مشروع “شهبندر” تجسيد حي لما يمكن أن تقوم به ريادة الأعمال في دعم الصناعات الوطنية، فالمشروع يستهدف صناعة الغزل والنسيج؛ لكونها من أهم وأعرق الصناعات المصرية التي عرفتها مصر منذ القدم، وهي تمثل حاليا ٢٥% من إجمالي الصادرات، ويعمل بها ما يزيد على ٩٥٠ ألف عامل يمثلون نحو ٣٠% من حجم القوى العاملة في مصر موزعين على ما يقرب من 5٠٠٠ مصنع.
ولنتعرف أكثر على هذا المشروع التقت مجلة “رواد الأعمال” “فاطمة الإسناوي” مؤسسة “شهبندر” في حوار متعدد الجوانب للوقوف عن قرب على ملامح تجربتها:
لم اتجهت للعمل الحر وتأسيس شركة؟
لأن هذه هي طبيعة شخصيتي فأنا دائما أميل للتطور، فبعد أن حصلت على ليسانس التربية والآداب من كلية البنات، جامعة عين شمس 2003م، اتجهت لدراسة البرمجة وحصلت على منحة “MCIT” في الديزاين والبرمجة من وزارة الاتصالات، ثم عملت كمدربة للشباب ضمن البرنامج نفسه لتدريب الشباب بالمنصورة، ثم عملت مبرمجة بإحدى شركات تكنولوجيا المعلومات بالمنصورة، وخلال فترة عملي القصيرة ضقت سريعا بالروتين والقيد الوظيفي، فقد كنت أطمح أن أكون حرة نفسي، وكان حلمي دائما امتلاك مشروع خاص؛ لذا اتجهت لريادة الأعمال وما فيها من تحد وتحفيز لإثبات الذات، والحمد لله فأنا سعيدة بخطواتي حتى الآن في هذا المجال.
كيف بدأت فكرة “شهبندر”؟
بدأت فكرة عمل مشروع خاص ومبتكر عندما كنت أتابع مسابقة ابدأ مع “جوجل”، التي ألهمت كثيرين ومنهم أنا لخوض ريادة الأعمال، وكنت آمل بالمشاركة في هذه المسابقة، وبدأ يراودني الحلم والبحث عن فكرة جيدة ومبتكرة؛ ولأنني قد تفتحت عيناي في مدينة المحلة الكبرى، ذات التاريخ العريق في صناعة الغزل والنسيج باعتبارها قلعة هذه الصناعة ليس في مصر فقط، بل على مستوى العالم فقد كانت تحتل المرتبة الثالثة عالميا حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي، حيث تضم أكبر شركة لصناعة الغزل والنسيج في الشرق الأوسط “شركة مصر للغزل والنسيج” التي أسسها طلعت حرب عام 1927م، وطورها الرئيس جمال عبدالناصر رحمهما الله.
ولأنني عشت وما زلت أعيش معاناة العمال وأصحاب المصانع والشركات في المحلة الكبرى، فقد لمست الأوضاع المتردية للصناعة وعدم مجاراة التطور السريع في آلات الإنتاج وآليات التسويق وغيرها، فبدأت أدرس وأقرأ الكثير عن هذا المجال، وبدأت أتناقش مع العاملين وأصحاب المصانع، ووجدت مشكلة في عدم وجود موقع إليكتروني لتسويق المنتجات، فذهبت لشركة مصر للغزل والنسيج وحاولت أعرض عليهم فكرة عمل موقع إليكتروني لترويج هذه الصناعة محليا وعالميا، ولكن لم تفلح محاولاتي ولم أجد اهتماما كافيا من المسؤولين، فقررت عمل الموقع اعتمادا على إمكاناتي الذاتية.
وما الذي يقدمه الموقع لهذه الصناعة؟
“شهبندر” هو منصة إليكترونية للترويج لصناعة المنسوجات محليا وإقليميا وعالميا، حيث نهدف لجعل المنصة سوقا إليكترونيا كبيرا للتسويق لصناعة المنسوجات المصرية، وجعله شبكة ضخمة تجمع جميع أصحاب المصانع والشركات وكبار المنتجين وصغارهم بالتجار والمستوردين والمستهلكين، وأيضا كل المعنيين بهذه الصناعة من مسؤولين وعمال وغيرهم في الداخل والخارج.
ولم اخترت اسم “شهبندر”؟
“شهبندر” في اللغة التركية يعني كبير التجار، وكان هذا الاسم شائعا في مصر قديما، ومرتبط في الأذهان بالبائع الكبير الذي يبيع منتجات غالية الثمن ذات جودة عالية سواء ملابس أو سجاد أو غيرهما، وهذا الاسم يربطنا بالتراث وعصر ازدهار هذه الصناعة في مصر.
ما الصعوبات التي واجهتكم في تأسيس المشروع؟
واجهتنا أكثر من واحدة أولها: عدم توافر معلومات دقيقة عن عدد المصانع والشركات العاملة في هذا المجال ووسائل الاتصال بها من عناوين وتليفونات، وثانيها: التمويل اللازم لعمل موقع مميز وكبير وهي تكلفة كبيرة، وآخرها وأهمها فريق العمل المؤهل المؤمن والمتحمس للفكرة.
