“إن مستقبل النقل الحضري سوف يعتمد بشكلٍ كبير على التكنولوجيا التي تسهل تبادل المعلومات وتَحِدُّ من التفاوت فيها”.
لقد تضاعف عدد السائقين العاملين لصالح UBER كثيرًا في السنوات الأخيرة؛ لأنهم وجدوا في UBER وسيلةً مَرنة لزيادة دخلهم المادي، لاسيما وأن 61٪ من سائقي UBER في كلّ من بوسطن وشيكاغو وواشنطن ولوس أنجلوس ونيويورك وسان فرانسيسكو يعملون بوظيفة أخرى.
ومع ذلك ، يُنظر إلى سائقي UBER كمتعاقِدين مستقلين؛ وبالتالي لايحق لهم تضمينهم بقانون الحد الأدنى للأجور ولا بالإجازات المدفوعة أو التأمين الصحي؛ لأن دخل السائقِ في الساعة يفُوق ليس فقط أجور سائقي سيارات الأجرة التقليدية، بل أيضًا السائقين الخاصّين في مدنٍ مثلَ بوسطن وشيكاغو وواشنطن ولوس أنجلوس ونيويورك وسان فرانسيسكو (Hall and Krueger، 2015 )، علمًا بأن سائق UBER يتكلف مصاريف أخرى خلال رحلته.
وطبقًا لدراسةٌ أجراها NerdWallet ، يحصل سائقو UBER على مزايا رعاية صحّية تبلغ في المتوسط 5500 دولار في العام ، بالإضافة إلى عدة آلافٌ أخرى من الدولارات كرصيدٍ من الأميال، إذا ما قدمت الشركة لهم الفوائد نفسها كموظفين بدوام كامل.
كذلك، كانت هناك حالاتِ عنفٍ قام بها ركاب ضد السائقين غير المؤهلين- بسبب وضع عملهم – للاستفادة من الحماية القانونية التي توفرها الشركات عادةً لموظفيها.
ويذكر أن محكمتين أميركيتين (بولايتي كاليفورنيا وفلوريدا) حكمتا بوجوب اعتبار ومعاملة سائقي UBER كموظفين دائمين، وإلزام UBER بتعويضهم عن عدد الكيلومترات أو دفع إعانات بطالة؛ وهو ما دفع سائقي UBER في المملكة المتحدة للمطالبة بتغيير أوضاعهم ليصبحوا موظفين ، بدلاً من كونهم مجرد عاملين لحسابهم الخاص.
سياسة التنظيم والمنافسة
لجأت شركات سيارات الأجرة في أوروبا إلى المحاكمَ ،متهمةً UBER بعد امتثال لوائح العمل بمهنة النقل بسيارات الأجرة؛ ما يعني أن المنافسة ٍغير عادلة؛ وهو مانتج عنه حظر UBER في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا أو إخضاعها لقيودٍ محددة. وقد صفتNeelie Kroes ؛ المفوّضة الأوروبية السابقة، قرارَ المحكمة بمنع UBER من العمل في بروكسل بأنه “مجنون” ، وأنه جاء لصالح تكتل المستفيدين من مِهنة النقل بسيارات الأجرة.
لم تكن الهيئات التنظيمية في أوروبا مستعدةً بعدُ لِمنصاتِ عملٍ مثل UBER، ففشل المنظمون في التصدّي لِظهور منصات تتيح ركوب السيارات عبر الإنترنت ، فأعادوا النظر في القيودِ المفرِوضة على سقف تسعير خدمة النقل بسيارات الأجرة.
المنافسة غير العادلة
ولن يأتي الحلُّ بحظر UBER، بل بتنظيم العمل، فالمنافسة غير العادلة نتجت عن عدم التماثل التنظيمي بين سيارات الأجرة ومنصات توفير خدمات نقل الركاب عبر الإنترنت؛ لذا ينبغي على المنظمين وضع إطار عملٍ يعزز فوائد المهنة، ويلغي التكاليف والمخاطر المرتبطة بها، وهو ما يؤدي إلى تحقيق التوازن بين فوائد الركاب والأضرار التي يتكبدها سائقو سيارات الأجرة. لكن في المقابل يتجاهل الجوانب الديناميكية للعبة التنافسية.
