تعتبر بدرية الكبيسي من أبرز رائدات الفن التشكيلي القطري، بدرية واحدة من أميز التشكيليات القطريات منذ تجربتها الباكرة في ثمنينيات القرن الماضي، ولها إسهامات واضحة وبصمات متميزة في عالم التشكيل الخليجي والعربي، تتميز خطوطها بنمط فني عربي وإسلامي متميز يقول عنها الناقد الفني طلعت عبدالعزيز.
هي ظاهرة (الإبداع النسوي لدى زمرة الفنانات التشكيليات المبدعات خصوصية العلاقة بين إنتاجهن وإبداعهن باعتباره جزءا من هاجس المرأة في إصرارها على تخطي الصعاب، وتجاوز الحدود ونبض المعاناة والمكابدة في سبر أغوار الفن التشكيلي في حيز المنطقة التي تعيشها والتعبير عن ذلك الهاجس بصياغات جمالية فنية يتفاعل فيها الفكر والشعور بتجليات الطرح النسوي، والحد من الإفراط في الهيمنة الذكورية على هذا الفن وتجاوز العقبات من مجرد الهواية إلى الاحتراف ومن المشاركات المحلية إلى العالمية، وإن المهنية الخالصة إلى الانتشار الأشمل والأعم، ولقد تجاوز هذا التحدي شتى مناحي الحياة الثقافية بانتشار الصالونات الأدبية النسائية وإثبات الحق في الوجود على جميع الساحات الثقافية والسياسية والاجتماعية بكل أنواعها، وبروز ذلك في وجودها في شتى الميادين التي تحقق لها الإبداع والتوازن الفكري مع الممارسة الفعلية على أرض الواقع).
ومن هذه النماذج السابق ذكرها برزت لنا على الساحة التشكيلية واحدة من أهم الفنانات في الخليج العربي وهي الفنانة القطرية بدرية الكبيسي، الحاصلة على بكالوريوس التربية الفنية عام 1985م من جامعة قطر وعضو الجمعية القطرية للفنون التشكيلية قبل تخرجها وممارستها للفن التشكيلي بصفة أكاديمية كمعلمة للتربية الفنية؛ ما يعني وجودها على الساحة التشكيلية بصفة دائمة ومستمرة، فلقد ميزت نفسها بشفرة خاصة في التخاطب البصري وفق منهجية تحقق لها التوازن والاتساق مع الخط لرئيس الذي سارت عليه، حيث بدأت أولى درجات سلم الإبداع الفني لديها وفق أطر مدروسة، فهي حين تبدع في أعمال تتسم بالتجريدية الخالصة أحيانا وهي السمه الغالبة على منتجها الفني هذه الأيام بعيدا عن امتطاء سطوة التغريب والتقليد الأعمى في الخطاب البصري الغربي بصورة فجة فقد أعلنت عن نفسها كمحترفة للفن التشكيلي أمام جمهورها بقدرتها على التمكن في الرسم وفق المدرسة الرومانسية أحيانا أخرى التي تظهر بها قدرة الفنانة على التحكم في أدواتها الفنية والسيطرة على عناصر العمل لتوحي للجميع بأن التجريد والحداثة في أعمالها ليس نتاجا لفوضى لونية على مسطح اللوحة، لكنه يمنحنا كنقاد ويمنح المتلقي كمشاهد الفرصة لمزيد من التأمل والتدبر والإعجاب والبحث عن الفلسفة الخاصة في منتجها وأيضا الغوص في تاريخها الفني المليء بالأنشطة المتعددة التي أحالتها بامتياز لتبوء هذه المكانة في الوسط التشكيلي الخليجي، حيث أسهمت بجدية في التعبير عن مناهج اللغة العربية بوزارة التربية والتعليم وفق رؤية فنية بحتة تساعد على الفهم والإدراك امتدت هذه الإسهامات إلى المشاركات في وسائل الإعلام كالصحف والمجالات المحلية لنشر رسومها الكاريكاتورية على صفحاتها وأغلفتها؛ ما يوحي بامتلاكها روحا شفافة وقدرة على التعبير في هذا الفن الساخر؛ لمعالجة قضايا بلادها وأمتها بوطنية صادقة وحب مفرط. وواصلت