وكيف تغلبتم على هذه الصعوبات؟
اعتمدت في البداية على مدخراتي، وأكرمني الله بإقناع أخواي محمد ومحمود بالعمل معي، وهما حاصلان توا على الماجستير في الاقتصاد وإدارة الأعمال؛ فضلا عن الخبرة في صناعة المنسوجات والدراية بمفردات هذه الصناعة، وبهذا وفرت التمويل، وتغلبت على مشكلة فريق العمل.
إذن الدعم الأسري موجود ومهم؟
طبعا مهم جدا، حيث سهل علي وجود محمد ومحمود الكثير، فقد أتاحا لي مزيدا من الثقة والتفهم الشديد من الأسرة لطبيعة عملي التي تتطلب حرية في الحركة سواء بالتنقل أو السفر والوجود خارج المنزل لفترات طويلة، فضلا عن أنهما يتوليان مسؤولية التسويق والتواصل مع أصحاب المصانع والشركات والعمال أيضا.
ما مدى نجاح “شهبندر” حتى الآن؟
الحمد لله نسير بخطى ثابتة وحصلنا على فرص دعم وجوائز متعددة، بدأت بجائزة الجامعة الأمريكية لريادة الأعمال والالتحاق بالحاضنة الخاصة بها، وهذه كانت فرصة رائعة حقا، كما فزنا بفرصة الالتحاق بمؤسسة “ENPACT” الألمانية، وهي عشرة شهور من التوجيه والدعم الفني، كما التحقنا بوحدة تحفيز ريادة الأعمال بمركز الإبداع التكنولوجي والابتكار وريادة الأعمال “TIEC” بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
ما الفائدة التي عادت عليكم من ذلك؟
فوائد عديدة فقد كانت حاضنة الجامعة الأمريكية مهمة جدا؛ لأننا من خلالها تعلمنا الكثير من المهارات، وقمنا بتطوير الفكرة ونموذج العمل والوصول إلى شكل مرضٍ ومحترف، وأتيح لنا التواصل مع موجهين من كبار المستثمرين في صناعة الغزل والنسيج في مصر مثل المهندس مجدي طلبة، فضلا عن التواصل مع مستثمرين وإعلاميين ورواد أعمال آخرين.
ومن خلال برنامج “Gear up” التابع لمؤسسة “Start up MENA” حصلنا على دعم فني كبير من خلال التواصل المباشر عبر الإنترنت مع موجهين وخبراء من الدانمرك وإنجلترا والصين، وهي خبرات مختلفة ومتنوعة، وتعرفنا من خلال هذا البرنامج على السوق العالمي والفرص والتحديات العالمية في مجال صناعة الغزل والنسيج، وتعلمنا كيف نرتقي بشركتنا للعالمية.
ومن خلال “TIEC” نجحنا في تطوير الموقع والاستفادة من الموجهين المحليين ووصلنا إلى صياغة خطة عمل قوية.
وكيف حصلتم على كل هذه الفرص؟
من خلال الإنترنت، بالبحث والاطلاع على مواقع الجهات الريادية، وشبكات التواصل الاجتماعي المعنية بريادة الأعمال تعرفنا على الفرص والمسابقات المتاحة، فقد تعرفنا على برنامج الجامعة الأمريكية لريادة الأعمال من الإنترنت، ومن خلال هذا البرنامج تعرفنا على المجتمع الحقيقي لريادة الأعمال في مصر، والأهم من ذلك هو التعارف على رواد أعمال لديهم الطموح نفسه والحماس والرغبة في إثبات الذات، والتعاون وتبادل الخبرات والمعارف.
صناعة الغزل والنسيج كانت الصناعة الأولى في مصر حتى وقت قريب.. فكيف نعيدها لمجدها؟
هذه الصناعة أقدم الصناعات في مصر، وكانت تعتمد على القطن المصري طويل التيلة الذي كان يميز مصر كثيرا وأوشك على الانقراض بفعل فاعل، ويكفي أن تعرف أن هذه الصناعة كانت تسهم بثاني أكبر رقم في الناتج المحلي الإجمالي لمصر، ولكن تراجعت هذه الصناعة كثيرا، ولم تعد كما كانت في الستينيات من القرن الماضي، لأسباب كثيرة ومعروفة منها: انحسار زراعة القطن نتيجة رفع الدعم عنه من الحكومة، والخصخصة، وإغراق السوق بالمنسوجات المستوردة رخيصة الثمن من الصين وغيرها، وعدم تطوير خطوط الإنتاج بالمصانع وغيرها من مشكلات، ولا حل لها إلا أن يتدخل الرئيس بنفسه ويتبنى مشروعا قوميا للنهوض بزراعة القطن وصناعة الغزل والنسيج من جديد.
ما هي طموحاتكم المستقبلية وخططكم للتوسع في الشركة؟
نحن نعكف الآن لأن يعمل الموقع بشكل محترف وعالمي في التصميم والعرض وكل شيء، ونعده ليكون منصة عالمية تجذب الأنظار للمنتجات المصرية، ونطمح أن يكون الموقع الأول على مستوى العالم ويجعل من مصر أكبر سوق عالمي لصناعة الغزل والنسيج.