“هناك من يؤمن بقدراته رغم عجزه، وهناك من يؤمن بعجزه رغم قدراته”..قالها الراحل د.مصطفى محمود؛ الكاتب المصري الكبير، وجسدتها الإماراتية “سلوى آل رحمة” مريضة السرطان التي أبت إلا أن تجعل من مرضها ضيفًا عزيزًا يزورها بين الحين والآخر، محملًا بالقوة والأمل رغم ما يعتريه من ضعف.
هنا، قصة نجاح “سلوى” التي تجسد قدرة الإنسان على رسم ملامح طريقه مهما واجهه من عقبات ومحن..
اكتشاف المرض
كانت “سلوى” في السابعة عشر من عمرها حينما اكتشفت إصابتها بسرطان الغدد اللمفاوية أثناء دراستها بالجامعة، وذلك إثر استئصال وتحليل كتلة صلبة -كانت قد ظهرت في أعلى كتفها الأيمن- في إحدى دور العلاج ببريطانيا، ثم عادت إلى بلدها لتتزوج بعد عام من شفائها، وتُرزق بخمسة أبناء هم :محمد، وأحمد، ولطيفة، وسارة، ومها.
نقطة تحول
لم تهنأ سلوى بحياة آمنة مع أولادها؛ إذ سرعان ما داهمها المرض للمرة الثانية في الثدي الأيمن، ورأت تلك المرة الدموع في عيون أسرتها الصغيرة التي تخشى فقدانها، إلا أنها تظاهرت بالقوة، وسافرت إلى إحدى دور العلاج بلندن لتخضع لجراحة استئصال ثديها الأيمن؛ لتعود أكثر قوةً وتمسكًا بالحياة.
لم تنتكس ولم تفقد الأمل في غد أفضل، فقررت أن تُصبح نموذجًا إيجابيًا ينشر معاني القوة والأمل والتعايش في المجتمع، فتحولت لمصدر هائل للطاقة الإيجابية وباتت أكثر اختلاطًا بالمجتمع عبر الفعاليات والورش المُجتمعية التوعوية في ميادين التربية السليمة وإحياء معاني التعايش الإيجابي في المجتمع.
وما لبثت أن تلتقط أنفاسها لتسمع هدير السرطان للمرة الثالثة في الثدي الآخر، فاستأصلت ثديها الآخر في لندن ، لتعود وقد تلاشى الخوف من قاموس حياتها؛ فتعالت همتها وتضاعفت حماستها لتتفانى في العمل رغم كل هذا الضجيج الذي مر بحياتها.
أنشطة مجتمعية
أطلقت سلوى آل رحمة العديد من المبادرات المجتمعية مثل:
- مبادرة “لأنك الأهم” ؛ لنشر ثقافة الوعي بالسرطان وأهمية الكشف المُبكر.
- مبادرة “أنا بطل”؛ لتكريم الناجين من المرض.
- ورش توعوية مجانية بالعديد من المؤسسات والمدارس؛ للتوعية بمرض السرطان، بالإضافة إلى برامج تنمية مهارات الذات.
- تعاونت بشكل دائم مع الإدارة العامة لخدمة المجتمع في التنسيق والتخطيط والتنظيم، لتنفيذ فعاليات الحملات التوعوية في مجالات التربية السليمة للطفل وغيرها، بجانب التطوع مع مؤسسة السرطان الإيجابي.
مبادرة سفراء الإيجابية
قضت سلوى عشرة أعوام من العطاء المجتمعي، كللتها بإطلاق مبادرة “سفراء الإيجابية”؛ لإعداد فريق من طلبة المدارس والجامعات وأولياء الأمور؛ كي يصبحوا سفراءً للإيجابية ، بعد إخضاعهم لبرامج تدريبية ومشاركتهم في العديد من الفعاليات والزيارات الميدانية التي تؤهلهم لحمل اللقب.
وترتكز المبادرة على الدعوة لإحياء مبدأ التعايش الإيجابي، ليس فقط لمرضى السرطان، ولكن في كافة مناحي الحياة، وتم تخريج 120 طالبة من 6 مدارس مشاركة.
ملكة المسؤولية الاجتماعية
بعد تدشينها مبادرة سفراء الإيجابية، تأهلت سلوى من قبل برنامج “الملكة” للمنافسة على لقب ملكة المسؤولية الاجتماعية في الوطن العربي، بعد أن أصبحت جزءًا من برامج تدريبة لترويض حياة الكثيرين على الإيجابية والأمل، كما أنها الإماراتية الوحيدة المرشحة لهذا اللقب المُخصص للنساء الناجحات في تقديم خدمات اجتماعية مميزة على مستوى الوطن العربي.
طاقات ومواهب
لم يُثني مرض السرطان سلوى عن تنمية مهاراتها في مجالي الكتابة والرسم؛ فشاركت بلوحاتها الفنية في كثير من معارض الجرافيك، كما أطلقت أول إصدار لها بعنوان “أجراس القلب” في معرض أبوظبي للكتاب، ثم إصدارها الثاني بعنوان “أنا وصديقي السرطان”.
دعم وتكريم
- حصلت على جائزة صاحبة أفضل موقع إلكتروني إماراتي متنوع للدورة الثانية بوزارة الثقافة والشباب عام 2010 .
- تولت منصب المتحدث الرسمي باسم مدارس دبي النموذجية في الملتقى الأول لمدارس الدمج على مستوى الدولة.
- دعمتها الكثير من الشركات ماديًا لإنجاح فعالياتها وبرامجها التوعوية.
حلم
تسعى سلوى لإنجاح مبادرة “سفراء الإيجابية” في الإمارات، ثم تطبيقها على مستوى الوطن العربي، ثم العالم أجمع، وتحويلها إلى مؤسسة مجتمعية ذات طابع مستقل تبتكر من الممارسات الإيجابية والإبداعية؛ ما يُمكِن الكثيرين من التغلب على مشكلات الحياة؛ وذلك عبر خلق جيل كامل من سفراء الإيجابية يبثون الأمل في نفوس أنهكها “السرطان” أو ربما شابها اليأس من عدم قدرتها على تحقيق أحلامها.
دروس مُستفادة
بين ثنايا سطور تلك القصة نرى كيف يكون الضعف مصدرًا للقوة وكيف تتحول الصدمات إلى سلسلة متتالية من النجاحات، كما نتعلم أن الرياح لا تأتي دائمًا بما تشتهيه السفن، وأن لكلٍ منا معركته الخاصة مع هذه الحياة؛ فلا يوجد طريق للنجاح مفروش بالورود، كما أن الوصول للقمة لا يتأتى إلا لذوي الإرادة القوية.
للنهض جميعًا ولا ندع مجالًا للتفكير السلبي الذي ُيثبط الهمم ويُبطئ الخطى، فلولا مُنحنيات الحياة ما صارت “سلوى” قدوة لخمسة أبناء، ومصدر فخر لذاتها وزوجها وعائلتها، ونموذجًا ملهمًا لمجتمع بأسره.
سلمى ياسين