي تخصصت في تطوير ألعاب الكازينو عبر الإنترنت وتكنولوجيا المقامرة بشكلٍ عام.
ومع تصاعد النشاط ظل كرافن معروفًا للعامة باسم مستعار هو “إيد ميروسلاف” حتى نهاية عام 2021. إذ فضّل العمل بعيدًا عن الأضواء المباشرة.
ويشار إلى أن هذا النهج ساعد على تأسيس قاعدة صلبة للعمليات، بعيدًا عن التدقيق الإعلامي المباشر الذي كان يحيط بقطاع العملات الرقمية خلال ذلك الوقت.
إطلاق “Stake” والانتشار عبر الرعايات الرياضية
وتجسدت الرؤية الكبرى بإطلاق علامة “Stake” التجارية العملاقة عام 2017. وبدأت الشركة عملياتها بترخيص من كوراساو.
كما افتتحت مكاتب متعددة بصربيا وأستراليا وقبرص، وسرعان ما نمت لتصبح واحدة من كبرى شركات المقامرة بالعالم من حيث حجم التداول. هذا التوسع السريع وضع “Stake” بواجهة القطاع بوقت قياسي.

ولمنح “Stake” قوة تسويقية هائلة اعتمد كرافن على الرعايات الرياضية البارزة. حيث أصبحت الراعي الرسمي على قمصان ناديي إيفرتون وواتفورد الإنجليزيين.
فيما كانت ترعى فريق “ساوبر” بسباقات الفورمولا 1، وهو ما حقق لها انتشارًا إعلانيًا ضخمًا وعزز مكانتها كعلامة تجارية عالمية بقطاع المقامرة الرقمية.
شراكة دريك والتحديات الأمنية الكبرى
ولتعزيز هيمنتها استثمرت “Stake” مبالغ طائلة بالتسويق المؤثر. إذ حصل المغني الكندي الشهير دريك عام 2022 على 100 مليون دولار سنويًا مقابل الترويج لعلامة “Stake” على وسائل التواصل الاجتماعي. وذلك فيىصفقة أثارت جدلًا واسعًا بالأوساط المالية والإعلامية.
هذا الاستثمار الضخم يؤكد إستراتيجية الشركة بالانتشار السريع والوصول إلى قاعدة جماهيرية واسعة عبر الشخصيات ذات التأثير العالمي.
وعلى الجانب الأمني واجهت “Stake” تحديات كبرى؛ حيث أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) في سبتمبر 2023 أن مجموعة “لازاروس”، وهي منظمة جريمة إلكترونية كورية شمالية. سرقت نحو 41 مليون دولار من العملات الرقمية التابعة للمنصة.
في حين سلط ذلك الهجوم السيبراني الضوء بقوة على مخاطر هذا القطاع. وعلى الحاجة الملحة لتأمين الأصول الرقمية بأعلى المعايير.
التحول نحو العملات التقليدية
وفي سياق متصل شهدت المنصة تحولًا إستراتيجيًا لنموذج عملها مارس 2025. إذ أعلن كرافن تحول “Stake” لتنتقل من منصة تعتمد بالكامل على العملات المشفرة إلى قبول 70% من المعاملات بالعملات التقليدية.
ويعد هذا التحول محاولة للبحث عن مزيد من الاستقرار والامتثال التنظيمي. ما يشير إلى سعي الشركة للاندماج بشكل أكبر بالنظام المالي العالمي التقليدي.
وفي المقابل واجهت “Stake” عقبات تنظيمية وقانونية عديدة. حيث غادرت السوق البريطانية مطلع 2025 بعد تحذير من هيئة تنظيم المقامرة. كما رفعت ضدها دعوى قضائية بولاية كاليفورنيا أبريل 2025 بدعوى تشغيل “كازينو اجتماعي” بشكل غير قانوني. وهو ما يبرز حجم التحديات القانونية المحيطة بها بمسعاها لتوسيع نطاق أعمالها عالميًا.
إطلاق “Kick” والمنافسة بنموذج أرباح جذري
في عام 2022 أطلق كرافن وشريكه طهراني منصة Kick كمنافس مباشر لمنصة Twitch التابعة لشركة أمازون. وهي منصة بث مباشر عبر الإنترنت.
وهي تميزت بتقديم نموذج أرباح جذري وغير مسبوق يهدف لجذب صناع المحتوى الأكثر شهرة.
وتمنح Kick صنّاع المحتوى نسبة 95% من عائدات الأرباح، مقابل 5% فقط للمنصة، وهو ما يمثل فرقاً هائلًا عن نسبة Twitch. كما ترعى فريق Sauber في الفورمولا 1 ونادي إيفرتون الإنجليزي. مستفيدة من شبكة رعايات Stake في الترويج المتبادل.
الإيرادات والأصول الرقمية
حققت شركة “Easygo Solutions”، وهي الذراع الاستثمارية الخاصة لكرافن، إيرادات هائلة تجاوزت 500 مليون دولار خلال السنة المالية 2024.
وذلك الإنجاز جاء بصافي أرباح بلغ 260 مليون دولار، وهو ما يؤكد الهيمنة المالية للمجموعة بقطاعها. تلك الأرقام تضع المجموعة في واجهة الشركات الأكثر ربحية بمجال التكنولوجيا المالية غير التقليدية.
والأكثر لفتًا للانتباه هو احتفاظ الشركة بمحفظة عملات رقمية ضخمة بلغت قيمتها 405 ملايين دولار. وبالتوازي كان كرافن في الفترة نفسها يشغل منصب المدير بشركة “Easygo Group Holdings” بالاشتراك مع شريكه طهراني.
ويظهر هذا التركيز على الاحتفاظ بالأصول الرقمية مدى ثقة المجموعة بمسار العملات المشفرة. وذلك رغم التقلبات والتحديات التنظيمية.
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي السيادي
وعلى صعيد آخر وسّع إد كرافن دائرة استثماراته إلى مجال الذكاء الاصطناعي (AI). حيث أصبح المستثمر الأكبر بشركة الذكاء الاصطناعي الأسترالية “Maincode” بحلول أغسطس 2025.
ويشار إلى أن ملكية الشركة الأم “MCECTech” تعود بالكامل لكرافن. ويؤكد هذا التحول توجهه نحو التقنيات الإستراتيجية التي تشكل المستقبل، بعيدًا عن اقتصادات المقامرة الرقمية التي كوّنت ثروته.
وفي خطوة ذات دلالة كشفت “Maincode” خلال أغسطس 2025 عن منصتها الرائدة “Matilda”. ووُصفت بأنها أول نموذج لغوي ضخم سيادي بأستراليا، إذ درّب على بيانات أسترالية محلية.
يشير هذا الابتكار إلى توجه كرافن نحو التقنيات الإستراتيجية التي تربط الابتكار التقني بالأمن القومي وحفظ البيانات المحلية. ما يضفي بُعدًا جديدًا على مسيرته الاستثمارية.
الرمزية والامتداد الدولي
وعلى الرغم من طبيعة أعماله المثيرة للجدل يحظى إد كرافن باعتراف واسع كرمز لريادة الأعمال الشابة والناجحة بالعصر الرقمي. كذلك يعدّ تصنيفه كأحد أصغر المليارديرات عالميًا وفقًا لمؤشر بلومبيرج تكريمًا لجرأته ورؤيته بالسوق.
كما يضاف إلى ذلك الامتداد الدولي الواسع لعلامتيه التجاريتين بأوروبا وآسيا. وهو ما يجعله لاعبًا رئيسًا بسوق الترفيه العالمية، ومؤثرًا على مستوى السياسات التقنية.


