الوقف من أجل ريادة الأعمال
اكتسبت ريادة الأعمال بُعداً مهماً في خريطة الأنشطة الاقتصادية المؤثرة على مستوى العالم. ولم تكن هذه المكانة التي احتلتها ريادة الأعمال وليدة المصادفة، أو نتيجة أفعال عشوائية أو أفكار عابرة، وإنما مدخلات المجال ومخرجاته هي ما أكسبته البعد والمكانة في اقتصاديات كثير من الدول التي اهتمت ودعمت ريادة الأعمال، فحصدت نتائج مبهرة ظهرت آثارها في اقتصادها الكلي، ومستوى دخلها الإجمالي، وارتفاع نسب الإنتاجية ومستوى المعيشة، وما تجارب الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا واليابان وغيرها من الدول إلا دليل على قيمة الاهتمام بريادة الأعمال، ومدى تأثيرها في اقتصاد تلك الدول نمواً وتنوعاً وتفوقاً.
لقد شهد المجال إشراقات متعددة في عدد من الجوانب في كثير من الدول، فإضافة إلى اهتمام الحكومات والقطاع الخاص قدّم بعض الأفراد نماذج متميزة في مجال دعم نشر ريادة الأعمال وتشجيعها عبر التعليم، ولعل أبرز ما قُدِّم في هذا الإطار هو تخصيص أحد رجال الأعمال الغربيين عائداً كبيراً من ثروته وفوائدها من أجل تعليم الطلاب الوافدين من دول أخرى، وهو فعل إنساني وجد القبول والاستحسان من كل الأطياف، سواء في وطنه أم في خارجه، لما حقّقه هذا الدعم من نتائج أسهمت في حلّ كثير من مشكلات الطلاب الوافدين. ونحتاج نحن في دولنا العربية إلى مثل تلك المبادرات؛ فمجتمعاتنا تحتاج إلى تضافر كل الجهود للنهوض والتقدم والازدهار، خصوصاً أننا نعيش سباقاً محموماً في عالم اليوم بين كل المجتمعات من أجل النهوض وتحقيق الرفاهية.
إن حاجتنا وحاجة الدول العربية إلى أفكار مبتكرة ومميزة وفريدة تدعم مجال ريادة الأعمال تبدو أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى بعد أن ثبت بالدليل والبرهان أن ريادة الأعمال تمثّل المخرج لكلّ مشكلات المجتمعات العربية الاقتصادية والاجتماعية. ومن ضمن الأفكار التي يمكن أن تسهم في تحقيق طفرة غيرة مسبوقة في المجال تخصيص جزء من الوقف القائم والمحتمل لدعم رواد الأعمال والمبتدئين في مجال الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فبتنفيذ مثل هذه الأفكار سنضمن دعماً مستمراً لريادة الأعمال من جهة، ومساهمة فعالة من أفراد المجتمع في مساعدة الأفراد الآخرين على تنفيذ أعمالهم ومشروعاتهم، وتنمية المجتمع وترقيته، من جهة أخرى.
إن تخصيص جزء من الوقف من أجل دعم ريادة الأعمال فعل يمكن أن يحقّق مكاسب قد لا تخطر على البال، فهو اتّجاه يعزّز ترسيخ مفاهيم ريادة الأعمال، ويساعد على نشر ثقافة العمل الحر، خصوصاً بين أوساط الشباب، ويشجع على خروج مبادرات مبتكرة فردية وجماعية، بوصفه يمثّل حافزاً غير تقليدي للرواد، ويسهم في توفير فرص عمل جديدة من خلال تقليل اعتماد الشباب على الوظيفة، وهذا الأمر سيخفف الضغط على القطاع العام، كما يسهم في تكوين قاعدة جيدة تساعد على مواكبة التغييرات التي تطرأ على سوق العمل، وتؤسّس لبناء اقتصاد معرفي، وتعزيز مجتمع الريادة، والقضاء على مشكلة البطالة التي ظلّت نسبها في ارتفاع متصاعد في الدول العربية، أي أن هذه المعطيات مجتمعة وغيرها من النتائج المتوقعة ستسهم في تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية المستديمة.
الجوهرة بنت تركي العطيشان