“لكل شئ من اسمه نصيب”، مثل عربي ينطبق تمامًا على ضيفتنا شذى العويس؛ الفنانة التشكيلية، التي استثمرت موهبتها وحبها للفن في دراسة التربية الفنية، فحصلت على البكالوريوس والماجستير، واستثمرت حبها لريادة الأعمال وحبها في تأسيس علامة تجارية وطنية باسم “زهرة تشرين”.. من خلال هذا اللقاء نقترب من تجربتها الوليدة؛ لنتعرف على طموحاتها في عالم المال والأعمال…
حاورها: حسين الناظر
ــ كيف كانت بدايتك مع ريادة الأعمال؟
درست الفن عن حب، وكنت أتوق للاستثمار فيه، لكن المجتمع لم يكن قد بلغ مرحلة الاستثمار في الفن، علاوة على صعوبة الاستثمار فيه، ولكنه ظل فكرة، حتى جاء الوقت المناسب؛ حيث وجدت أن العمل الحر وريادة الأعمال هو الأنسب لي ، فقد جربت العمل الوظيفي، كمعلمة تربية فنية، ثم استقلت منها لعدم أنسجامي معها، ثم كان قراري بتأسيس مؤسسة خاصة لاستثمار طاقاتي فيها.
دورات تدريبية
ــ فكرة ” زهرة تشرين”، كيف جاءت ؟
استثمرت في الزهور؛ لحبي لها منذ طفولتي، وحب شرائها، فيما يبدو أن لاسمي تأثير. وكنت دائمًا ما أفكر: ماذا لو كان هناك متجر يأتي لي بالزهور للمنزل يوميًا أو أسبوعيًا، عن طريق اشتراك معين.
وعندما علمت أن معهد ريادة الأعمال يدعم مشاريع المرأة ، وأن بنك التنمية الاجتماعي يقدم قروضًا حسنة، قررت الاستثمار في هذا المجال، بتأسيس مشروع خاص لبيع الزهور والهدايا، فتقدمت إلكترونيًا لمعهد ريادة الوطني، فلم أجد حفاوة وتشجيعًا فقط، بل ساعدوني في عمل دراسة جدوى للمشروع. وبفضل الله، حصلت على دورات تدريبية في ريادة الأعمال، وأخرى في تنسيق الزهور ، كما حصلت على دورة متقدمة في تدريب المدربين؛ حتى صرت مدربة لتنسيق الزهور من خلال دورات للراغبين في تعلم هذا المجال. وبعد عام من الدراسة واختيار الموقع، افتتحت – بحمد الله – ” زهرة تشرين”.
مزايا تنافسية
ــ ما أهم الخدمات التي تقدمينها؟ وما ذا عن المزايا التنافسية؟
هدف المشروع هو بيع الزهور، وبيع وتغليف الهدايا، وتقديم جميع الكروت؛ من تهاني وإهداءات تلائم كل المناسبات، وكلها من تصميماتنا، وجميعها بلغة عربية سليمة ومعبرة؛ لأنني أعتز بلغتنا، فقد شرفها الله بجعلها لغة القرآن الكريم، كما أنها قادرة على توصيل قوة مشاعرنا، كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم :
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفـظًا وغـاية ً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظــاتِ
أنا البحْرُ في أحشائِه الدُّرُ كامنٌ فهل ساءَلوا الغواصَ عن صدفاتي
ونحن اقتبسنا كلمات من القرآن الكريم ومن الشعراء؛ مثل أحمد شوقي، وجبران خليل جبران وغيرهما.
باقات زهور للفائزات
ــ ما أهم المكاسب من مشروعك حتى الآن ؟
لي رسالة وهدف يتخطى حدود الكسب المادي؛ حيث أطمح في أن تخرج كل زهرة من متجري لتنشر البهجة والسرور في زهور الحياة، فأمنيتي أن أرى سعادة الناس والمجتمع؛ لذا أقوم بتنظيم مسابقات، وأمنح جوائز عبارة عن باقات زهور للفائزات.
