لم تكن تحلم وهي في السادسة من عمرها- وهي تتصفح النجوم في سماء مدينة عنيزة- أن تصبح ذات يوم مهندسة صواريخ ومركبات فضائية في المستقبل، فمن صناعة الصواريخ الورقية للعب في صغرها، إلى صناعة صواريخ حقيقية، فتحت
فصولًا لحكاية بدأت في باحة مدرسة، ولم تنتهِ بتأسيس مؤسسة “MISHAAL Aerospace” في عالم الاختراعات، بل مستمرة حتى تواصل مسيرتها العلمية الطموحة لآفاق لايعلم مداها إلا الله عز وجل.
فماذا تقول المهندسة مشاعل في هذا الحوار عن الصواريخ والأقمار الصناعية ؟؟..
من هي مشاعل الشميمري في سطور؟
أنا مهندسة صواريخ ومراكب فضائية، ولدت في الولايات المتحدة الأمريكية، وعشت سنوات صباي الأولى في المملكة العربية السعودية، ثم عدت إلى الولايات المتحدة لدراسة مجال الصواريخ واستكشاف الفضاء؛ إذ بدأ اهتمامي بالفضاء في السادسة من عمري، حينما كنت أتأمل النجوم في الصحراء المجاورة لمدينة عنيزة بالسعودية. ومنذ ذلك الحين، كان شغفي بتعلم بناء الصواريخ والمراكب الفضائية يزداد يومًا بعد الآخر؛ لأنها من تستكشف لنا عالم الفضاء.
حدثينا عن المجال الأكاديمي والدراسة؟
حصلت على درجة بكالوريوس العلوم في هندسة الصواريخ والمراكب الفضائية والرياضيات التطبيقية من معهد فلوريدا للتقنية بمدينة ميلبورن بولاية فلوريدا، وحصلت منه على درجة ماجستير العلوم في هندسة الصواريخ والمراكب الفضائية؛ إذ كان تخصصي الأكاديمي : ديناميكا الهواء التجريبية والتحليلية، وتصميم الصواريخ، والدفع النووي الحراري.
البداية بجرس كهربائي
مابين لعبك بالصواريخ الورقية في صغرك، وحتى صناعة الصواريخ الحقيقية، ما الحكاية؟
عندما كنت في الصف السادس الابتدائي، حاولت أن أصنع جرسًا كهربائيًا ودائرة كهربائيَّة للإضاءة؛ وذلك بعلم أمي التي كانت تشجعني على الاختراع والاكتشاف، لكنَّها أمرتني بألا أواصل تجربتي بالكهرباء حتى تعود من مناسبة دُعيت لها، فلم أستطع الصبر، فجربت اختراعي على الدائرة الكهربائيَّة، لكن حدث انفجار أعقبه انقطاع بعده التيار الكهربائي عن المنزل. وخوفًا من أمي سارعت إلى غرفتي ونمت، وعند عودتها -حيث كان المنزل مظلمًا- سارعتْ إلى غرفتي كي تطمئن عليَّ.ةوفي المرحلة نفسها صنعت صاروخًا، لكن أختي “ريما” رفضت أن أطلقه من السطح؛ لأنَّه غير آمن العواقب.
بعد ذلك، التحقت بالجامعة في أمريكا؛ لأدرس ديناميكا الهواء التجريبية والتحليلية، وتصميم الصواريخ، والدفع النووي الحراري، ثم عملت في قسم ديناميكا الهواء بشركة Raytheon Missile Systems ؛ إذ أسهمت من خلال عملي في “22” برنامجًا مختلفًا للصواريخ، وعملت في مجالات: الديناميكا الهوائية، واختبارات الأنفاق الهوائية، وتصميم المركبات، والمحاكاة التنبؤية، وتحليل مرحلة الانفصال للصواريخ، مع التركيز على مجال تطوير الأدوات الحاسوبية، بمدينة ميامي في ولاية فلوريدا؛ حيث أسست مؤسسة MISHAAL Aerospace في عام 2010 لأحقق حلمي في بناء الصواريخ، وهكذا استمرت الحكاية.
