إن موضوع التقليد في عالم المنشآت الصغيرة والمتوسطة لهو أشبه بالعدوى، حيثما ترى مشروعًا ناجحًا ترى العشرات يكررونه بالمدينة نفسها، وبالحي نفسه، بل وبالشارع نفسه، ليسقط الجميع.
وإذا كان البعض مصرًا على التقليد، فليبدأ بما انتهى إليه الآخرون من تطوير وتحسين؛ فالسوق لا يرحم، والزبون أذكى من الجميع.
منذ عشرين عامًا، جاءني شاب تملؤه الحماسة والنشاط، طالبًا نصيحتي حول كيفية بدء مشروع إنتاج أجبان بيضاء؛ لأن قريته بأطراف مدينة المنصورة شمال مصر، اشتهرت بإنتاج هذه الأصناف، وفيها اثنان وعشرون مصنعًا تتسابق فيما بينها لإنتاج المنتجات نفسها.
فوجئ هذا الشاب بسؤالي عن العبوة التي يتم فيها تعبئة الأجبان، وأخبرني أنها من صفيح معدني مجلفن ذي اشتراطات معينة، يتم جلبها من أقرب مصنع لهم في مدينة الإسكندرية والتي تبعد عن قريته بأكثر من 300 كم .
هنا اتضحت الفكرة في خاطرنا معًا، وسبقته قائلًا: لماذا تود أن تكون المصنع رقم ثلاثة وعشرين، في حين يمكنك أن تكون المصنع الأول الذي يتسابق عليه الاثنان وعشرون مصنعًا الأخرى؛ حيث وصلت المنافسة بينهم فيما نطلق عليه: “حرق الأسعار والجودة”.
بدأ صديقنا بمكبس اكسنتريك (صناعة محلية)، إضافة إلى بعض الأدوات والمعدات البسيطة والخامات المحدودة والتي لم تكلفه حينها ألفي دولار. والآن، هناك خط إنتاج حديث، وفرن، وخط للطباعة الحديثة الملونة، وإجمالي أصول تقدر بأكثر من سبعمائة ألف دولار.
وبالمعسكر الآخر، وبعد هذه السنوات، لم يتبق على قيد الحياة سوى سبع مصانع أجبان بعد أن لفظ السوق، الهزيل منها.
إن فكرة المشروع الصغير بمثابة اللبنة والخطوة الأولى لنجاح المشروع، لكن يجهل بعضنا الأفكار التي تناسبه، والتي قد تؤدى إلى مشروعات ناجحة. ومهما كان النشاط الذي ستختاره، فالمهم أن تحب القيام به، وأن الآخرين على استعداد لدفع الثمن للحصول على منتجاتك أو خدماتك. ولكن، كيف نحصل على تلك الفكرة؟ وكيف نتأكد من كونها مُجدية ومناسبة لقدراتنا واهتماماتنا؟، أو “تنبع من داخلنا” ؟!
ولكن كيف نختار فكرة جيدة للمشروع الصغير؟
تُعد الفكرة هي اللبنة الأولى للمشروع، وقد يكون لدى كل منا أفكار يمكن أن تؤدى – في حالة دراستها جيدًا- إلى مشروعات ناجحة. فمهما كان النشاط الذي ستختاره، فتأكد من أنك تحب القيام به، وأن الآخرين على استعداد لدفع الثمن للحصول على منتجاتك أو خدماتك.
تأمل معي هذه الطرق العشرين للمساعدة في الحصول على فكرة مناسبة لقدراتك، فاقرأ بعناية كل طريقة من هذه الطرق العشرين، وابدأ عملية توليد أفكار لمشاريع صغيرة مناسبة لقدراتك، ومقتبسة من كل طريقة.
