يعد الدكتور فهد التركي كبير الاقتصاديين ومدير إدارة الأبحاث الاقتصادية بـ “جدوى للاستثمار”، من العقول البحثية المضيئة بالمملكة، وممن يحملون على عاتقهم عبء تقديم رؤى داعمة لصانع القرار الاقتصادي؛ إذ يتمتع بمسيرة علمية وعملية حافلة بالنجاحات في كبرى المؤسسات الاقتصادية العالمية؛ لذا كان هذا الحوار حول واقع الاقتصاد السعودي ومستقبله..
من هو فهد التركي في سطور؟
كبير الاقتصاديين ومدير إدارة الأبحاث الاقتصادية بجدوى للاستثمار، وعملت من قبل كبيرًا للاقتصاديين في باركليز، العربية السعودية، وصندوق النقد الدولي في إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى؛ إذ كنت أغطيي حينها الجانب النقدي والاقتصاد الحقيقي في دول آسيا الوسطى.
ومن الناحية الأكاديمية، فأنهيت درجة البكالريوس في المحاسبة من جامعة الملك سعود، وأكملت الدراسات العليا والدكتوراة في جامعة أورقن.
من واقع تجربتكم المتميزة في ميدان البحث الاقتصادي ، ما الذي تحتاجه المملكة للنهوض بمجال البحث العلمي، ومادوركم في برنامج التحول الاقتصادي ؟
يوجد بالمملكة كفاءات اقتصادية كبيرة ، لكن توجيهها للأبحاث في الفترة الماضية كان ضعيفًا جدًا. فعلى سبيل المثال، تؤدي جمعيات الاقتصاد بالجامعات دورًا هامًا، لكننا مع رؤية 2030، نحتاج إلى تركيز أكثر فيي الأبحاث الاقتصادية، فدورنا مساعد لهذه الرؤية، كما أن دور الأبحاث أساسي في دعم صناعة القرار الاقتصادي.
تثبيت الدين العام
وكيف ترى الوضع الاقتصادي الراهن بالمملكة، انطلاقًا من بحوث أجريتموها؟
لا شك في أن التحول الذي حدث منذ نهاية 2014 بانخفاض أسعار النفط بشكل كبير، كان له أثر مباشر على الاقتصاد السعودي على عدة مستويات. ولا يخفى على أحد مدى اعتماد الميزانية السعودية على إيراداتت النفط؛ إذ يعتمد الميزان التجاري وميزان المدفوعات بشكل كبير على مدخولات النفط؛ لذا شكَّل انخفاض أسعار النفط تحديًا كبيرًا لصُنّاع السياسة الاقتصادية بالمملكة، ولكن هذا جاء بعد فترة انتعاش كبير لأسعار النفط امتدت لعشر سنوات، تم استغلالها بالشكل الأمثل في بناء الاحتياطيات، وأيضًا تثبيت الدين العام.
ومعلوم أن الدين العام في المملكة يمثل الآن أقل من 5%، وهو رقم متدنٍ إذا قارناه بدول متقدمة، أو ناشئة أو إقليمية؛ ما يعطي للحكومة السعودية كفاءة وقدرة مالية على مجابهة المخاطر التي قد تنتج عن تقلبب أسعار النفط.
كذلك استغلت المملكة فترة السنوات العشر- التي كانت فيها أسعار النفط مرتفعة- في بناء احتياطيات كبيرة، وصلت في نهاية 2014 مع بداية انخفاص الأسعار، إلى 100% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ما ينعكسس على كفاءة المالية السعودية في مجابهة أي تقلبات في أسعار النفط، وهو ما لمسناه خلال العام ونصف العام التي تلت انخفاض أسعار النفط.
تنويع مصادر الدخل
هل اقتصاد المملكة قادر على الوفاء بمتطلبات الحكومة؟ وإلى أي مدى يتم مواجهة تحديات الاعتماد على النفط في الميزان التجاري وميزان المدفوعات؟
فيما يتعلق بالمستقبل، أعتقد أنه لا يزال هناك احتياطيات كافية وقدرة مالية للحكومة للاستدانة من أجل تمويل متطلباتها من بنى تحتية، وصرف، بدعم النمو الإيجابي للاقتصاد السعودي. وهناك بالفعل استيعاب كبيرر لصٌناع القرار الاقتصادي، نتج عنه رؤية 2030 ، وبرنامج التحول الاقتصادي، واللذان بمقدورهما تنويع مصادر الدخل كبديل للاعتماد على النفط.