ماذا عن مشروعك، وبداياتك مع الاختراعات؟
شهد سوق العمل في قطاع الفضاء وهندسة الطائرات والمراكب الفضائية في عام 2010 تباطؤًا ؛ ما جعل العديد من الشركات تلجأ إلى تخفيض العمالة بدلًا من التوظيف. ولما غادرت Raytheon”” في عام 2010 ، كان من الصعب العثور على وظائف أخرى في السوق، فلم يكن أمامي سوي خيارين: إما أن أكتئب أو أنتظر وظيفة, فرأيت اللجوء للعمل الخاص والابتكار، فواجهت خيارين؛ إما أن أكون تابعة أو أكون قائدة، فاخترت القيادة والتحكم في مستقبلي؛ لذلك صنعت فرصتي وبدأت شركة MISHAAL Aerospace في عام 2010. وكنت محظوظة بدعم قوي من عائلتي وأصدقائي.
مخاطرة كبيرة
ألم يكن في ذلك مخاطرة؟
هذا صحيح، فالمخاطر في هذا المجال عالية جدًا. ولكن، من الأفضل أن أحاول وأفشل بدلًا من الاستسلام.
صممت شركة “MISHAAL Aerospace” – المتخصصة في تطوير المركبات الفضائية (Launch Vehicles)- لإطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة إلى المدار الأرضي المنخفض. والأقمار الصناعية الصغيرة، فئة من الأقمار الصناعية تزن 500 كجم أو أقل. مهمة الشركة تصميم, وتطوير, وتشغيل مجموعتنا الخاصة من الصواريخ، فبدأنا بسلسلة (M-Rockets) والتي تمثل الجيل الأول من مركبات الفضاء ذات التكلفة المعقولة، ثم تم تطوير هذه المنظومة لتخدم العملاء في مختلف المجالات, سواء كانوا حكومات, أو باحثين, أو تجارة فضائية, أو صناعات خاصة بمجال الاتصالات؛ إذ صممت هذه الصواريخ خصيصًا لتطوير وخدمة العلم والتقنية, وليس للأغراض الحربية.
وبالرغم من أن سوق الأقمار الصناعية الصغيرة في نمو هائل، لكن لاتوجد صواريخ خاصة لإقلاعها؛ لذلك يتم إقلاعها مع صواريخ مصممة لحمولات كبيرة، خاصة وأن غالبية الصواريخ الموجودة حاليًا مصنعة للأقمار الأكبر حجمًا والأكثر حمولة. لذلك، هناك عجز ونقص كبير في هذه السوق؛ ما يجعل إطلاق الأقمار الصغيرة يتم كحمولة ثانوية وعلى صواريخ أكبر، من دون التحكم في موعد الإطلاق، أو كيفيته، أو حتى في المدار. وبالرغم من كل ذلك، فإن التكلفة تكون كبيرة.
من هذا المنطلق، جاءت فكرة تزويد السوق بصواريخ مهمتها إطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة ذات التكلفة المعقولة، خاصةً وأن هذا السوق بدأ يكبر، لكن تكمن المشكلة الأساسية في عدم امتلاك مركبات للوصول إلى الفضاء بتكلفة معقولة وصواريخ مهمتها فقط إطلاق الأقمار الصناعية الصغيرة.
وقد نجح أول اختبار لنظام الدفع لصاروخ M-SV في 11 أغسطس 2014؛ ما يبرهن على قدرة أنظمة دفع الصواريخ الهجينة التي تصنعها شركة MISHAAL Aerospace؛ الأمر الذي يعد إنجازًا بارزًا للشركة.