ولاشك في أن وجود UBER قد يجبر صناعة النقل بسيارات الاجرة على الابتكار واعتماد تكنولوجيا جديدة لتحسين الخدمات المقدّمة للبقاء على قيد الحياة، فالضغوط التنافسية مع الإجراءات التنظيمية الملائمة، يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الكفاءة المرجوّة؛ فإذا لم تستطع سيارات الأجرة التقليدية، الاستجابة للتحدي المتمثل في ظهور UBER، فسوف تحل الأخيرة محلها. وفي هذه الحالة، ستهيمن UBER على الداخلين المحتَملين إلى السوق والمنافِسين الأصغر.
إن تحرير لوائح الأسعار – كما هو موضّح في المثال الايرلندي – قد يجعل سيارات الأجرة أكثر قدرة على المنافسة، من خلال زيادة المنافع الاجتماعية؛ إذ تم إقرار التسعيرة الثابتة لسيارات الأجرة لإزالة الاختلال في المعلومات وحماية المستهلكين من سائقي سيارات الأجرة الذين يتصرفون بشكل غير ملائم، فإذا كان بمقدور التكنولوجيا الجديدة منع مثل هذه المخاطر، فلن يُمسي تنظيم الأسعار المقيدة شيئًا ضروريًا بعد ذلك.
ومن الخطورة أيضًا، أن التكنولوجيا يمكن أن تُستخدم في وضع استراتيجياتِ سوقٍ بعيدة عن المنافسة الشريفةِ، ففي انتهاكٍ صارخٍ لقانون المنافسة في عام 2014 ، اتُّهم أعضاءٌ من مكتب UBER في نيويورك باستخدام أساليبَ ترويجٍ عدوانيةٍ ضد منافسيْن لها في المهنة: Lyft وGett.
سياسة التسعير
وبالنظر إلى سياسة التسعير الخاصة بـ UBER، يمكن أن يصيب الركاب ضررٌ برفع الأسعار في ظل نقصٍ في مُشغلين بُدلاء، فإذا دُفعت سيارات الأجرة التقليدية للخروج من السوق، ومُنعت شركاتُ النقل من دخولِ السوق ، فسيكون هناك خيارات بديلةٌ محدودة جدًا إلى جانب UBERأمام الناس، خاصة في المدن الفقيرةِ بوسائط النقل العامة.
على السلطات تأكد من أن السوق لا يزال مفتوحاً أمام المنافسين لـUBER، بحيث يستطيع الركاب تغيير المُشغّل ، ولا يبقى UBERالمسيطر الوحيد على السوق، لأن الاحتكارات والهيمنة على الأسواق عادةً ما تترجمُ إلى زيادةٍ في الأسعار بالنسبة للمواطنين الرّكاب.إن مستقبل النقل الحضري يعتمد بشكلٍ كبيرعلى التقنيات التي تسهل تبادل المعلومات و تَحِدُّ من التفاوتات فيها. والأمر متروك اليومَ للجهاتِ التنظيميةِ للتأكدِ من أنتتم زيادة مكتسباتُالكفاءة المرتبطة بهذه المهنةإلى الحد الأقصى ، ومِن ثَم توزيعها كحِصصٍ عادلةٍ بين جميع الأطراف المعنية.
توصيات
ينبغي تنظيم صناعة النقل بسيارات الأجرة بصورةٍ أفضل بكثير.تهدف اللوائح التنظيمية لصناعة النقل بسيارات الاجرةِ حالياً إلى حماية سائقي سيارات الأجرة من المنافسة. ظهور منصاتٍ مثل UBERيجعل من السوق بيئةً ذاتَ تنافسيةٍ أعلى من خلال تخفيض الأسعار وتحسين جودة الخدمات. إن تحرير هذه الصناعة قد يُعينُ سائقي سيارات الأجرة على التنافس بطريقةٍ أكثر فعالية مع UBER، من خلال تحسين الخدمات المقدَّمة. وفي الوقت عينه ، ينبغي أن تكون تكاليف التحوّل منخفضةً بحيثُ يكون باستطاعةِ سائقيUBERالعمل مع أكثر من مؤسسة.
إن الحالة الآنية لوضع سائقيUBERيُرشدُ جُلَّ المخاطر تجاههم. UBERيجب أن تعتمدَ علاقة عملٍ جديدة تجاه العاملين معها ، بالحفاظ على مرونةٍ أكثر بالنسبةلساعات الشغل، مع ضمان بيئةِ عملٍ آمنة.
