لقد خلق الله الانسان في حاله ترحال وسفر مستمرين, فمنذ بدء الخليقة والإنسان في حاله تنقل مستمر ساعياً لإشباع حاجته الأساسية للإعاشة. وبعد أن اشبع الإنسان أمنه الغذائي حدث الاستقرار للشعوب وأصبح للترحال هدف أخر؛ وهو التعرف علي الشعوب والأجناس المختلفة ولقد ذكر ذلك في القران الكريم في قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) (13) سوره الحجرات.
عرفت حركة التنقل بين الشعوب في العصر الحديث بالسياحة وأصبحت صناعة رائجة تعتمد عليها بعض الدول لزيادة الدخل القومي لديها. وأصبحت هذه الصناعة – السياحة – تقوم على أسس علمية تختص بالعناصر الأساسية المكونة لها مثل: السائح, المقصد السياحي, وسائل الانتقال , العاملين، والمرشدين السياحيين؛ وهم ما اطلق عليهم سفراء الداخل نظرا لدورهم الهام في تمثيل شعوبهم أمام الزائرين و لإعطائهم الصورة الايجابية للسائحين عن أوطانهم.
ولكن من هو المرشد السياحي؟. الإجابة المثلي هي: إن المرشد هو الشخص الذي يقوم بالشرح والإرشاد للسائحين في الأماكن السياحية والأثرية ويكون مرافقاً لهم اثناء الجولة ويفضل أن يكون مواطناً في المقصد السياحي.
ويختلف الإرشاد السياحي باختلاف الوجهات والمقاصد السياحية. فهناك من يقوم بالشرح داخل متحف وآخر يقوم بالشرح داخل اماكن أثرية مفتوحة وآخر داخل محميات طبيعية، لذلك هناك أنواع للمرشدين السياحيين فمثلاً نجد أن المرشد السياحي الذي يحترف العمل في متاحف متخصصة أو مناطق أثرية أو تراثية يختلف عن مرشد السفاري أو المغامرات بأنواعها حيث نجد أن طبيعة العمل مختلقة كذلك نوعية السائح تختلف ايضاً. كما يمكن تقسيم المرشدين وفقاً للغات المختلفة التي يجيدونها وحتى لغة الإشارة, أو وفقاً لمكان الإقامة لذلك نجد مرشدين محليين وآخرين اقليمين يقومون بالإرشاد خارج نطاق مكان سكنهم.
جدير بالذكر أن المرشد السياحي وطريقة عرضه الشيقة تمثل قيمة هامة جداً للسائح؛ بل قد تكون سبباً رئيسياً في استمتاع السائح بالمكان ورغبته في القدوم مرة أخري، وتكرار تلك التجربة الشيقة. لذلك نجد أن “هنري تلدن” قدم لنا في خمسينات القرن الماضي المبادئ الستة للشرح والإرشاد السياحي بعد أن امضي وقت طويل في تحليل وتقييم الجولات السياحية وتعتبر بعض هذه المبادئ بمثابة دستور المهنة.
المبدأ الأول: هو أن الشرح يجب أن يحقق الترابط بين المعروض والموصوف فلا يجوز ابداً شرح معلومة لا تتوافق مع السياق.
المبدأ الثاني: الإرشاد لا يعتمد على سرد المعلومات بل على عنصر المفاجأة عن طريق الأسئلة أو توجيه نظر السائحين الي مكان معين لتحقيق مفاجأة معينة.
المبدأ الثالث: الإرشاد السياحي ليس فقط تاريخ وآثار ولكن يشمل كل الفنون و التراث والثقافة العامة.
المبدأ الرابع: واعتقد أن له أهمية كبيرة في فلسفة مهنة الإرشاد السياحي وهو إن الهدف الأساسي من الإرشاد ليس المعلومة ولكن هو توفير حالة مزاجية تستقبل المعلومة بوضوح.
المبدأ الخامس: هو تقديم العموميات وليس جزئيات أو تقاصيل دقيقة حتي لا يمل السائح. ولكن يمكن تجاوز هذا في حالة طلب السائح لمزيد من المعلومات.
المبدأ السادس: إن الإرشاد السياحي للأطفال يجب أن يختلف عن البالغين ويعتمد على عنصر التشويق وهذا أمر طبيعي جداً فالأطفال كثيري الحركة وسريعي الملل فيجب علي المرشد السياحي ابتكار اسلوب ما لتشويق الأطفال.
هناك سؤال قد يتردد في اذهان البعض, هل يمكن أن اكون مرشداً سياحياً؟. بالطبع نعم ولكن يجب الاخذ في الاعتبار المعايير والصفات الواجب توافرها في المرشد السياحي فمثلاً على المرشد السياحي أن يكون محباً للمعرفة، وأن يسعى دائماً للتعلم, وأن يكون حسن الخلق والسيرة، وأن يتمتع بالثقة بالنفس والتحلي بروح الدعابة والبشاشة وأن يستمع إلى خبرات الآخرين والتعلم منها ويلتزم بالتعاليم والقوانين ويجب أن يكون منضبطاً ولديه مهارات إدارة الوقت وحل المشكلات. ويجب أن نعلم أن المرشد السياحي يلعب دوراً هاماً وفعالاً حيث يقوم بالوساطة بين أهل البلد والسائحين وينصح السائحين بعدم الخروج عن ما هو مألوف لدى أهل بلده أو البلد التي يعمل بها.
إذا لكي تكون مرشداً سياحياً ناجحاً يجب التركيز علي أربعة محاور أساسية و العمل علي تنميه تلك المحاور باستمرار وهي: المعرفة والمهارات والسلوك و أخيراً الشغف بالمهنة الذي يكون بمثابة مولد الطاقة للمرشد السياحي ويجعله يتحمل أعباء العمل.
وأخيراً هناك بعض الاخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض المرشدين السياحيين ومن أهمها عدم الاستعداد الجيد للرحلة, عدم الإلمام بالمعلومات اللازمة للقيام بالجولة, عدم الالتزام بالآداب العامة, إهدار الوقت المخصص للرحلة, عدم الاستماع الجيد للسائح و رغباته, الاهتمام بسائح دون أخر, التعامل مع السائح باستعلاء.
إن المرشدين السياحيين السعوديين هم حقاً سفراء الداخل لوطنهم العزيز لما يقدمونه من معلومات تضفي جمالاً علي عراقة التراث العربي في شبه الجزيرة العربية.
د. محمد نبيل عرفة