نجاحاتها الفنية حتى شملت تمثيل بلادها في “بنالي دكا” الـ15 ومتلقى التشكيليات في سلطنة عمان و”سمبوزيوم كتارا” الدولي، وأهلتها خبرتها الفنية في المشاركات ضمن لجان التحكيم للمسابقات الفنية وأخيرا المشاركة في مهرجان استراكا الدولي 2013م بتركيا، ما أهل ناتجها الفني في ورش العمل إلى اغتناء متحف ليفكا بقبرص. في معرضها الأخير عن مدينة المساجد برزت الطاقة الإيمانية لدى الفنانة بدرية الكبيسي كأحد المكونات الرئيسة لشخصيتها الفنية، وهي تتغني بريشتها ووسائطها الفنية المتنوعة على مسطح اللوحة بتراثها استنطاقا للموروث الإسلامي، حيث مارست طقوسها الإيمانية في إيصال الطابع الحضاري الموشم في بيئتها للملتقى دون الوقوع في فخ الاسترسال المستهدف للإبهار البصري، مؤكدة على وعيها بالمقتضيات اللازمة لتحقيق التوازن المطلوب في العناصر المكونة للعمل الفني، من ثبات للتراث القديم ووثبة للتطور المعماري الحديث وبحكم إيغالها في التدريس استخدمت كافة الوسائل والوسائط والدلالات والمفردات المستوحاة من البيئة الغنية واستلهامها للحرف العربي كأحد روافد الحضارة الإسلامية الحديثة التي بهرت العالم بفنونها، والتي استعان بها أهم فناني العالم ما تيس وبيكاسو وجوجان على سبيل المثال لا الحصر.
وبنظرة سريعة على أعمال الفنانة تؤكد وجهة نظرنا السابق طرحها حيث يبدو جليا قدرتها على خلق التوازن والتناغم والتزاوج بين الألوان الحارة والباردة وطغيان اللون الأزرق التركوازي والأحمر بما حقق الشموخ للمآذن والقباب واستنطقت الموتيفات والتيمات في البناء المعماري عززها استخدامها الحرف الكوفي القديم كرافد حضاري ولسان عربي مبين، برعت الفنانة في استخدامها الوسائط الطباعية الجرافيك والمحددات اللونية لإبراز الأهلة الهرمونية بين اللون التركوازي والبني بدرجاته بما يوضح خبرة الفنانة وقدرتها على اختراق قلب المتلقي وتحقيق انبهاره البصري في آن واحد.
أعلنت الفنانة عن نفسها وبراعتها التشريحية في رسم البورتريه مؤكدة قدرتها على اجتياز جميع المدارس التشكيلية بنجاح، اتضح ذلك في لوحة الفواكه وبنات حارتها وهن يلعبن أمام منزلهن متشحات بلباسهن التقليدي المتوارث بشكل تعبيري يوضح ولعها بتراثها ويتضح هذا التنوع في أن هذا الإنتاج الرائع للفنانة يختلف باختلاف الوسيط المستخدم، حيث يبدو لنا بجلاء إبداعها التصويري على نحو مغاير عن جيلها وبحميمية شديدة يلقي الضوء على شفافيتها ويحقق لها حرية التنوع والإيهام في العمل بثلاثية الأبعاد تحقيقا لاشتراطات العصر الحديث والارتماء في الرحم الحاضن داخل بيئتها؛ ما حقق التزاوج بين ألوان تلك البيئة كالتركوازي والأزرق والبنيات المعادلة لأطروحتها العصرية. هذا بعض من أطروحات المنهج الرئيس لإبداعات الفنانة بدرية الكبيسي الذي حقق لها المزيد من الانفتاح الفكري انطلاقا إلى عالم أرحب تنعم فيه بالحرية والتفاعل الإنساني وبروز طاقتها الكامنة التي حققتها بجهود في اختراق عالم الفن التشكيلي المعاصر لتصبح واحدة من رائدات هذا الجيل في التشكيل العربي المعاصر.
تعليق واحد
سعيد بنشر مقالي في مجلتكم العامرة والف ميروك للزميلة الفنانة يدرية الكبيسي فهي مثال يخذي للابداع النسوي الهليجي فاستحق لقب الريادة عن استخقاق