في إطار الصراع الخفي الذي يشهده المشهد العالمي لسوق التكنولوجيا بين الشركات الضخمة المسيطرة على السوق، برزت مخاوف من حظر شركة “هواوي”- عملاق التكنولوجيا الصيني- من العمل على بناء شبكات الجيل الخامس، التي تقودها الولايات المتحدة والتي أطلقت دعوات متلاحقة لمقاطعة منتجات “هواوي”، إثر مخاوف الأخيرة من أمور تتعلق بالتجسس.
بدأ فتيل الأزمة بتهديد الرئيس الأمريكي؛ دونالد ترامب بإصدار أمر تنفيذي في العام الجديد؛ وإعلان حالة طواريء وطنية، بمنع الشركات الوطنية من استخدام معدّات اتصالات من إنتاج شركتي “هواوي” و”زد.تي.إي” الصينيتين؛ ما يعني إغلاق السوق الأمريكية أمامهما؛ بزعم أنهما تعملان بتوجيه من الحكومة الصينية، وتستخدم أجهزتهما في التجسّس على الأمريكيين.
لم يأت قرار ترامب فجأة، بل يجري الإعداد له منذ أكثر من ثمانية أشهر، حسب ما أعلنته مصادر بقطاع الاتصالات والإدارة الأمريكية.
أبعاد اقتصادية
ولا يخفى البعد الاقتصادي للقرار الذي يُعد زلزالًا لن يقوض أركان العملاقين الصينين فقط، بل ستمتد آثاره للاقتصادين الصيني والعالمي؛ نتيجة سيطرة الصين على سوق صناعة الهاتف، وتصدرها المركز الثاني عالميًا خلف العملاق الكوري سامسونج، ونجاحها في إزاحة العملاق الأمريكي ” آبل” منتجة آيفون”.
حققت هواوي رقمًا غير مسبوق في عدد شحنات هواتفها الذكية للأسواق العالمية في عام 2018 م، بلغ أكثر من 200 مليون وحدة؛ وذلك – حسب هواوي- لثقة ودعم شركائها حول العالم؛ ما تعتبره رأس مالها الكبير، إضافة إلى التنوع في المنتجات التي تناسب جميع الفئات.
ابتكار منتجات جديدة
يقول ريتشارد يو”؛ الرئيس التنفيذي لمجموعة هواوي لأعمال المستهلك: “سنستمر في ابتكار منتجات جديدة، وسنبذل كل جهدنا لنصبح رواد ومتصدري الموجة القادمة من ثورة الهواتف الذكية، كما سنقدم قيمة جديدة للمستهلكين، لتوفير مزايا أكثر تساعدهم على الاستمتاع أكثر بحياتهم؛ ما يجعل من هواوي علامة تجارية مفضلة لدى المستهلكين حول العالم.”
وعلى صعيد تكنولوجيا الجيل الخامس التي يترقبها العالم، نجحت “هواوي” في كسب ثقة عملائها بإعلان “كين هو” رئيس مجلس إدارتها، عن توقيع 25 عقدًا تجاريًا؛ لتصبح الأولى عالميًا بين مزودي معدات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بل إنها شحنت نحو 10 آلاف محطة اتصالات رئيسة للأسواق العالمية.
ردود أفعال مساندة
توالت ردود الأفعال حول قرار ترامب، فمنهم من صنفه ضمن الصراع السياسي بين البلدين، ومنهم من رأى أنه سيخلق فراغًا قد يؤثر على نشر شبكات الجيل الخامس على مستوى العالم.
وتعليقًا على القرار، قال “كين هو”؛ رئيس مجلس إدارة هواوي: “لم يرد دليل واحد يثبت صحة هذه الادعاءات، ولا تستطيع أي شركة أن تتحسن إذا أغلقت باب المنافسة”.
وفي دعوة لإيقاف القرار؛ دعا “كين” للتعاون والحوار لنزع فتيل الأزمة، واصفًا المخاوف الأمنية من تقنية الجيل الخامس بأنها مشروعة، لكن “يمكن مناقشتها وتوضيحها من خلال التعاون البنَّاء والحوار المفتوح بين المشغلين والحكومات”.