مهارات خاصة
ــ من خلال عملك كمدربة لتنسيق الزهور؛ هل يتطلب المشروع مهارات خاصة ؟
تنسيق الزهور من الفنون الراقية والجميلة، وتتطلب مهارات خاصة وحسًا فنيًا مرهفًا؛ إذ تعتمد هذه المهنة على الإحساس في المقام الأول، كعامل رئيس في الإبداع. وتنسيق الزهور عالم واسع وعلم كبير؛ لذا من يعمل في هذه المهنة، يجب أن يكون موهوبًا ومُحبًا للزهور، وعلى دراية بأصنافها ودلالاتها لاختيار الملائم لكل مناسبة، وعلى وعي أيضًا بالألوان، فكل باقة زهور يجب أن تخرج من تحت يديه كلوحة فنية، كما يجب أن يكون لديه استعداد نفسي وحالة مزاجية جيدة.
والأهم أن يكون قادرًا على التواصل مع العملاء، ومعرفة أمزجتهم وأذواقهم، وقادرًا على إرضائهم.
وأنصح من يسع للعمل بهذه المهنة، بالقراءة الواسعة في عالم الزهور، والالتحاق بدورات متخصصة في تنسيقها.
متابعة المشروع
ــ ما دور معهد ريادة الأعمال الوطني في دعمك؟
هم ساعدوني في عمل دراسة الجدوى ودراسة السوق، و بالأخص الفاضلة ديمة القحطاني، التي شرفت بقيادتها لمجموعتي، ونعتبرها أمنا الروحية؛ إذ دعمتنا كثيرًا، ولم تبخل علينا بأية معلومة.
كذلك، فإنَّ معهد ريادة الأعمال مستمر في دعم ومتابعة المشروع، فلم يقتصر دوره على مرحلة التدريب وتحويلنا لبنك التنمية الاجتماعية للحصول على التمويل، بل لايزال مستمرًا في التواصل، والتوجيه، والمساعدة في التغلب على مختلف الصعوبات.
ــ وهل كان للأسرة دور في هذا الأمر ؟
وجود عائلة محفزة، من أهم عوامل النجاح، فإذا كان وراء كل عظيم امرأة؛ فوراء كل عظيمة رجال عظماء. ولقد حباني الله بأسرة داعمة ومحفزة، ساعدتني كثيرًا، وبالأخص أمي التي طالما أمنت بقدراتي، وزوجي سعد العمار الذي دعمني وشجعني وكان محفزًا لي، وأخي المهندس المعماري مصعب الذي ساعدني في تصميم الهوية للمشروع، وعمل معي على إنجاح المشروع بالأفكار الملهمة.
ــ ما الصعوبات التي واجهتك؟ وكيف تغلبتِ عليها؟
بالطبع، لم يكن الطريق مفروشًا بالزهور والحرير، فقد واجهت صعوبات كثيرة، ومررت بأزمات مالية كثيرة، وضغوط من الصعب تحملها لولا الثقة بالله، ثم العزيمة والاعتماد على النفس ، وخاصة في العمل بريادة الأعمال، التي تتطلب الاعتماد على النفس وتشجيعها.
وقد واجهت أثناء دراستي انتقادات كثيرة من قبيل: لماذا تدرسين تربية فنية وهي بغير فائدة، ولا تؤهل لعمل جيد؟! لكن كنت مقتنعة بضرورة أن أدرس ما أحبه، وحاربت كي أدخل هذا القسم، وأكملت الماجيستير فيها، فالتربية الفنية شئ عظيم، ومهمة في التربية بالفن، كما أنها تساعدك في اكتشاف موهبة الطفل، وتعليمه الذوق والرقي؛ لذلك أتمنى أن تأخذ حقها كمادة مهمة، ولاسيما في التعليم الأساسي.