منحة الجامعة
لكل إنجاز قصة كفاح، حدثينا عن الظروف التي ساهمت في ذلك؟
من الصعوبات التي واجهتني في الحياة انفصال والداي وعمري “40” يومًا. وبعد فترة، أصرّ الوالد على سفري معه إلى أمريكا، فكان قرارًا مؤلمًا لي كطفلة لشدة تعلقي بأمي، لكن بمرور الزمن زادني قوة وإصرارًا.
مكثت في أمريكا فترة طويلة أتقنت فيها الإنجليزية؛ ما أثر بالسلب على لغتي العربية، فلما لاحظ والدي هذه المشكلة أرسلني مرة أخرى إلى والدتي لتعلم اللغة العربية. وبعد جهد كبير تعلمت منها العربية، وكان شغفي بالفضاء يكبر معي، ليسطر ذلك الشغف معاناة أخرى في حياتي، وهي قرار تحقيق ذلك الحلم والسفر مرة أخرى لأمريكا بعيدًا من أمي.
وجد هذا القرار دعمًا كبيرًا من أمي؛ ما حفزني على المضي قدمًا لمواصلة مسيرتي العلمية، ففتحت مثابرتي وتميزي باب المنح من عدة جامعات أمريكية؛ إذ تكفلت الجامعة بنسبة 75% من المصروفات الجامعية، فيما حصلت على الـ 25% الباقية من خلال قرض.
اختراع الرجل الآلي
ما قصة ابتكارك لـ”رجل آلي” ؟
نعم, الرجل الآلي الذي صنعته في الابتدائية والمتوسط كان عبارة عن كلب آلي, كانت قطعه تأتي في صندوق، وكان علي تركيبة و تشغيله. هذا طبعًا كان مبسطًا، مقارنة بالرجل الآلي الذي صنعته في الثانوي.
في المرحلة الثانوية صنعت رجلًا آليًا مع فريقي لمسابقة FIRST Robotics Competition ، وفزنا في عام 2000 بالمركز الأول إقليميًا (من 80 فريقًا) والثالث على الصعيد الوطني (من 300 فريق) ، وعاودنا الفوز مرة أخرى في عام 2001.
وماذا عن ابتكار” رجل آلي” مع فريقك لمسابقة Battlebots؟
كانت تجربة ملهمة جدًا, فكان هناك أهداف يجب على الرجل الآلي تحقيقها، فكان يجب علينا -كفريق عمل- تصميم الرجل الآلي لتحقيق كل الأهداف. كان علينا التفكير في كيفية الصناعة، واختيار المعادن والمواد، وميكانيكيته، وبرمجته، وقطع وتشكيل المعادن والمواد، حسب تصميمنا، واختيار المطورات المناسبة. لذلك تعلمت كثيرًا من هذه التجربة.
هل هناك معوقات تواجه المخترعين بشكل عام؟
بالطبع، هناك معوقات تتمثل في صعوبة الحصول على الدعم المادي والتقني، لكن هناك حاضنات تهتم بذلك ولها قدرة على المخاطرة من أجل دفع التقنيات والمهارات إلى مراحل عالية تستطيع التنافس عالميًا. لقد حان الوقت أمام دول الخليج لكي تدعم مثل هذه الأفكار؛ لأن النجاح لايأتي بدون عقبات. وأرى أن بعض دول الخليج لا تود أو لا تملك البنية التحتية للخوض في دعم الأفكار التقنية المبدعة، وهو ما يجب السعي إلى تغييره.
ما تطلعاتك للمستقبل؟
أتمنى أن أجد مستثمرين استراتيجيين يتمتعون بالشجاعة وتحمل المخاطر؛ لكي يدعموا التقنيات والصواريخ التي بدأت فيها والمساهمة في نجاحها. وبالتأكيد، هناك عدة أفكار وابتكارات أود أن أخرجها للواقع من خلال نجاح مشاريع شركتي.
حوار: محمد فتحي