لو قيل إننا نعيش في عصر مدمر لكان القائل محقًا إلى حد كبير؛ فهذا عصر؛ نظرًا لسرعته المتعاظمة، لا يكف عن تحويل كل شيء راهن إلى جزء من الماضي التليد، وتحويله إلى المتحف، وتجاوزه بخطوات كبيرة، ومن ثم لم يعد من الممكن الاستفادة منه، والحديث عن أساليب الابتكار لا يعني الرغبة في محاولة رسم عدة طرق محددة للتوصل إلى فكرة جديدة، وإنما المساعدة في مسايرة هذا العصر.
فلئن كان هذا العصر السريع يعدو بشدة نحو المستقبل، ويحيل كل شيء إلى قديم ولا يمكن الاستفادة منه، فإن المهمة الواقعة على كاهل رواد الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات المختلفة هي أن يقدموا الأفكار والمنتجات الرائدة والمبتكرة التي بإمكانها العمل في ظل المعطيات الجديدة التي تتبدل كل يوم.
وعلى ذلك فإن الابتكار هو واجب الوقت الآن، ولعله ليس من الغريب أن يكون سبب فشل الكثير من الشركات هو عدم قدرتها على مسايرة العصر وتحدياته المختلفة؛ فربما تكون الشركة بدأت بنموذج عمل جديد وجيد في الوقت نفسه، لكن عدم تطويره أدى إلى فشلها فيما بعد، ناهيك عن أنه ليس من المضمون أن يقود النجاح إلى نجاح.
وعلى أي حال، فسنحاول فيما يلي الإشارة إلى بعض أساليب الابتكار التي قد تضع الشركات على الطريق الصحيح، وتعفيها من مغبة الفشل، وذلك على النحو التالي:
اقرأ أيضًا: رقمنة الأعمال.. دليل الشركات إلى الربح والنجاح
تحسين ما تقوم به بالفعل
هذه هي استراتيجية شركة Apple وأسلوبها في الابتكار كذلك؛ حيث تقدم كل سنة iPhone جديدًا، لكنه أسرع قليلًا، وأكثر أمانًا، ولديه ميزات جديدة تجعله أكثر قدرة من سابقه، صحيح أنه لا يزال iPhone، ولكنه أفضل.
هذا أحد أساليب الابتكار التي يمكن تسميتها “الابتكار التدريجي”، وهناك بالطبع من يتبع نهجًا آخر مغايرًا لذلك؛ حيث يتم في كل مرة تقديم نموذج/ منتج جديد بالكلية لا علاقة له بسابقه، لكن استراتيجية شركة Apple أثبتت جدواها وفعاليتها، ناهيك عن أنها طريقة لا تنطوي على قدر كبير من المغامرة، طالما أننا نتولى تطوير وتعديل منتج نملكه بالفعل.
اقرأ أيضًا: طرق قياس الابتكار.. كيف تدوم الشركات؟
تطبيق ما تجيده في مجالات أخرى
تتبع شركة أمازون هذه الطريقة، وأفلحت فيها، وثبتت جدواها وفعاليتها، فبعد أن كانت أمازون محصورة في مجال بيع الكتب عبر الإنترنت، توسعت إلى فئات أخرى مثل الإلكترونيات والألعاب، بل كل ما يخطر لك على بال يمكن أن تجده عبر أمازون.
صحيح أن هذا التوسع حتّم عليها دفع استثمارات هائلة في قطاع التكنولوجيا، لكن أموالها لم تذهب هدرًا؛ حيث استفادت منها فيما بعد في إنشاء أعمال جديدة.
وعلى كل حال، فإن الشركة طبقت هذا الأمر بشكل جيد بالفعل وتوسعت إلى مجموعة مجاورة من الأسواق، ونجحت في ذلك في كثير من الأحيان؛ حيث ساعدها Kindle، على سبيل المثال، في السيطرة على الكتب الإلكترونية وعزز أعمالها الأساسية في الوقت ذاته.
وفي هذا النموذج من نماذج أو أساليب الابتكار هناك قدر من المخاطرة؛ إذ إنك تتوجه إلى مجال جديد عليك تمامًا، وإن كان الجيد في الأمر أن لديك طريقة/ استراتيجية ثبتت جدواها بالفعل، لكن هذا لا يعني أنها ستصلح للقطاعات الأخرى.
وليس أدل على ذلك من أن شركة أمازون نالت قدرًا من التخبط والتلكؤ عندما حاولت التوسع والاستثمار في قطاعات جديدة عليها تمامًا، لكن ذلك لا يعني أن هذا الأسلوب غير نافع أو مجدٍ، وإنما يعني فقط أنه ينطوي على بعض المخاطر التي يجب وضعها في الحسبان.
اقرأ أيضًا: ما لا تعرفه عن الإبداع.. أساطير يجب التخلص منها
إيجاد مشكلة جديدة وحلها
هذا أحد أبرز أساليب الابتكار؛ إذ يكمن نموذجه الأساسي في العثور على المشكلة، أولًا، ثم محاولة حلها، والعثور على المشكلة ليس بالأمر الهين، طالما أنك تريد مشكلة جديدة لم ينتبه إليها أحد من قبل، ثم، ثانيًا، تقديم حل لهذه المشكلة، شرط أن يكون رائدًا ومستدامًا.
تَذَكُر المستقبل
إذا كنت تقدم منتجًا ما لشريحة معينة من العملاء فمن المهم أن تفكر دائمًا فيما سيكون عليه شكل هذا المنتج في المستقبل؛ كي يلبي احتياجات هؤلاء العملاء التي هي في تطور دائم، وهو الأمر الذي يجعلك مجبرًا على الاقتراب من هؤلاء العملاء أنفسهم، وسؤالهم عما يتوقعونه من المنتج في المستقبل، وما هو الشكل الذي يتمنون أن يجدوا هذا المنتج تحول إليه.. إلخ.
فمن شأن هذه الأمور، ومن شأن الإجابة عن هذه الأسئلة كذلك أن تعطيك الفرصة للابتكار، وتطوير منتجاتك بما يتواءم مع المستقبل من جهة، ومع احتياجات هؤلاء العملاء من جهة أخرى.
وعلى أي حال، فإنه لا يمكن حصر أساليب الابتكار ولا عدها، لا سيما أن كل شركة رائدة عن حق تقدم نموذجها الخاص في الابتكار، لكن كل ما هنالك أننا أردنا الإشارة إلى بعض هذه الأساليب من جهة، والتذكير بأن الابتكار هو تذكرة العبور إلى المستقبل.
اقرأ أيضًا:
أبطال الإبداع.. كيف تُحوّل أفكارك إلى منتجات؟
الابتكار وريادة الأعمال.. مأساة التكرار!
مراحل التفكير الإبداعي.. المشكلات وقود الابتكار