امتلاء البيت بأريج العطور التي كان الأب مولعًا بتركيبها، دفعها لدراسة الكيمياء؛ لتسبر أغوار هذه الصناعة المرتبطة بالحس المرهف والجمال، فقررت استثمار موهبتها في عمل متجر صغير للعطور بدأ من المنزل، وانطلقت بفضل طموحها، وإصرارها ودراستها لريادة الأعمال؛ لتؤسس أول مصنع في الخبر، كأول سيدة تخوض غمار هذا المجال في المملكة، وأول مصممة سعودية لصناعة وتصميم العطور.
إنها نوف شليويح القحطاني؛ رئيسة شركة” نشق للعطور، وعضو المجلس التنفيذي لمجلس شابات الأعمال بغرفة تجارة وصناعة الشرقية، والتي دار الحوار معها..
ــ كيف كانت بدايتك مع عالم الأعمال ؟ وكيف بدأت حكايتك مع العطور؟
كانت البداية مجرد هواية، ورثتها عن أبي الذي كان عاشقًا للعطور، ومعروفًا بإبداعاته في تركيب خلطات عطرية مميزة. وكان دائم الرحلات إلى كمبوديا، مخاطرًا بنفسه في مناطق محظور زيارتها؛ حيث غابات أشجار العود، التي يستخلص منها دهن العود الخام؛ المصدر الأساسي للعود الخام- والذي يقوم عليه الاقتصاد الكمبودي- من أجل الحصول على تلك الرائحة الفريدة. وهو من علمني أساسيات التركيبات وفن مزجها، ودائمًا ما يعمل على دعمي وتحفيزي معنويًا وماديًا.
ــــ وكيف تأسست شركة ” نشق” للعطور؟
بدأت بمشروع صغير أدرته من المنزل، بدعم من أهلي وصديقاتي اللاتي كان لهن دور كبير في تشجيعي، والمساعدة في انتشار اسمي والتسويق لي. وكانت نقطة التحول الهامة عندما شاركت في معرض صغير وخاص لأربع شابات أعمال عام 2005 ؛ كنت إحداهنَّ؛ حيث طرحت للبيع فيه خمسة أنوع عطور خاصة ذات تركيبة مميزة. وكانت المفاجأة نفاد كل الكمية المعروضة في أول يوم للمعرض؛ لتبدأ المرحلة الهامة لاستثمار هذا النجاح؛ بحصولي على ترخيص من وزارة التجارة والصناعة لعمل مصنع صغير، سرعان ما تطور ليصبح مجموعة متكاملة وعلامة تجارية سعودية وعربية مميزة.
ـــ لماذا اختيار اسم” نشق ”؟
يمثل اختيار اسم العلامة التجارية أهمية كبيرة؛ لذا ينبغي اختيار اسم جذَّاب ومبتكَر ومؤثِر، خاصة في مجالنا. وبتوفيق من الله- عز وجل- اجتمعت حروف اسمي الأولى (نوف شليويح القحطاني)؛ لتكون كلمة (نشق) وهي كلمة عربية صحيحة معناها: ( نَشق الرَّائحةَ : شمُّها )، فكان الاختيار.
علم غامض
ــ ما العلاقة بين دراستك للكيمياء وريادة الأعمال ؟
العلاقة بينهما طردية وعلمية بشكل متجانس، ساعد كثيرًا في فهم وحل لغز هذا العلم الغامض؛ علم صناعة العطور، والوصول بي وبمشروعي لما أنا عليه الآن.
لقد أفادتني دراستي للكيمياء في البكالوريوس- إلى حد كبير- في معرفة كيمياء المواد التي أستخدمها، ومعايير الخلط ؛ حيث تعلمت فن ومعايير الخلط ومزج التركيبات للوصول للتجانس، واستخراج العناصر من العدم، فيما أفادتني دراسة إدارة الأعمال –بحصولي على الماجستير من جامعة الملك فيصل، تلاها ماجستير من الجامعة الأمريكية بلندن- في تأسيس وإدارة مشروعي، وتنميته والنهوض به.
عملاء مميزون
ـــ المنافسة في مجال العطور كبيرة في ظل وجود علامات تجارية عالمية ومحلية، فكيف نجحتِ؟
بالطبع، فالمنافسة في مهنتنا –خصوصًا- كبيرة للغاية، في ظل وجود علامات تجارية عالمية، صنعت لها اسمًا وتاريخًا على مدى عقود طويلة، كما أن صناعة العطور مجال غني بالتجارب والاستثمار فيه حاد ودقيق، يتطلب معايير عالية في التخصص والمعرفة الكيميائية والبراعة العطرية؛ لذا اختفى من السوق كثير من الأسماء لعدم قدرتها على الاستمرار.