وفور تخرجي بحثت كثيرًا عن عمل، وتقدمت للحصول على وظيفة حكومية، وكنت أبكي عندما لا يُعلن عن اسمي كفائزة بإحدى الوظائف. عملت كمدرسة، ثم استقلت منها لما وجدته من معاناة مع إدارات صعبة لاتقدر ماليًا أوأدبيًا، ثم تقدمت للحصول على بعثة دراسية، وفرحت جدًا بالإعلان عن اسمي ضمن الفائزين، لكن لم أوفق في السفر لاستكمال دراستي؛ لظروف صعبة، فحزنت كثيرًا، لكن سرعان ما تجاوزت الأزمة.
ــ كيف ترين الاهتمام بالمرأة، وخاصة رائدات الأعمال ؟
أشعر بالفخر لكوني سعودية، ونحن- كنساء- نشكر جميعًا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان؛ لاهتمامهما بالمرأة ودعمهما الكبير لها؛ لذا أستشعر بأننا مقبلون على مستقبل واعد.
وخير مثال على دعم حكومة خادم الحرمين للمرأة ، اهتمام رؤية 2030 بها، ووضع مشاركة المرأة الاقتصادية ضمن أهدافها، فالرؤية تهدف إلى رفع نسبة مشاركة المرأة في الوظائف القيادية من 1% إلى 5% ، وزيادة نسبة مساهمتها في سوق العمل من 22% إلى 30% .
وفيما يخص دعم رائدات الأعمال، فهو جزء من سياسة الرؤية في دعم الشباب ككل، فلا تفرقة بين شاب وفتاة؛ وهوا ما لمسته بنفسي من دعم كبير من جاني كلٍ من معهد ريادة الأعمال وبنك التنمية الاجتماعية، في إطار السياسة الداعمة للشباب.
إجراءات روتينية
ــ ما التحديات التي تواجه رواد ورائدات الأعمال من وجهة نظرك؟
الإجراءات الروتينية الحكومية ، فمعهد ريادة يعطينا إيجارًا لمدة 6 شهور، وينتظر فترة لاستلام الدفعة الأخرى لإعطائك دفعة ثانية، ثم فترة انتظار أخرى لاستخراج الرخصة؛ وذلك بالرغم من أن الإجراءات إلكترونية، لكن عليك انتظار المراقب للقيام بالمعاينة ، كما أن لكل جهة اشتراطات خاصة بها، فللدفاع المدني إجراءاته واشتراطاته في المكان وغيره؛ وكل ذلك يؤدي إلى إهدار كثير من الوقت حتى افتتاح المشروع.
لذلك، أطالب بأن يكون هناك شباك واحد وجهة واحدة لاستخراج الرخصة توفيرًا للوقت وتسهيلًا على رواد الأعمال.
ــ ماذا عن طموحاتك ؟
أتمنى أن تصبح “زهرة تشرين” علامة تجارية قوية ومعروفة في العالم العربي كله، وليس المملكة فحسب.
ــ ما نصائحكم للشباب؟
أنصحهم بالتأني وعدم التسرع، فكلما طالت مدة التخطيط ودراسة المشروع جيدًا كلما أصبح المشروع أكبر للاكتمال، وزادت نسب النجاح، ويجب الإيمان بأننا جميعًا خطآوون كما قال الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم – ولكن العبرة في قدرتنا على النهوض من جديد والتعلم من التجارب والأخطاء التي مررنا بها، ولابد من التغيير الإيجابي.
وأنصح الشباب بقراءة قصص النجاح ، التي ستعلمنا أن أغلب الناجحين في بداياتهم عانوا كثيرًا وكلما انكسروا أصبحوا أقوى ، فالضربة التي لا تميتك تقويك ، ويجب التجربة مرة ومرة ومرة ، مع القدرة على تغيير البوصلة والمجال ، إلى أن نصل إن شاء الله للأفضل، وللاستثمار فيما نحبه، مع العلم بأن ليس كل ما نحبه يصلح للاستثمار والنجاح، ولكن يجب غخضاعه للقياس العلمي من خلال دراسة الجدوى الجادة، التي توضح لنا الأمور.