تختلف طبيعة ودور ومهمة الصناديق الاجتماعية، عن نظيرتها في البنوك التجارية والاستثمارية، كما تختلف في الأهداف المؤسسية، وكذلك في الغايات من تقديم الحزم التمويلية الميسرة، والمقدمة من الصناديق الاجتماعية عن تلك المقدمة من البنوك التجارية أو الاستثمارية؛ وذلك لاختلاف طبيعة الفئات والأنشطة والمشروعات المستهدفة من الصناديق الاجتماعية في المقام الاول للأغراض الاجتماعية، عن البنوك التي تستهدف في المقام الأول الأغراض الاقتصادية والاستثمارية.
وبين الحين والآخر، تصدر دعوات تطالب بالمساواة في المعاملة بين الأنشطة التي تمول من الصناديق الاجتماعية ، وتلك الممولة من البنوك؛ بهدف إلغاء بعض أو كل الميزات الممنوحة لبعض الأنشطة الممولة من الصناديق الاجتماعية، ومنها على سبيل المثال: ميزة الإعفاء الضريبي الممنوحة للفترات الأولى من المشروع للتدريب والتجريب والتدرج في التنفيذ والإنتاج والتقاط الأنفاس، وميزة سعر الفائدة المخفض عن السعر المقدم من البنوك؛ بهدف تشجيع وتيسير الوصول للتمويل للفئات غير القادرة على التعامل مع البنوك، وميزة تبسيط الشروط والضمانات للحصول على التمويل وعدم الالتزام بالضمانات التقليدية من الشيكات أو المرتبات أو غيرها، والتي تطلبها البنوك (كما هو في مصر)، أو ميزة القروض الحسنة بدون فائدة أو تكلفة للتنمية العقارية أو لتنمية المشروعات والمنشآت الاقتصادية ( كما هو في المملكة العربية السعودية) ،وليس المطالبة بالعكس من مساواة المشاريع التنموية التي تصرف من البنوك بتلك التي تصرف من الصناديق الاجتماعية، وآخرها اللقاء الذي نظمه “المركز المصري لدراسات السياسات العامة” بالقاهرة خلال الشهر الماضي ، وحضره عدد من الخبراء بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكان من نتائجه صدور توصيات مثل تشكيل “مجلس أعلى أو هيئة قومية” لتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى الدعوة المشار إليها عاليه بالمساواة، علمًا بأن تطبيق مبدأ المساواة- خاصة مع اختلاف مستويات التنمية- لا يحقق غالبًا العدالة الاجتماعية المنشودة.
ويمكن وضع بعض القواعد الأساسية؛ لبيان الاختلافات التي يمكن أن نتفق عليها معًا ، وهي تمثل وجهة نظر شخصية يرجى مراعاتها عند تحديد وفهم طبيعة ودور المشروعات الممولة من أموال الصناديق الاجتماعية ونظيرتها الممولة من البنوك:
- الدور: ليس فقط من الاختلاف بين أهداف وغايات الصناديق الاجتماعية والبنوك، ولكن أيضًا في طبيعة ونوعية المشروعات الممولة من الصناديق لتحقيق التنمية(Fulfillment)، وليس فقط من البلوغ والوصول إلى آليات العمل وتحقيق الإنجازات (Achievements) من الاستثمار.
- المتطلبات: لا يمكن تبني القوانين الخاصة بالاستثمار في الائتمان التنموي واستخدامها في تمويل التنمية، فالعديد من التوصيات تشير إلى كيفية تنمية وإتاحة وتشجيع الاستثمار، وليس إتاحة التنمية للجميع، وهو أحد أهداف التنمية المستدامة للألفية الثالثة.
- الائتمان والتمويل للتنمية : كافة مشروعات الصناديق الاجتماعية هي مشروعات تنموية ذات مخاطرة؛ لكونها تنفذ لأول مرة أو مشروعات للخروج من دوائر الفقر والكفاف إلى حدود الكفاية؛ بهدف توليد دخل للمعيشة وللمساهمة في توفير فرص عمل من خلال مشروعات تنموية مدرة للدخل في المقام الأول والتي يجب أن يكون الائتمان والتمويل الميسر من متطلبات تنميتها.
- الفئات المستهدفة: عادة ما تكون الفئات التي تستهدفها الصناديق، غير قادرة على التعامل والوصول إلى التمويل مباشرة من البنوك؛ لذا تقدم الصناديق حزمة من التسهيلات الائتمانية المباشرة ، سواء للجمعيات أو البنوك أو الأفراد ؛ لتسهيل حصولهم على رؤوس الأموال اللازمة لبدء مشروعاتهم التنموية لتوليد الدخل والمساهمة في القضاء على البطالة المحلية ورفع مستويات المعيشة.
- طبيعة المشروعات الاقتصادية المستهدفة: تمول البنوك المشروعات بناءً على الدراسات الاقتصادية والخطط التنفيذية بعد ثبات جدوى المشروع، وتوفر ضمانات استمراره والتدفقات النقدية، فيما تمول الصناديق الاجتماعية المشروعات، بناءً على دراسة جدوى مبسطة لمنح الائتمان، وخلال تلك الفترة الممنوحة يمكن بدء وترسيخ النشاط، وتوفير بعض المدخرات، سواء الشخصية أو نواة لرأسمال المشروع، والتي بعدها يمكن أن يمول المشروع من خلال آلية التمويل بعد تلك الفترة من البنوك ، ويمكنها أن تتحمل الضرائب.