أبحاث اقتصادية
حدثنا عن دور إدارة الأبحاث في “جدوى للاستثمار”؟
نؤدي في إدارة الأبحاث دورًا هامًا جدًا تغافل عنه- للأسف- اللاعبون في القطاع المالي في الأبحاث الاقتصادية؛ حيث نقوم بعمل أبحاث اقتصادية شهرية، وربع سنوية، وسنوية، نتناول فيها مواضيع الساعة، ومواضيعع ذات أهمية للاقتصاد السعودي. ففيما يتعلق بالأولى ،أصدرنا خلال الشهرين الماضيين نظرتنا حول رؤية 2030، وأخرى حول برنامج التحول الاقتصادي. أما المواضيع ذات الأهمية للاقتصاد كالميزانية مثلًا، فنصدر تقارير تتناولها بالتحليل العام، وأخرى دورية تغطي أسواق النفط العالمية وانعكاساتها على التوجهات السعودية، سواءً ما يتعلق بسياسة النفط، أو سياسة الاقتصاد الداخلي، وتحولات أسعار النفط عليها.
وفيما يتعلق بالتقارير الدورية فلنا تقارير شهرية تتناول الوضع الاقتصادي ، والاستثماري، والتجاري، وأيضًا أسعار الصرف وتقلباتها على المستوى الدولي وانعكاساتها على الاقتصاد المحلي، وسوق الأسهم وتحولاتهه بشكل عام، كما نقدم خدمات لإدارات الاستثمار داخل “جدوى”، سواءً كان الاستثمار خاصًا أو في سوق الأسهم.
منهجية الاستثمار
وماذا عن فلسفة الاستثمار لدى “جدوى”؟
تُستمد فلسفة الاستثمار لدينا من خبرة أعضاء فريق إدارة المحافظ الواسعة؛ إذ تعتمد على مزيج من منهجية الاستثمار التنازلي والتصاعدي؛ ما يتيح الاستفادة من ظروف السوق المتغيرة.
وترتكز منهجية الاستثمار التنازلي على دراسة المؤشرات الاقتصادية الأساسية للأسواق الإقليمية والعالمية، والنظرة العامة على مختلف القطاعات في هذه الأسواق، ودراسة المؤشرات السياسية والجغرافية، ونمطط الاستثمار في الأسواق المنشودة؛ ما يساعد مدراء المحافظ على الوصول إلى التوزيع الأمثل للأصول في المحافظ.
في المقابل، تتبع منهجية الاستثمار التصاعدي، البحوث التي يجريها فريق الأبحاث الداخلي في قسم إدارة الأصول بجدوى، اعتمادًا على اجتماعاته الدورية مع مختلف إدارات الشركات، ونماذجها المالية وتقييمها،، إضافة إلى التحاليل الفنية لتحديد التوقيت الأمثل للاستثمار؛ مايساعد مدراء المحافظ على الوصول إلى التوزيع الأمثل للأوراق المالية.
ديناميكية السوق
يتطلع المواطن لرؤية 2030، وبرنامج التحول الوطني بكثير من الأمل، فماذا تتوقع بشأنهما في الارتقاء بالحراك الاقتصادي؟
أعتقد أن الرؤية وبرنامج التحول يضعان المملكة على الطريق السليم من ناحية الاستدامة الاقتصادية من جهة، ومن ناحية التنمية المستدامة من جهة أخرى؛ لكونها عوامل أساسية في خلق الوظائف، وتنميةة المحتوى المحلي، وزيادة العلاقة مع القطاع الخاص، وأيضًا بناء البنية التحتية الجاذبة للاستثمارات الخارجية.
وهذا يعني أن الاقتصاد السعودي سيكون أكثر تنوعًا ، وأقل اعتمادًا على النفط، ويتوجه بشكل كبير ومباشر إلى القطاع الخاص، خاصة وأن الاقتصاد السعودي خلال الثلاثين سنة الماضية كان يعتمد على الإنفاقق الحكومي.
في السنوات القادمة وبناءً على الرؤية وبرنامج التحول الوطني، سيكون الاقتصاد السعودي مبنيًا على ديناميكية السوق، وديناميكية القطاع الخاص وكفاءته في التنمية.
وفيما يتعلق برواد الأعمال، أعتقد أن كثيرًا من الأهداف ركزت على بناء البنية التحتية الجاذبة للاستثمارات، سواء الخارجية المباشرة أو تنمية الاستثمارات المحلية؛ لأن أحد الأهداف هو زيادة مساهمة الشركاتت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من 20% ؛ما يدعم رواد الأعمال، إضافة إلى تأسيس هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة؛ وهو ما يؤكد على أن الارتقاء بالحراك الريادي على رأس أولويات الرؤية ، سواءً من ناحية الدعم المالي أو اللوجيستي.
