يرتاب كثيرٌ من متخذي القرار في أهميَّة الجودة، فهناك من يصنفها ضمن المصروفات الزائدة، وهناك من يصفها بالتعقيد وتأخير الأعمال، وهناك من يتهم إدارة الجودة بالبيروقراطيَّة.
وهذا طبيعي جدًا، في ظلِّ غياب الوعي الكافي، والمعرفة بماهيَّة الجودة وتفاصيلها، وفي ظلِّ الممارسات الخاطئة لها؛ ما جعلها غير مهمَّة أو ثانويَّة التصنيف.
ومن وجهة نظري، لن تصل أية منظمة إلى الجودة، ما لم يكن لديها تخطيط، وقناعة، ودعم معنوي من قائد تلك المنظمة، كما لن تتحقق النتائج المرجوة، ما لم تُنفذ بطرق علميَّة مدروسة، وأهداف واضحة.
كان مقالي السابق (الجودة.. سلوك ومنهج حياة)، حول ذلك الصبي الذي سأل البائع عن مدى جودة لعبة ما قبل شرائها؛ ما يدل – رغم صغر سنه -على مدى إدراكه لأهمية الجودة؛ حتى إنه كرر السؤال على البائع؛ ما يعني أن “الجودة” سلوك لا بدَّ أن تتعامل به المنظَّمات على جميع مستوياتها وتخصُّصاتها.
وبعيدًا عن التنظير، متى ما خُطط للجودة تخطيطًا سليمًا مبنيًّا على منهج علمي، كانت هناك نتائج حقيقيَّة وواقعيَّة، حتى لو لم يكن في المنظمة ذاتها إدارة جودة مستقلة، والعكس صحيح.
وفي حقيقة الأمر، تلتصق الجودة بالتنظير وعدم الفاعليَّة؛ لأنه يغيب عن البعض معرفة المراحل الأربع لتطبيق الجودة في المنظمة، والتي تشمل ما يلي:
1. الإعداد:
وتعدُّ من أهم مراحل تطبيق الجودة، وفيها يقرر المدير، الاستفادة من مزايا إدارة الجودة الشاملة. وخلالها يتلقى أصحاب العلاقة تدريبًا متخصصًا يستهدف إكسابهم الثقة بالنفس، وعدم الخوف من التغيير، ثم يتولى أصحاب العلاقة بعد ذلك نقل الأفكار والتوعية والتدريب إلى مرؤوسيهم.
2. التخطيط:
وفيها تُوضع الخطط التفصيليَّة للتنفيذ، وتُوزع المسؤوليات اللازمة لدعم خطة التنفيذ، وتُحدد العمليات الأساسيَّة المرتبطة بأهداف المنشأة، باستخدام أدوات الربط الكميَّة والنوعيَّة لـ “إدارة الجودة الشاملة”.
وبالنظر إلى ما يترتب عادة على تطبيق إدارة الجودة الشاملة من تغيير، وما يتوقَّع أن يصادفه هذا التغيير من مقاومة، فإنه يجب توقُّع أسباب تلك المقاومة سلفًا، والعمل على التغلُّب عليها. وفي هذا الخصوص يكون الهجوم خير وسيله للدفاع؛ ومن ثمَّ يجب وضع خطة لمواجهة المقاومة قبل أن تحدث، مع الاستعانة بالتوعيَّة، فضلًا عن أن السياسة الجيدة يمكن أن تقنع الجميع بمزايا تطبيق إدارة الجودة الشاملة.
3. التنفيذ:
تبدأ هذه المرحلة باختيار من ستُوكَّل إليهم مهمَّة التنفيذ؛ حيث يمكن الاستعانة بأساليب متنوعة، منها تحليل علاقات السبب والنتيجة، والخرائط البيانيَّة كخريطة “باريتو”، وغيرهما.
4. تبادل الخبرات ونشرها:
في تطبيق إدارة الجودة الشاملة، يتم في هذه المرحلة استثمار الخبرات والنجاحات، بدعوة جميع وحدات المنشأة والفروع والمنشآت التابعة، وجميع المتعاملين مع المنشأة- من العملاء وأصحاب العلاقة- للمشاركة في عمليَّة التحسين، وإقناعهم بالمزايا التي تعود عليهم من هذه المشاركة.
من خلال ما سبق، نجد أن السياسة المتبعة لتنفيذ “الجودة” هي من يحكم على نجاحها من عدمه، وهي من يجعل الميزانيَّة المخصصة لتطبيقها استثمارًا ناجحًا، أو تكلفة تشغيليَّة تمثل عبئًا على المنظمة.
إنَّ المدخلات السليمة للجودة، والإيمان بها، وحُسن تطبيقها، يضمن مُخرجًا محكمًا، يُسهم في تطوير المنظمة، والوصول بها إلى تحقيق أهدافها، ورؤيتها.