وتابع رئيس “هواوي”: “جميع مشغلي الشبكات تقريبًا أعربوا عن رغبتهم في استخدام شبكات “هواوي”- رائدة السوق حاليًا- في تقديم أفضل المعدات. ونعد بأنها ستظل كذلك طوال العام الحالي على الأقل؛ حيث تجري الشركة تحديثات جدية لشبكة الجيل الخامس؛ للوصول إلى سرعات أكبر وبتكلفة أقل”.
مساندة أوروبية
أكد المشغلون الأوروبيون أن “هواوي” شريك استراتيجي لا غنى عنه في مساعدتهم للحصول على خدمات الجيل التالي من تقنيات الاتصالات اللاسلكية؛ حيث واصلت كثير من شركات الاتصالات الأوروبية تعاونها مع “هواوي” لتنفيذ شبكات الجيل الخامس؛ كشركة O2 مُشغل شبكات الهاتف النقال ببريطانيا التي بدأت بالتعاون مع “هواوي” في تركيب شبكات الجيل الخامس في بريطانيا.
وأبدى ستيفان ريتشارد؛ الرئيس التنفيذي لشركة “أورانج” مساندة هواوي بوصفها تملك أحدث تقنية للجيل الخامس في العالم، ولديها أقوى الإمكانيات والوسائل في مجال البحث والتطوير في هذه الصناعة، علاوة على جودة منتجاتها، كما بدأت شركة “ألتيس” مُشغل الاتصالات الرائد بالبرتغال تعاونها مع “هواوي” لتطوير خدمات شبكات الجيل الخامس وتركيبها في البرتغال، فضلًا عن تواصل “فودافون إيطاليا” تعاونها مع “هواوي” بإعلانها الانتهاء من تطوير تقنية تحسين نطاق الطيف عالي التردد في إطار تجارب الشركتين لشبكات الجيل الخامس بمدينة ميلان.
كوريا تنفي وجود تهديدات أمنية
أكد “ها”؛ الرئيس التنفيذي لـ “إل جي يو بلس”- التي تعمل حاليًا بشراكة مع “هواوي” – أن الشركة لا تؤمن بوجود تهديدات أمنية تتعلق باستخدامها معدات “هواوي” للبنية التحتية لشبكة الجيل الخامس؛ وذلك دفعًا لمزاعم ترامب بوجود خطر من حدوث تسريبات أمنية جرّاء استخدام معدات هواوي في الشبكات.
وفي السياق نفسه، قاربت شركة “إل جي يو بلس” على إنشاء بنيتها التحتية لشبكات الجيل الخامس؛ بإنهاء إنشاء 5,500 محطة اتصالات رئيسة لخدمة شبكات الجيل الخامس القادمة، باستثمارات 3,6 مليار دولار لإنشاء بنيتها التحتية لشبكات الجيل الخامس.
واضاف ” ها”، أن هناك حوالي 170 دولة تستخدم معدات شبكة “هواوي”، ولم يتم الإبلاغ عن أي مشكلات أمنية حتى الآن”، مؤكدًا أن شركة “إل جي يو بلس” تؤكد التزام “هواوي” على المستوى المحلي بنحو 70 من تعليمات الأمان التي وضعتها الوكالة الكورية للإنترنت والأمن.
كندا تستبعد القرار السياسي
وفي العاصمة الكندية ” أوتاوا”، استبعد جاستن ترودو؛ رئيس الوزراء الكندي تأثر حكومته بأية أزمات سياسية، قائلًا:” إن قرار كندا بالسماح لـ “هواوي” ببناء شبكتها اللاسلكية من الجيل التالي لن يكون سياسيًا، فهناك مليارات الدولارات في مجال التكنولوجيا والبنية التحتية للاتصالات، وهناك أيضًا ضرورة ملحّة لتوفير الحماية من التدخل والهجمات السيبرانية، مؤكدًا بأنه: “لا ينبغي أن يكون القرار سياسيًا، بل يجب ترك القرار للخبراء واعتماد القرار على توصيات وكالات الأمن والاستخبارات المتخصصة.
الهند ترفض
ومن جانبها، أعلنت الحكومة الهندية عدم ممانعتها في تنفيذ “هواوي” لشبكات الجيل الخامس داخل البلاد، رافضة توجيه الاتهام لشركة واحدة في قضايا تتعلق بالأمن، خاصة وأن منافسي “هواوي” يستوردون العديد من المكونات الأساسية لأجهزتهم من الصين.