ومن أول لحظة في العمل بمشروعي لم تغب عني هذه الحقيقة، فبالإضافة لخبرتي الفنية المتوارثة 12 سنة في تصميم العطور، وخبراتي الإدارية المكتسبة من عملي17 سنة في القطاع الخاص والحكومي، حرصت على الحصول على دورات تدريبية على يد خبراء عطور محليين ودوليين؛ ما دفعني إلى النجاح بفضل خلطاتنا المميزة، والحصول على مساحة في السوق المحلي والخليجي. ولا زلنا نبذل كثيرًا من الجهد للحفاظ على هذا النجاح، وزيادة المساحة في السوق؛ كي تحتل مجموعتنا العطرية مكانة خاصًة وتكتسب قاعدة واسعة من العملاء المميزين.
المزايا التنافسية
ــــ إرضاء العملاء في المملكة قد يبدو صعبًا، فما المزايا التنافسية التي تقدمونها؟
أعي هذا جيدًا، فنحن في بلد الحرمين، والطيب والعطور سنة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، والمملكة سوق مستهلك كبير؛ حيث يتميز عملاؤنا بالذوق الرفيع والحس المرهف، ومن الصعب إرضاؤهم، خاصة وهم يحرصون على شراء “البراندات” العالمية، لكننا نحرص على الجودة العالية باستخدام مواد خام من دهن وزيوت أصلية وذات مواصفات عالمية، من أجمل الأزهار، ومن الأماكن المعروفة عالميًا بصناعة وتجارة العطور كفرنسا والصين والهند وألمانيا، كما اكتسبنا خبرة على مدى سنوات؛ عن طريق التجارب في طريقة صنع العطور وميكانيكية الخلط ، لابتكار تركيبات جديدة أخَّاذة وخلطات أسطورية تشكِّل ثورة في عالم العطور.
بصمة خاصة
ــــ وما سر نجاح تركيباتكم ؟
البصمة الخاصة واللمسة السحرية بإظهار وجه جديد للعطور بنكهة أنيقة؛ عصرية وكلاسيكيّة، غنيّة ومترفة، ولكن غير متوقعة وفوضويّة بعض الشيء، فعطوري حرة لا يوجد ما يقيدها.
ولدي ميزة مهمة كوني سعودية وخليجية، أمتلك الحس والذوق والقدرة على فهم الذوق الخليجي، ومقدرة على إظهار تركيباتنا الشرقية الساحرة والمرغوبة عالميًا، بشكل جديد ونكهات مستحدثة، تواكب العصر بعراقة وأصالة متجددة، كما لدي القدرة على عمل خلطات فرنسية أخاذة، يشيد الكل بتميزها وتفردها في عالم العطور الأوروبية والغربية.
هناك أيضًا الفخامة والتركيز العالي في العطور والذي لايقل عن 16% ، بالرغم من التكلفة العالية للمواد الخام الطبيعية، إلى جانب سلامة التركيبة الكيميائية، فعطوري صحية ومطابقة للمعايير الدولية؛ وخالية من أي مواد غير آمنة صحيًا قد تسبب الحساسية أو تهييج البشرة أو أية مشكلات أخرى.
ـــــ هل يميل الذوق السعودي للعطور الشرقية أم الغربية؟
نحن ننتج العطور الشرقية والفرنسية، لكن الإقبال على العطور الشرقية أكبر بكثير.
وسأحرص في المصنع الذي سأفتتحه أن أوظف مصممات متخصصات لتصميم علب وزجاجات العطور، مع حرصي على توظيف متخصصات في الكيمياء لمساعدتي في عملية الخلط والمزج.
تحديات مالية ولوجستية
ــ ما التحديات التي واجهتك في تنفيذ المشروع ؟ وكيف تغلبتِ عليها ؟
تحديات مالية ولوجستية، وأخرى تتعلق باكتشاف مصادر العطور والزيوت العطرية النادرة وغير المكررة، لكن تغلبت عليها، عن طريق البحث والاكتشاف والإصرار والإيمان بأنه لاتوجد معلومة لايمكن الوصول لها.
ــ هل استفدتِ من البرامج الحكومية الداعمة لرواد الأعمال ؟
نعم استفدنا كثيرًا، عن طريق صندوق الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتنمية المرأة، الذي يقوم بدور كبير في دعم المرأة وخصوصًا شابات الأعمال؛ حيث يقف وراء نجاح العديد من المشاريع المتميزة.
