تُعد الشراكة في العمل سلاحًا ذا حدين؛ فإما أن تكون دافعًا للنجاح إذا ما اتسمت بالشفافية والإخلاص والعمل الدؤوب، أو منذرة بالفشل إذا ما تطرق إليها الطمع، وحب الذات وتغليب المصلحة الشخصية. فكيف كانت رحلة عائلة الزامل، وكيف طورت أعمالها؛ لتُصبح من أبرز روافد الاقتصاد السعودي؟.
الشراكة الناجحة
لقد ضربت عائلة عبدالله بن الزامل، المثل في الشراكة الناجحة في العمل؛ لأنها حُكمت بمجموعة من القيم النبيلة أوصلتها للعالمية، فما بين مثابرة الأب، واجتهاد الأبناء والأحفاد، لمع اسم مجموعة الزامل على مستوى العالم ككبرى المجموعات المنتجة والمصدرة للحديد والمكيفات، علاوة على أنشطة أخرى في مجال العقار والخدمات..
الأب المُثابر
نشأ عبدالله الحمد الزامل في أسرة متواضعة ماديًا بمدينة عنيزة، حتى إنه لم تسنح له فرصة التعليم، لكنه كان يتسم بالمُثابرة والعزيمة؛ ما مكنه من وضع حجر الأساس لقصة نجاح أسرته المكونة من 12 ولدًا و4 بنات، و 3 سيدات.
بدأ عبدالله الزامل رحلته عام ، 1935مشيًا على الأقدام لمدة 17 يومًا متوالية من عنيزة إلى الجبيل، ليقيم عند أقاربه، وظل يعمل طوال 15 عامًا ما بين الجبيل، والخبر، وألمانيا، والبحرين، في مجالات تنوعت بين بيع المواد الغذائية والبناء والعقار؛ إذ عمل مع الحكومة البحرينية على إعادة بناء وترميم المباني القديمة، فحقق ثروة كبيرة، وأنشأ بيتًا في الخبر والبحرين، خصصً فيه جزءًا للعمال السعوديين الذين كان يستعين بهم.
نشأة سليمة
أدرك الزامل أهمية التعليم؛ فوجه كافة ما جمع من موارد مالية لتعليم أبنائه؛ فألحقهم بكبرى الجامعات في دول أوروبية وعربية ليعودوا حاملين كبرى الشهادات العلمية.
ولم يكتفِ الزامل بتعليم أبنائه فقط، بل حرص على تربيتهم بمبدأ المساواة وعدم التفرقة، فشب الجميع في مناخ مفعم بالحب والإيثار والتعاون المُتبادل؛ ما ألقى بظلاله فيما بعد على تعاونهم في مجال العمل.
الابن القائد
أدرك الأب ضرورة وجود جسر ينقل من خلاله خبرته إلى الجيل الثاني من أبنائه بعد رحيله، فنقل خبرته لابنه الأكبر”محمد”، فور تخرجه من الثانوية العامة، والذي ضحى باستكمال دراسته الجامعية من أجل مستقبل أسرته.
كان “محمد” نعم الابن النجيب والأخ القائد؛ إذ دفعه تحمله للمسؤولية لاستكمال مسيرة والده بعد وفاته عام 1961؛ فاتسمت معاملاته مع إخوته بالحكمة، والتواضع، والأمانة، والشفافية، والصدق.
عزيمة وإصرار
التحق الأبناء فور تخرجهم بأعمال العائلة في مجال العقارات برأس مال 150 ألف ريال، ولم تكن ثروتهم تتعدى 3 عقارات فقط حينئذٍ؛ إذ تم إنشاء مجلس إدارة للعائلة؛ ليصدر قرارًا بالاستثمار في مجال الصناعة.
تمكن الإخوة من إنشاء ورشة صغيرة لصناعة الألومنيوم، ثم مصنع للمكيفات، وسرعان ما واجهتهم مشكلة جلب التقنيات الحديثة بجانب مشكلات التمويل؛ إذ ناشدوا العديد من المصنعين، والجهات المتخصصة في هذا المجال، لكن دعوتهم قوبلت بالرفض.
لم ييأس الأبناء، وتابعوا عن كثب كل ما يتعلق بالصناعة في ذلك الوقت، فما بين متابعة لتطورات السوق، والتواصل مع الجهات المعنية، واقتناص الفرص، تمكنوا من الحصول على مخططات التقنية لتصنيع المكيفات من إحدى الجهات؛ حيث بدأ المصنع عمله منذ 25 عامًا بطاقة إنتاجية بلغت 40 مكيفًا، وصلت إلى 2500 مكيف، علاوة على منتجات أخرى.