وأرى أن هناك استيعابًا واضحًا لحقيقة أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي الطريق لخلق الوظائف في الاقتصاد السعودي، فإذا كان أحد أهداف برنامج التحول خفض البطالة من 11,5 % إلى 9,5 % في 2020 ،، وهدف الرؤية خفضها إلى 7% في 2030، فسيكون هناك اعتماد كبير على الشركات الصغيرة والمتوسطة ، ورواد الأعمال في خلق وظائف جديدة في الاقتصاد.
الموارد البديلة للنفط
بعد الاستغناء عن النفط، ما الموارد البديلة في تنفيذ رؤية 2030؟
تدور الرؤية حول هدف واضح وهو التحول من الاعتماد على الإيرادات النفطية إلى العوائد الاستثمارية، وهو طريق يبدو لي- مستقبلًا- قائمًا على بناء احتياطيات كبيرة لدى الصندوق السيادي (صندوق الاستثماراتت العامة)، قُدرت بأكثر من 7 تريليون ريال، من ضمنها خصخصة كثير من الشركات والهيئات الحكومية.
وأعتقد أن لهذا مردود إيجابي من ناحية تنويع مصادر الدخل، سواء كانت استثمارات في قطاع النفط والغاز، أو في الاقتصاد الحقيقي داخليًا أوخارجيًا.
وطبقًا للرؤية، فإن نحو 50% من هذه الاستثمارات سيكون من داخل الاقتصاد، و 50% من خارجه؛ إذ من المعتقد أن يشكل العائد الاستثماري جزءًا كبيرًا من الدخل الحكومي مستقبلًا.
حوكمة الأداء
ماذا لو فشلت خطة الرؤية في تحقيق أهدافها؟ وما مقترحاتك لتقليل حدة الآثار السلبية لهذه التداعيات؟
وضعت الرؤية بشكل إيجابي من ناحية الأهداف، والتي كثيرٌ منها تطلعية وكبيرة جدًا، ولكن في الوقت نفسه تم وضع هيكل معين لتنفيذ الخطة، يتضمن كثيرًا من اللجان، والهيئات، والتدخل السريع، والدعم من وزارةة التخطيط، ولجنة الأداء؛ أي ما يعُرف بحوكمة الأداء؛ حتى تحقق الرؤية أهدافها المرجوة.
بالنظر لخطوات برنامج التحول، نجد الخطوة رقم 5 تُعنى بمراجعة الأداء للبرنامج نفسه، فإذا كان هناك أي خلل في التنفيذ، فهناك طريق للعودة والمراجعة؛ لذا ليس هناك ما يدعو للقلق من هذا الجانب إطلاقًا.
وفي الخطوة الخامسة أيضًا، يتضمن برنامج التحول 24 هيئة وجهة حكومية مشاركة فقط، ولكن قد يستدعي الأمر ضم جهات أخرى، لوجود كثير من أهداف التحول تستدعي مشاركة القطاع المالي لتمويل هذهه البرامج، ولكن مازالت مؤسسة النقد خارج هذه المنظومة؛ أي خارج الـ(24) جهة حكومية المشاركة في البرنامج، ولكنها مشاركة بطريقة غير مباشرة، لما يتطلب من مراجعة مالية لهذا البرنامج؛ لذا تم إضافة مؤسسة النقد بحكم إدارتها للقطاع المصرفي بالمملكة؛ ما قد يشكل إضافة نوعية للبرنامج، وخصوصًا من أجل التركيز على تمويل القطاع الخاص.
التخطيط المالي أساسي لأي مشروع، فكيف نضع خطة مالية بسيطة ؟
لكل مشروع نوعيته، وخصوصيته، ولكل قطاع تحدياته، فيمكن وضع جميع المشاريع في خطة واحدة، ولكن التخصص هام جدًا، فينبغي إعطاء الخبراء الوقت الكافي للتحليل المالي في معرفة مواطن القوة والضعف، وهوو ماتضمنه برنامج التحول، الذي أشار إلى أربعة مباديء: الشفافية، والحوكمة، ومشاركة القطاع الخاص في مراجعة الخطط المالية، ومراجعة المشاريع والخطط المالية.
هناك أيضًا اهتمام كبير بدراسات الخطط المالية على مستوى الرؤية؛ ما يتطلب مراعاة اختلاف المشاريع مع بعضها البعض على مستوى المشاريع الكبيرة؛ أما على مستوى المشاريع الصغيرة (بالنسبة لرواد الأعمالل أيضًا) فهناك اختلاف من مشروع لآخر يتطلب الاستيعاب.