- طبيعة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر المستهدفة من الصناديق الاجتماعية: تكون بطبيعتها أنشطة مخاطرة تجريبية عند التنفيذ لأول مرة من صاحب المشروع. والهدف من تمويلها من الصناديق الاجتماعية هو تشجيع وتحفيز الشباب على المبادرة باتخاذ قرار المخاطرة بالعمل الحر.
ويمكن الاسترشاد بالتصنيف المقترح للأنشطة – سواء الممولة من الصناديق الاجتماعية أو من أية مؤسسات أو جهات ائتمانية أو تمويلية مختلفة، إلى ثلاثة أنواع:
- الأنشطة والمشروعات الأساسية غير الهادفة للربح Non-Profit Activities.
- الأنشطة والمشروعات البادئة غير الربحية (التجريبية–الموسمية – الهوايات) Not- for-Profit Activities .
- الأنشطة والمشروعات الاقتصادية الهادفة للربح(المحققة)Economic Activities–For-Profit .
وهذا التصنيف مماثل لتصنيف منظمات المجتمع المدني مثل الجمعيات والمؤسسات؛ إذ تحتاج الفئة الأولى إلى ائتمان تمويلي لتوفير دخل؛ للخروج من حد الفقر إلى حد الكفاف، وتحتاج الفئة الثانية إلى تمويل ائتماني وحزم التمويل الميسر وحزم الخدمات غير المالية لتنمية الأعمال؛ لتوفير دخل للخروج من حد الكفاف إلى حد الكفاية، فيما تحتاج الفئة الثالثة إلى التمويل البنكي العادي وحزم خدمات تنمية الاعمال لتحقيق الاستمرار والقدرة التنافسية والتطوير، مع مراعاة الاختلاف في مستويات المعيشة ومستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية السائدة باختلاف المناطق والأقاليم. ويمكن تحقيق التميز للفئتين الأولى والثانية بحيث لا تتحملان أو تدفعان على أنشطتهما الضرائب، بينما تتحمل الفئة الثالثة على كافة أنشطتها وتتميز بدفع ضرائبها بطبيعتها الإنتاجية أو التجارية لتحقيق التنمية المنشودة.
وأوقع مثال لبيان الفارق بين التنمية والاستثمار، هو حصول الدكتور محمد يونس وبنك جرامين مناصفة على جائزة نوبل للسلام(وليس في الاقتصاد) عام 2006؛ لتبنيهما مبدأ “التنمية” والذي يهم 80% من المجتمع، بينما يهتم الاستثمار بنسبة 20% من المجتمع، ومبدأ “الائتمان للفقراء أولًا” في المجالات الأربعة الرئيسة وهي: التعليم والصحة والمسكن والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، ومبدأ ” تدرج توفير رأس المال” للمشروعات على ثلاث مراحل؛ الأولى: توفير وتيسير الائتمان للخروج من حد الفقر إلى حد الكفاف، والثانية: توفير وتيسير التمويل الائتماني للخروج من حد الكفاف إلى حد الكفاية، والثالثة: توفير وتيسير التمويل الاستثماري للخروج من حد الكفاية إلى حد الرفاهة في المعيشة، وهو ما يعرف بالاستثمار.
وهناك ثلاث رسائل أساسية لتحقيق التنمية، وهي:
الأولى: أن التنمية حق من الحقوق الإنسانية الأساسية المكفولة بالمواثيق والقوانين الدولية، فكيف لنا أن نطالب بمنع الفئة الأولى من ذلك الحق ونطالب بمعاملته مثل الفئة الثالثة، بدلًا من أن نطالب بتمتع الفئة الثانية بمميزات تساعدهم على الوصول للفئة الثالثة لتحقيق التنمية المستدامة.
الثانية: دور الحكومات والمؤسسات التنموية هو نشر وتشجيع وتعزيز تطبيق وتحقيق مبدأ التنمية للجميع، وهو ما يجب أن نستنبط فهمه و/أو تحقيق تطبيقه لكون التنمية أحد الحقوق الاساسية، وقد وجد ارتباط التنمية بتحقيق السعادة لأفراد مجتمعاتهم.
الثالثة:أن المساواة في التطبيق في هذه الحالات لا تخدم أو تحقق التنمية والعدالة الاجتماعية، فهنا الهدف هو تنمية مشروعات صغيرة ومتناهية في الصغر ذات أهداف تنموية، وهناك الهدف هو تنمية مشروعات صغيرة ومتناهية في الصغر ذات أهداف استثمارية.
إن الصناديق الاجتماعية، في حالة تبنيها آلية تنمية المشروعات، تهدف إلى تنمية الأنشطة التي تستهدف تلبية الاحتياجات المحلية والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للأفراد وللمجتمعات،وتنمية الأنشطة ذات الأولوية لبناء دعائم الاقتصاد على المستويات الثلاثة: المحلية والإقليمية والقومية.