محمد النفيعي شاعر البسطاء..والبعد المسرحي في قصائده
عبر عن بنبض الشارع وكأنه يمسك بآلة تصوير عالية الحساسية
بعد قرابة العامين من وفاته، هلت علينا ذكرى رحيل أيقونة الشعر الشعبي بالمملكة محمد النفيعي؛ لتمتعنا بإرثه الأدبي المبدع.
لم يكن النفيعي شاعرًا فقط ، بل كان أيضًا عاشقًا للصحافة . كان معبرًا عن الفقراء والبسطاء حتى إنه نال لقب “شاعر البسطاء” و “شاعر الناس”، وكان يحمل فلسلفه شعرية خاصة لكتابة قصائده الشعرية، أو ما يمكن تسميته بـ “الخلطة السرية للشاعر البارع”، والتي قال فيها: “ودك تصبح شاعر بارع/ خل قافيتك هم الناس/ وأوزانك نبضات الشارع”.
يصفه عدد كبير من الشعراء بعرّاب صحافة الشعر الشعبي، فتنقلت كتاباته بين مطبوعات سعودية وأخرى خليجية، وتتلمذ على يده عشرات الشعراء المعروفين في الساحة الشعبية، كما يعتبر من أوائل الشعراء السعوديين المؤسسين للساحة الشعبية الإلكترونية، بإنشائه منتديات شعرية وأدبية تهتم بالشعر الشعبي الذي اتسم بالصبغة الإنسانية.
احتفـــــــــــــــــــــال
ارقص على طار الجروح
واترك عطر دمي يفوح
********
مقايضـــــة
يا سخف كلمة ليش
لا باع شاعر ذمته
من اجل يأكل عيش
********
ســـــــــؤال
وشلون قلب بلا ضميـــر
يشعر بحرمــــان الفقير
*******
انكفاء
المستحــــــــــــيل
إنك بها الوقت الردي
تلقى مثل حزنك
خليل
*******
حين يكتب النفيعي، يمتزج شعوره بالإنسانية، بالحب، بالنقاء، بكل شئ جميل .
“يوحّدنا تجاهه في عزّ شتات الفكر”؛ صورة منحوتة وكأنها تصدر من آلة تصوير عالية الحساسية تجاه الأشياء والمكان. “هذه دقة مبعثها الحب، فالشاعر عاشق للمكان، كلف به، يعشق طينه الذي جف”؛ نص شديد العناية بالبيئة والطبيعة والناس ، وبناء الصور والمشاهد في بيئة غير مبهمة . لغة قوامها العفوية والبساطة. “ألوفة كالدعاش والنال والنبق، وقناديل الذرة وقهوة الدغش”..هو ذا المعين الذي استفاد منه.
هــــــــــــامش
مثل بيت بلا درايش
مثل كف بلا خواتم
أو أســـــــاور
أو غوايش
تنقضي لحظات عمري كلها
وأقول عايش
********
تشكــــــــــــيل
من الحنطة خذي لون الملامح
وارسمي وجهي
على رمل الصحــــاري
عرس
********
حـــــــــــوار
قالت:
أعطني أنامل صبـــــا
قبل الكفوف اتشيخ
قال:
حبيبتي والثمن
قالت:
من أوسع أبوابه أدخلك التاريخ
أضفى النفيعي لونًا جديدًا من الدلالة الشعرية المعاصرة، بلفظة سعودية دارجة نوعًا ما ، وجعل بينها وبين الفصيح هجنة مدهشة ، رآها بعض النقاد عيبًا كبيرًا، فكان رده: ” لم أتحفظ في استعمال كلمات يشبِّه لهم علمهم الجاهل أنها لا تمت إلى الفصاحة بشئ، وأنا فخور بعيبي، وعلينا أن نستفيد من عبقرية التناول الشعبي الخلّاق للغة دون أن ننسف كيانها، علينا أن نعترف بالمعاني الجديدة للكلمات القديمة وأن نستلهم الخيال الدارج”.
أراد الشاعر أن ينقب في تربة أرضه وواقعه باعتبار أن ” ثقافة الأمة هي واقع تلك الأمة، والفن مثل اللغة هو وسيلة التعبير عن ذلك الواقع. ومن هنا، يظل التأكيد دائمًا على أن لزوميات كل حركة فنية، في بلد أن تكون ذات خصوصية أو ذات نكهة ثقافية متميزة عن بقية التيارات الثقافية والفنية في بلاد أخرى، فكل حركة فنية لها تاريخها المميز ، ولكل مرحلة ما يميزها بحيث تتلازم التجارب”.
جعل النفيعي من المفردة الشعبية والألفاظ السعودية الدارجة، همًا وغاية، متخذًا منها لباسًا، وأقنعة؛ حتى أصبحت القصيدة عنده بؤرة لانفجارات الخيال الشعبي والصور المتصارعة؛ إذ يلقي بك مرة في وسط الأحاجي السعودية، ومرة يجعلك متأملًا في الصور والحكاية الموغلة في الوجدان الشعبي القديم، ثم يعرج بك بذات المنهج الاسترجاعي في المسرح، الذي يقاطع تسلسل الأحداث المعروضة من الناحيتين(الزمان والمكان لينقل إلى المتفرج أحداثًا.
من أشهر تغريداته ،مايصف فيها رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله:” يا نور الأرض وياحماة الفضيلة.. ويا وجهًا مثل الصبح يا مشرق الأنوار.. ثوب قصير أبيض ولحية طويلة.. ولسان متعطر تهاليل وأذكار”.
يقوم النفيعي في شعره بعملية استيلاء، يعمد فيها الممثل أثناء أدائه التمثيلي لجذب اهتمامات الجمهور، عن طريق التحرك والاستيلاء على أهم منطقة في المسرح، تجذب الاهتمام. وأراد من خلال تلك الصور المتجسدة من الممارسة الشعبية أن يشكل الجو الإيحائي.
والمتابع لمنظومة النفيعي الشعرية، يرى أنه سخر كل تلك الحراك لأجل هموم ، وآلام وتطلعات الضعفاء، مقدمًا أروع القصائد، محتفظًا لنفسه بحق الارتباط بنبض الشارع حتى وافته المنية قبل قرابة العام.
كانت آخر تغريداته الشاعر قبل وفاته بساعات في عزاء الشاعر رشيد الزلامي،قائلاً: “لله ما أخذ ولله ما أعطى ولا نقول إلا ما يرضي ربنا الحمد لله، اللهم رحمة عرضها السموات والأرض، أحسن الله عزاء الجميع”.