لذلك، يعد التخطيط المالي الركن الأساسي لإنجاح المشروع؛ لذا يجب أن تكون الخطوة الأولى لبداية مشروع مُحكمة ومضمونة النجاح.
كيف تقيّم الحراك الريادي بالمملكة، وهل هناك ربط بين الإنتاج وحاجة سوق العمل، وكيف يمكن ابتكار أعمال جديدة؟
ما زال الحراك الريادي بالمملكة ضعيفًا، ولكن في التحول الاقتصادي ستكون الفرص كبيرة، فالاعتماد على القطاع الخاص في قيادة دفة الاقتصاد خلال الفترة القادمة سيخلق فرصًا كبيرة لرواد الأعمال، واستغلالهم لهذهه الفرص يتوقف على ما يُقدم من دعم حكومي، ليس بالضرورة دعمًا ماديًا، بل لوجيستيًا؛ وهو دور هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
إن النظرة لهذا القطاع إيجابية وإن كنا نحتاج لفترة انتقالية قد تمتد من سنة إلى 18 شهرًا، فعندما تتحول هذه الرؤية إلى واقع عملي، ستنشأ كثير الفرص في الفترة القادمة.
وفيما يتعلق بربط الإنتاج بسوق العمل، يمتاز السوق السعودي بتنافسية كبيرة، فظاهرة تكرار المشروع الريادي ومدى ربط الإنتاج بسوق العمل، ستُصحح نفسها بنفسها مع مرور الأيام؛ لأن طبيعة السوق السعوديي تنافسية من حيث كمية الإنتاج، وحجم العمالة، بالإضافة إلى انفتاحه على الاقتصاد الخارجي، فكل هذه العوامل تجعل السوق السعودي تنافسية بشكل كبير جدًا؛ لذا لا قلق من مثل هذا السوق بين كمية الإنتاج وحاجة سوق العمل.
كذلك، فإن المستهلك السعودي واعٍ جدًا؛ ما يضطر المنتج للإبداع والابتكار في كل مايقدمه للمستهلك مع مرور الوقت.
على ذكر دعم الرؤية للاقتصاد المعرفي، هل البنية التحتية يمكنها استيعاب هذا النوع من الاقتصاد؟
ركزت الرؤية على بناء مجتمع معرفي، على رأسها بناء العنصر البشري، صحيًا، وتعليميًا، وثقافيًا. فإذا تحدثنا عن التعليم مثلًا، شهدت السنوات العشر الأخيرة عملًا كبيرًا في بناء بنيته التحتية عبر المداخيل الكبيرة منن النفط ؛ حيث بلغت الجامعات مستويات عالية، ومع مشاركة القطاع الخاص مستقبلًا في هذا الجانب سيكون هناك تأثير إيجابي على تنوع التعليم ومخرجاته.
تنبأت تقارير عالمية بمايعرف بالفترة التصحيحية للاقتصاد السعودي قادت الاقتصاد إلى الانكماش، فما تعليقك ؟
كانت هناك تغطية على مستوى الإعلام العالمي، وبعض وسائل الإعلام المحلي تتبنى هذه الفكرة، لكن من ناحية دراساتنا عن الاقتصاد السعودي وتوجهاته، فصحيح أنه كان هناك انخفاض كبير في النمو؛ حيث مرّّ الاقتصاد في فترات نمو أكثر من 7% خلال 5 سنوات، حتى عام 2014م، ثم انخفض النمو إلى 2%، لكن على أية حال لم يكن هناك أي حالة انكماش في الاقتصاد؛ بمعنى نمو سلبي في الناتج المحلي.
إن انتشار أخبار حول حدوث انكماش للاقتصاد السعودي يؤثر كثيرًا على رواد الأعمال الذين لا يملكون قدرة تحليلية للاقتصاد، ولكن إذا اعتمدنا على التحاليل الاقتصادية المتوزانة الصادرة عن “جدوى” للاستثمار أو عنن بنوك أخرى، أو منظمات عالمية كصندوق النقد الدولي، تجدها جميعًا تتنبأ بحدوث انخفاض في نمو الاقتصاد بنحو 1% إلى 2%، وهو مالا يصل إلى درجة الانكماش ، ولكن إذا قسنا ذلك على ما تمر به المملكة من تحول اقتصادي فهو نمو إيجابي، ونمو داعم لرواد الأعمال؛ حيث يعطي قوة حقيقية لدخل الفرد.
حوار – محمد فتحي