وقد كان خير داعم ومحفز لي معنويًا وماديًا، وأفادني كثيرًا: ماليًا بتوفير التمويل اللازم، وتسويقيًا بتسهيل المشاركة في المعارض محليًا ودوليًا، ومعنويًا بالسمعة الطيبة للصندوق في تخريج المشاريع الناجحة.
ــ من موقعك بالمجلس التنفيذي لشابات الأعمال بالشرقية.. كيف ترين حركة ريادة الأعمال في المملكة ؟
الحركة غير مسبوقة، ونتطلع لنتائج إيجابية خلال الربع الأخير من هذا العام، كما أن الدعم الحكومي كبير، ينم عن دعم لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ــ وما تقييمك لمشاركة المرأة في ريادة الأعمال؟
المرأة قطعت شوطًا كبيرًا، وأثبتت قدرتها على خوض شتى المجالات بجدارة، والدليل تعيين عدد من السيدات في مناصب قيادية مالية وحكومية وخاصة على مستوى المملكة.
ـــ ماذا عن رحلتك الأخيرة لأسبانيا وأهميتها ؟
ستنعكس أهميتها على الخدمات التي يقدمها مجلس شابات الأعمال، وستعم الفائدة على الجميع؛ لحرص القيادات على استقبالنا فور العودة، والاستماع للتجربة، وعلى رأسهم أمير الشرقية، والاهتمام بالتوصيات والنتائج التي رفعت لمجلس إدارة غرفة الشرقية، ولهيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ حيث استقبلنا د. غسان السليمان رئيس الهيئة.
وتكمن أهميتها في أننا أول وفد نسائي يخرج من المملكة بصفة رسمية، وهذا بحد ذاته تمكين للمرأة وإثبات أهميتها لبناء جدار من العلاقات الدولية الاقتصادية غير المسبوقة.
كان اللقاء فرصة جيدة للتعرف على التجربة الأسبانية المميزة، من خلال اللقاءات رفيعة المستوى مع مسؤولي وخبراء وأعضاء المؤسسات الحكومية والخاصة والشركات الداعمة لريادة الأعمال والمؤسسات النسائية المعنية بسيدات ورائدات الأعمال، والاطلاع على الجهود الأسبانية الرسمية والأهلية والخاصة في دعم المرأة، وبرامجها الموجهة لتعزيز مشاركة المرأة في المجال الاقتصادي، كما تم زيارة عدد من المصانع والتجمعات التجارية والصناعية، والإلمام بالجوانب الاستثمارية، وكذلك التعرف على الخبرات في مجالات التنمية الاقتصادية وأهم المنشآت الأسبانية المهتمة بريادة الأعمال، بالإضافة إلى النظام الصناعي المتطور الذي يوفر بيئة داعمة للإنتاج الصناعي من معلومات وأجهزة وخدمات وحلول تكنولوجية، إلى جانب طرق تحفيز نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة عبر إنشاء مجمعات الحاضنات ومسرعات الأعمال ودعم الابتكار والتقنية.
ــ ما تفسيرك لضعف إقبال الفتاة السعودية على ريادة الأعمال ؟ وكيف يتم التغلب عليه ؟
أخالفك الرأي، ففي وقتنا الحالي لم تبقَ سيدة أو طالبة لا تملك مشروعًا صغيرًا، فقد أصبح ذلك من كماليات الحياة؛ مايدل على الوعي المتنامي للمرأة.
ـــ ما تحليلك لتركيز رائدات الأعمال بالمملكة على المشاريع السهلة ذات العائد السريع؟ وكيف يمكن الاستفادة من طاقاتهن في مشاريع صناعية وتقنية كبيرة ؟
لأن هذا ما اعتدن عليه، لكن رؤية 2030 فتحت الآفاق في سبيل الاستثمار الصناعي والتجاري، وغيرت المناهج وطرق الحياة والتفكير؛ ما ينتج عنه أجيال واعية، ناهيك عن عدد المبتعثين الذين يعودون بعقول مبتكرة وأفكار ترتقي بالوطن واقتصاده، وشجعت النساء لخوض مجالات أخرى كالمكاتب العقارية والمصانع والجمارك.
ــ ما هي طموحاتك المستقبلية ؟
الانتشار عالميًا، وترسيخ اسم “نشق” كعلامة تجارية عالمية.
حاورها: حسين الناظر