اجلس في مكان هادئ وفكر بعمق لمدة 10-15 دقيقة لكل طريقة.سجل بالورقة أفكار المشاريع الصغيرة المستوحاة من كل طريقة، وكرر ذلك مع كل طريقة؛ حتى الانتهاء من الطريقة العشرين. كرر ذلك على مدار يومين أو ثلاثة. في النهاية، ستفاجأ بأنك تمتلك عشرات الأفكار لمشاريع صغيرة، وستتمكن أيضًا من المقارنة بين هذه المشروعات واختيار الأنسب لك، دون الاعتماد على استشاري أو أية جهة أخرى:
- حــوِّل هوايتك إلى مشروع
إذا كنت تهوى الصيد، فافتتح محلًا لأدواته. وحول حبك للحلوى إلى حب لصناعة الحلوى. وعندما تضع نفسك مكان العميل، فإنك تزيد من فرصة نجاحك كرجل أعمال. ربما لم تكن عند عبدالله الشعالي؛ بطل السباقات البحرية في الإمارات، أية فكرة عن المستقبل الذي وصل إليه اليوم، فهو يمتلك إحدى أهم شركتين لصناعة اليخوت والقوارب في الشرق الأوسط. إن جوهر نجاح الشعالي هو شغفه وحبه لعالم البحار الذي أعطاه التصميم والإرادة لخوض هذه التجربة. بدأ عبدالله الشعالي بطلًا للسباقات البحرية في الفئة الأولى، وخاض العديد من البطولات المحلية والعالمية وحاز على العديد من الجوائز.
ومن واقع خبرته بالقوارب (التي كان يقودها) اكتشف إمكانية أن يضيف ويعدل في السرعة وقلة مقاومة الماء وانسيابية الشكل ومقاومة الهواء والقدرة على الاحتمال في ظروف الخليج القاسية من حرارة شديدة ورطوبة عالية. ومن هنا، جاءت فكرة منافسة المنتج الأجنبي بالنوعية والتميز والسعر، فأدرك عبدالله الشعالي أن ابن المنطقة هو الأقدر على معرفة احتياجاتها وخصوصيتها. ولاقت المنتجات التي قدمتها “الشعالي مارين” ؛ الشركة التي أسسها عبدالله الشعالي نجاحًا كبيرًا؛ لتصبح اليوم “AS MARINE” علامة تجارية تنافس بشدة ،ومطلوبة من قبل خبراء ومقتني اليخوت بكافة أنحاء العالم.
- وفر ما تحتاجه ولا تجده
هل بحثت عن منتج أو خدمة ولم تجدها في بلدك؟! حاول توفير ما كنت تحتاجه ولا تجده، فإحدى أشهر شركات طبع الأفلام في أوزبكستان، أسسها صاحبها عندما لم يجد محلًا لطبع أفلامه هناك. واليوم، تساوى شركته نحو 100 مليون دولار.
وفي منطقتنا العربية، وبينما كان الشيخ سعود بهوان من سلطنة عمان، يتفقد أحد مشاريعه المرتبطة بالسيارات ذات ليلة، سأل أحد السائقين: ماذا عساي أن أفعل إذا تعطلت سيارتي ليلًا واحتجت مساعدة ؟ فرد السائق: ليس عليك إلا الانتظار إلى الصباح. لم تمر هذه الملاحظة على الشيخ سعود، فقرر إنشاء مراكز خدمات تعمل على مدار الساعة، وطوال أيام السنة لإرضاء زبائنه، فتطورت إمبراطوريــته لتضم الآن مئات الفروع، وملايين الأصناف، وآلاف الموظفيـن.
- تفحص المشاكل، تجد مشاريع مهمة
فتش عن المشاكل، وابحث عن حلها بطريقتك، واسأل كل من حولك عن المشاكل اليومية التي تواجههم، فقد يشيرون عليك بأفكار جديدة. فالحاجة أم الاختراع، خاصة وأن اختراع وتسويق أغلب الأدوات المكتبية كان بسبب مشاكل واحتياجات تمس أعمال الموظفين اليومية.
