كل منا يحلم بأن يتنفس هواء نقيا بلا تلوث ليعيش حياة عامرة بالصحة والحيوية، من منا لا يحب أن يأكل طعاما شهيا منتجا من الطبيعة النقية التى لم تتغول عليها يد الإنسان، وكل منا يحب أن يرى كوكبنا بلا ثقوب في طبقة الأوزون أو غيرها ليحيا بسلام، فسلامة الكوكب والمحافظة على موارده وحماية بيئته مسؤوليتنا جميعا أفرادا ومؤسسات وشركات وحكومات، لنعيش حياة أفضل لنا وللأجيال القادمة.
والاهتمام بالبيئة وحمايتها مطلب ديني وقيد أخلاقي ينبغي أن يلتزم به الجميع، فالكل يعاني من آثار الإضرار بالبيئة، والتعامل غير المسؤول معها كلف البشرية ضريبة باهظة الثمن من مرض وفقر وكوارث، وحروب ومعاناة لا تنقطع، فلم يسلم من ذلك الفقراء والأغنياء على حد سواء، وتقول الإحصائيات: إن تكلفة الإضرار بالبيئة فى العالم العربي بشكل عام تبلغ 5% من الناتج المحلي لدول المنطقة، وهذا يدفعنا لدق ناقوس الخطر والقيام بجهود إيجابية للحد من الأنشطة التى تلحق الضرر بالبيئة.
وحماية البيئة من المرتكزات الأساسية للمسؤولية الاجتماعية بجانب تحقيق النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي لمجتمعاتنا، فقد شعر العالم بالخطر الداهم الذي يهدد الإنسانية من جراء التعامل غير اللائق مع البيئة، وقد ساور العقلاء قلق عميق بشأن التغير المناخي الذي لم يعد يخفى على أحد لما ترك من آثار مدمرة على حياة الناس هنا وهناك، ويعتبر البعض أن ذلك هو المحرك الأكبر للنمو في صناعة المسؤولية الاجتماعية للشركات في العالم، إذ الأمر ما عاد همّا قطريا أو إقليميا، بل أصبح هما عالميا يقتضي تضافر جهود الجميع.
وقد جعلت الأمم المتحدة هذه القضية من أهم أولوياتها؛ لذا جاءت المبادئ العشرة للاتفاق العالمي الذي حظي بإجماع عالمي متضمنة إعلان ريو الخاص بالبيئة والتنمية، وقد عد الأمين السابق للأمم المتحدة ذلك من المرتكزات الأساسية للمسؤولية الاجتماعية، وقد حض الشركات والمؤسسات على أن تعتمد في ممارساتها لأنشطتها المجتمعية على إعلان ريو فى الجوانب الخاصة بالبيئة، ومن قبلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان منظمة العمل الدولية فيما يتعلق بالحقوق الأساسية في العمل.
ويشير تقرير ما كنزي للاستشارات إلى أن الشركات التي تراعي إدارة شاملة للبيئة هي شركات ذات إدارة أفضل؛ ولذا تتمتع بنسب فوق العادية من الربح وأداء الأسهم، وقد ركزت مواصفة الأيزو 26000 الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية على قضية البيئة وجعلت الأداء البيئي من الموجّهات المهمة لقياس أداء الشركات بشكل عام، وقفت على مادة علمية ممتازة أعدها الأستاذ صالح الحموري لصالح شركة ترجمعان للاستشارات الإعلامية، وهي تتعلق بتأهيل متخصصين في المسؤولية الاجتماعية، رسم فيها خارطة طريق واضحة للمطلوبات البيئية للشركات التى تود الدخول في ساحات المسؤولية الاجتماعية من أوسع الأبواب.
حيث يقول: تعرف حماية البيئة للمؤسسات المسؤولية اجتماعيا، بأنه واجب المؤسسة لتغطية الآثار البيئية المترتبة على عمليات ومنتجات المؤسسة، والقضاء على الانبعاثات والنفايات، وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة والإنتاجية من الموارد المتاحة، وتقليل الممارسات التى تؤثر سلبا على تمتع البلاد والأجيال القادمة بهذه الموارد، وعلى المؤسسة أن تعي جميع الجوانب البيئية المباشرة وغير المباشرة ذات الصلة في تأدية نشاطها، وتقديم خدماتها، وتصنيع منتجاتها، كما وعليها استخدام معايير معينة لمعرفة تلك الجوانب البيئية ذات الأثر المتميز، لتتمكن بالتالي من التحسين الفعال لأدائها البيئي، ومن الواجب على تلك المعايير المحددة من قبل المؤسسة نفسها، أن تكون شاملة مثبتة (يمكن إثباتها)، ويتم التوثيق بكتابة التقارير، لتحسن الأداء الوظيفي للبيئة.
ويلخص الحموري العناصر الرئيسة للمسؤولية البيئية فى تبني مواصفات أداء بيئية ومقاييس معيارية، للعمليات والإدارة تخضع لأقصى درجات الحماية البيئية، تسهيل التطور التكنولوجي البيئي، وعملية تحويله وتناقله، وتعزيز الوعي البيئي وفتح قنوات الحوار مع الأطرف المعنية، والتواصل معهم حول القضايا البيئية، كما يرى أن المؤسسات تستطيع تطوير أدائها البيئي من خلال منع التلوث والاستهلاك المستدام وتخفيف وتكيف التغير المناخي وحماية واستعادة البيئة الطبيعية وتسهيل التطور التكنولوجي البيئي.
وتمثل هذه رؤوس موضوعات تحتاج إلى المزيد من البحث والتقصي والتطوير في هذا الجانب، نجد أن الإسلام اهتم بالمحافظة علي البيئة اهتماما كبيرا حديث (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وحديث اتقوا الملاعن الثلاث فقد روى الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: اتقوا الملاعن الثلاثة، قيل: ما الملاعن يا رسول الله؟ قال: أن يقعد أحدكم في ظل يُسْتَظلُّ به أو في طريق أو في نقع ماء. حسنه الألباني.
ونهي الإسلام عن التبذير وإهدار الموارد والمحافظة علي الحرث والنسل والقطع الجائر للأشجار والإحسان إلى الحيوانات وسن لذلك المبادئ والتشريعات العظيمة التي تكفل العيش الكريم المتوازن لجميع المخلوقات في هذا الكون الفسيح، كما حض الرسول -عليه الصلاة والسلام- المسلمين على التعامل الإيجابي مع الحياة حتى والكون يلفظ انفاسه الأخيرة، أمرنا بزراعة فسائل النخل إن كانت في أيدينا ونحن نودع الحياة الدنيا، فمن أحق منا بحماية البيئة والمحافظة عليها؟.