إن من شأنتقديمِ نظام تأمينٍ و توفيرِحمايةِ قانونية للسائقين ضمن ساعات الدوامِ جعلَ الأدوار والمسؤوليات والالتزامات متميزة وشفافة. ومن شأنه أيضاً تحفيز UBERعلى تفعيل تحرّيات أمنيةٍ إضافيةعن خلفية السائقين والرفع من مستوى معاييرتنفيذ الأعمال ، من خلال اعتماد خططِ تأمينٍ واضحةِ المعالمِ على سبيل المثال.
لن يكون الركاب أوالسائقون تحت وطأة الشك أو عدم اليقين القانوني حول الالتزامات المفروضة عليهم ، ما سيَحِدُّ من التكاليف القانونية المحتملة.
يجب أن يكون للمفاوضة الجماعية دورٌ أكبر. في إطار نموذج أعماله الحالي، لدى UBERالقدرة التامة على المساومة. فالشركة هي من يُحدد سعر الخدمات خارج نطاق الإنترنت ، وهي من تضع الشروط التي بموجبها يَستخدم كلٌّ من الركاب والسائقين المنصة على شبكة الإنترنت وفي الأسواق، وهي من تتفاوضفي شؤون المشتريات و الخدمات.منحُ السائقين العاملين لصالح UBERالحقّ في تحديدِ تسعيراتهم بأنفسهم ، و فرصة التنافس الشريف على التقاط الركاب يمكن أن يَخلقَ مُرونةً إضافيةً ينتفعُ منها العملاء.
يجب أيضاً أن تُؤخذَ مسألة قضاياخصوصية البياناتِ في الحُسبان من قِبل واضعي اللوائح التنظيمية.ما دامت البيانات الشخصية للناس مكشوفة للعلن ، فعلى السلطاتِ المعنيّةِالتأكد من حماية هذه البيانات وبقائها آمنة ، ذلك تماشياً مع المعايير والضمانات التي تم وضعها من قِبل التوجيهرقم :95/46 /ECالصادر عن البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي. كما وينبغي تأمينُالبياناتِ بحيث يتمكنُ مستخدمو مِنصة UBERمن قابليةِ الانتقالِ إلى منصةٍ منافسةٍ وقتما يريدون. هنالك حاجةٌماسّةٌ إلى تعاونٍ وتنسيق دوليين فيما يتعلق بالقواعد الضريبية للقضاءِ على حِيَلِ التهرّبِ من الضرائب. لقد أثبت فرض الضرائبِ على منصاتٍالإنترنت خَلقهُ لإشكاليات. المنصات الإلكترونية، ومن خلال فروعها، يمكن أن تخضع للضريبة في مثلث برمودا مثلاً ، لقاءَ رحلةِ ركوبِ سيارة أجرةٍ جَرت في إيطاليا.
إن الدعوة إلى اعتمادِقاعدةٍ ضريبيةٍعالمية، والتي طرحتها Piketty (2013)، لن تخفّف فحسبْ من مسألةِ عدم المساواة ، لكنها يمكن أيضاً أن تُسهِمَ في تحسينِالأوضاع الماليةِ العامة في العديد من البلدان.
بما أنه لا يمكنُ للصناعاتِ المحلية التقليدية استخدام شبكات الإنترنت لتجنّب ضرائب الإيرادات ، فإنّمثل هذه الممارسات قد يُعرّضُ حقل الفرصِ المتكافئةِ للخطر.
يمكن للتكنولوجيا تمكيننا من الحصول على طرقٍ تؤمّنُ وسائِطَ نقلٍ أكثر وُصوليةً و فعاليةً كي يستفيد منها الركابُ والمجتمعات على حدٍّ سواء. يجب إيلاءُ تنظيمِ اقتصاد النقل التشاركي عناية فائقةً حتى نتمكنَ من تحقيق أقصى قدرٍ ممكنٍ من مكاسب الكفاءة.
علينا وضعُ قواعدٍ للتفاعلِ بين مُقدّمِي خدمات النقل عبر الإنترنت وشركات النقل التقليدية من أجل ضمان فرص متكافئة. وفي الوقت نفسه ، علينا التأكد من توفير بيئةِ عملٍ آمنةٍ ، و استبعادِ المخاطر المحتملة على الركاب والسائقين على حَدٍّ سواء.