إذا كانت الإنسان قد استغرق نحو 15 ألف سنة؛ حتى توصل إلى اختراع جهاز الكمبيوتر، فإنه لم يستغرق أكثر من ثلاثين عامًا فقط منذ ذلك الاختراع؛ ليتوصل إلى اختراع الهاتف المحمول؛ إذ أصبح في يد الإنسان اليوم مزيد من قوة أجهزة الكمبيوتر التي يسرت على علماء وكالة ناسا الفضائية الوصول إلى سطح القمر.
ولا شك في أن التقنيات الحديثة والابتكارات المترتبة عليها، أدت إلى التطور السريع الذي يشهده العالم الآن في شتَّى المجالات، مع تعليق الآمال على الجامعات كقائدة ودافعة للابتكار، بما لديها من عوامل تجعلها تدرك ضرورة تطورها؛ إذ لا تستطيع الاستمرار على الطريقة نفسها التي اتبعها خلال السنوات الماضية.
كانت الجامعات في بداية نشأتها، مجرد مكان يوفر التدريب الأكاديمي لنخبة متميزة، لكنها اليوم أصبحت مكانًا لتدريب الخريجين على دخول سوق العمل؛ بمنحهم شهادات تُعد شرطًا للانخراط في مجال العمل، سواء في القطاع العام أو الخاص؛ ما يعني تطور دور الجامعات جذريًا، وتوقع أن تكون لاعبًا أساسيًا في دفع حركة اقتصاد الدول؛ ما يمثل تحديًا يتطلب من الجامعات التعامل معه بجدية.
وعلى مستوى الواقع، تتزايد أعداد الخريجين سنويًا، دون أن يجد أغلبهم أماكن في سوق العمل. وعندما تسأل الجامعات عن ذلك، تجد إجابة واحدة من كثير من صناع القرار في وزارة التعليم والجامعات؛ وهي: ” الجامعة مؤسسة تعليم وبحث علمي، وليس من مسؤولياتها التوظيف”. يكتفون فقط بهذه الإجابة، دون أن يضعوا خططًا للتعامل مع التزايد المستمر في أعداد طلاب الجامعات سنويًا، والذي ينمو بقفزات كمية؛ ما يترتب عليه تلقائيًا أعداد أكبر من الخريجين.
يُلاحظ في الوقت نفسه أن الجامعات تقيس النجاح بعدد الملتحقين بها، وعدد الخريجين؛ ما أدى إلى كثرة عدد الأسئلة المطروحة، والتي أبرزها: هل خريجو الجامعات مناسبون لدخول سوق العمل؟ وبما أن كثيرًا منهم لا يجدون مكانًا في سوق العمل؛ فهذا يعني أن الجامعات لم تستجب بما فيه الكفاية لاقتصاد المعرفة والرؤية التي يتضمنها برنامج التحول الوطني؛ وهو ما يستدعي تغيير النهج الذي تتبعه الجامعات في التعليم، والمقررات الدراسية؛ من أجل التصدي للتحديات الوطنية والعالمية، دون إغفال التنظيم والوعي المؤسسي.
ولا ننكر أن الجامعات قد واجهت خلال السنوات العشر الماضية، قضايا مختلفة؛ مثل العولمة، والدولية للتعليم العالي، وارتفاع أعداد الطلاب، والقيود المالية، والأزمة الاقتصادية، لكن عليها أن تجيب عن أسئلة جوهرية موجهة إليها؛ مثل كيفية التكيف مع دينامية البيئة المتغيرة باستمرار، وماذا عن مساهماتها المحتملة والحقيقية في التنمية الاقتصادية؟؛ فهذا النقاش يجب أن يستمر؛ لتسليط الضوء على جامعة ريادة الأعمال، والجامعة المستدامة، أو ما يمكن تسميته بــ” جامعة ريادة الأعمال المستدامة المسؤولة اجتماعيًا”.
يجب على المسؤولين، تحديد ما تحتاجه الجامعة؛ لتتحول إلى جامعة ريادة أعمال مستدامة، وكيفية تطبيق هذا التحول، مع تقديم تعريف واضح للعوائق المحتملة خلال هذا التحول.