شراكات رابحة
نجح الإخوة في توسيع أنشتطهم، لتشمل 4 قطاعات: الصناعة، والعقار، والاستثمار، والخدمات، فأنشأوا نحو 15 مصنعًا في عدة دول؛ مصر والهند والصين؛ حتى أضحت من كبرى الشركات المصدرة للمكيفات والحديد إلى فيتنام والشرق الأوسط، فزادت أرباحها عبر رسوم الخدمات المُصدرة.
تحولت مجموعة شركات الزامل بعد أن كانت تستجدي التقنيات الحديثة، إلى المصدر الرئيس لأكبر 20 اسمًا عالميًا في مجال الصناعة؛ ما أتاح لها فرص الشراكات الرابحة مع نحو 15 شركة محلية ودولية بدايةً من عام 1991، كان يتم اختيارها وفقًا لمعايير النزاهة والشفافية والأمانة؛ ما أكسب أعمالها مزيدًا من الثقة في مختلف الدول.
قرارات جريئة
دائمًا ما تتطلب مواصلة طريق النجاح، قرارات جريئة تتسم بالمجازفة، فاتخذ الإخوة قرارات حاسمة – بنصيحة من أحد أكبر الخبراء المُـتخصصين في مجال تطوير الشركات العائلية في سويسرا لتفادي انهيار مجموعة الزامل- بتحويل شركاتهم إلى شركات مساهمة؛ وهو ما تطلب مجازفة في فصل الملكية عن الإدارة، وتوسيع دائرة صناع القرار، وزيادة المراقبين على أعمال الشركات وميزانياتها.
الجيل الثالث
بعد ما تمكن الإخوة من الوصول لمكانة متميزة في عالم الأعمال، ركزوا جهودهم على إعداد الجيل الثالث ليتولى زمام الأمور، فتم إنشاء مجلس للأبناء كان يجتمع بصورة دورية؛ للاطلاع على أعمال الشركة، وإبداء المقترحات، والمشاركة في عملية صنع القرار.
وسرعان ما أتى تدريب الأبناء في مراحل مبكرة ثماره؛ إذ تمكنوا في وقت قياسي من تحويل كافة معاملات المالية لمجموعة الزامل إلى معاملات إسلامية؛ فباتت تُدار وفقًا لمبادئ الشريعة الإسلامية؛ ما أضفى عليها مزيدًا من الثقة والأمان.
ميثاق العمل
تميزت تعاملات الأسرة التجارية بوضوح الرؤية، وحسن الإدارة؛ فوضعوا ميثاقًا للعمل ينظم العلاقة فيما بينهم ويضمن لكلٍ منهم حقوقه وواجباته، يشمل:
- أحقية القيادة للأكبر سنًا، مع المساواة التامة في طرح الأفكار والرؤى بين جميع الأعمار خلال جلسات مجلس العائلة.
- عدم العمل لصالح أي جهة خاصة في ظل العمل بمجموعة الزامل، منعًا لتضارب المصالح الشخصية مع الأهداف العامة لأعمال العائلة.
مسؤولية اجتماعية
حرصت المجموعة على أن يكون لها دور مؤثر في خدمة المجتمع؛ فبجانب ما وفرته من آلاف فرص العمل للشباب، مارست أنشطة عديدة؛ أبرزها تأسيس مركز عبد الله الحمد الزامل في مارس 2016؛ لتوفير فرص العمل للشباب عبر التدريب الإداري والتقني، وفق أسس علمية وتقنية عالية.
عوامل جوهرية
هناك عوامل جوهرية قد يغفل عنها البعض، لكنها قد تؤثر جذريًا في مسار أي عمل، مهما بلغ حجمه أو العوامل التي تضمن نجاحه، وربما كانت هذه العوامل هي السر الحقيقي وراء نجاح عائلة الزامل، وهي: رضا الوالدين، وصفاء النية بين الإخوة الشركاء، وعدم اعتبار العنصر المادي كأساس للعلاقة بين الشركاء، ونبذ الأنانية وتغليب المصلحة العليا للجميع، والمرونة وتقبل التغيرات المرحلية، والتركيز على التدريب المستمر، والإدارة الجيدة عبر ميثاق ينظم طبيعة العمل، والتحلي بقيم الأمانة والصدق، مع مراعاة حق الله في كافة المعاملات، والتفاعل مع المجتمع عبر المشاركات التطوعية البناءة.
سلمى ياسين