- اختلف عن الآخـرين
عندما تقدم شيئًا مختلفًا عن الآخرين، فسوف تستقطب شريحة من السوق تستهدف هذا الاختلاف. وهذا يعني أن السلعة أو الخدمة التي تقدمها يجب أن تكون فريدة، وأن تعرِفْها، وتعرِّفها لعملائك. ونتائج هذه المغامرة، لا تعترف بالحلول الوسط؛ فإما أن تنجح نجاحًا باهرًا أو تفشل فشلًا ذريعًا. فعلى سبيل المثال، بدأت سلاحف النينجا بتقليعة، وانتهت إلى صناعة.
- قدم عملا مفيدًا
عندما تنظر إلى مجتمعك المحلي وتتلمس احتياجاته، يمكنك الوصول إلى فكرة جيدة لمشروعك. فالمهندس السعودي صبحي بترجي عندما فكر في إنجاز حلم والده، بتوفير خدمات رعاية صحية لمجتمع جدة من خلال صرح طبي متميز في كل شئ.
كانت هذه بداية فكرة المستشفى السعودي الألماني الذي انطلق من جدة، ثم إلى عسير والرياض والمدينة المنورة واليمن والقاهرة وأثيوبيا ونيجيريا. والآن يحلم المهندس بترجي ببناء وتشغيل ثلاثين مستشفى في العالم العربي والإسلامي وإيجاد خمسين ألف وظيفة.
- ابدأ من حيث انتهى الآخرون
يمكنك أن تستفيد من التطورات العالمية من حولك، ففي الوقت الذي كان فيه التجار يوردون أثاث المكاتب وتجهيزات بسيطة، أدخل عبد الرحمن الجريسي للسوق السعودية مجال تقنيات المكاتب وتجهيزها بادئًا بمبلغ 40 ألف ريال، واختار التركيز في مجال تقنيات المعلومات والشبكات الكمبيوترية.
ومن بداية بسيطة؛ حيث كان يعمل معه شخص واحد فقط، أصبح يعمل في شركاته أكثر من 5 آلاف موظف وعامل، منهم 4 آلاف موظف يعملون في مجال التقنية. وكان أول من جلب كمبيوتر للبيع في السوق السعودية ، وذلك في بداية السبعينيات الميلادية عندما انتشرت أنباء استخدامات الكمبيوتر في عالم الأعمال.
- ابحث عن الأسواق الناشئة
ابدأ في سوق بكر لم يلتفت إليها الكبار، ولا تنسَ أنهم بدأوا صغارًا. فقد قبل رفيق الحريري(لبنان) تحديًا فيه كثير من المغامرة باشتراكه مع شركة “أوجيه” الفرنسية في إنشاء فندق بمدينة الطائف، في فترة تسعة أشهر، بعد أن اعتذرت شركات كبرى عن قبول هذا التحدي في حينه؛ ليحقق بذلك أول إنجازاته الكبرى، ثم يؤسس بعدها “سعودي أوجيه” وينطلق في عالم المال والأعمال.
- نفذ القديم بأسلوب جديد
يقول الشيخ صالح الراجحي ( السعودية) :” كنت أجلس في إحدى الساحات بمدينة الرياض قديمًا لتغيير العملة، وكان الناس يتهافتون علي. وعندما افتتح لأول مرة محل للصرافة عام 1366هـ، انطلقت منه مجموعة الراجحي التجارية التي أصبحت الآن إمبراطورية مالية ضخمة.
- حسِّن ما يقدمه الآخرون
يعتبر هذا مدخلًا بديلًا عن ابتكار أفكار جديدة، فشركة سنجر مثلًا لم تخترع ماكينة الخياطة، بل طورتها بإضافة الحركة الميكانيكية بواسطة الأرجل بدلًا من استعمال اليد فقط.
وللحديث بقية في العدد القادم