حوار/ حسين الناظر
خبرات كثيرة وتجارب متنوعة، وإرث ثقافي كبير ورثه عن والده المثقف الكبير؛ ما دفعه للاستثمار في الثقافة والفنون من منطلق مسؤولية اجتماعية واعية، فأسس ساقية عبدالمنعم الصاوي منذ عشر سنوات، والتي أصبحت أكبر منارة ثقافية في مصر والعالم العربي أثْرَت الحركة الفكرية والثقافية، كما أسس شركة عالمية للنشر والإعلان عام 1980، فضلًا عن عضويته في المجلس الشرق أوسطي للمشروعات الصغيرة وريادة الأعمال، وأكبر الداعمين لحركة ريادة الأعمال مصريًا وعربيًا.
تعالوا نقترب من تجربة رائد الأعمال المهندس؛ محمد الصاوي وزير الثقافة الأسبق، من خلال هذا الحوار…
ــ ما الذي حدا بكم إلى العمل الخاص ؟
يرجع الفضل في هذا لوالدي رحمه الله ، فكما تعلمون كان وزيرًا للثقافة المصرية، وكان عصاميًا لأقصى درجة، ولديه خوف شديد من الله ،وكان محبًا لمصر وغيورًا عليها. ربَّانا وعلمنا تعليمًا مميزًا، وعندما تخرجنا، رفض فكرة توظيفي أنا وأخي في الحكومة، خشية أن يفهم أن هذا وساطة أو محسوبية ، فوجهنا للعمل الحر ، وتركنا نختار ما يحلو لنا ، فأسست وأخي شركة عالمية للإعلان.
ــ وكيف نجحتم في توطيد دعائم الشركة ؟
الحمدلله، من البداية كان نصب أعيننا المنافسة الكبيرة في هذا المجال، وكانت هناك سيطرة لشركات عريقة على السوق، فالتفتنا إلى أهمية الابتكار في تقديم الإعلانات، فوطدنا مفهوم توظيف الإعلانات بشكل جديد ، وإبداع وسائل جديدة للإعلان لم تكن معروفة في مصر، فبدأنا عمل مهرجانات وحفلات فنية لكبار النجوم، ومباريات رياضية في جميع الألعاب، و نظمنا أكبر وأشهر معرض ومهرجان للسيارات ( أوتوكروس ) الذي لفت الأنظار وحقق نجاحات كبيرة.
ــ كنتم أول من بدأ الاستثمار الرياضي، فكيف حققتم النجاح في هذا المجال ؟
أعشق أنا وأخي الرياضة، وندرك أنها- خاصة كرة القدم- تحظى بأكبر نسب مشاهدة من الجمهور، فاتجهنا لاستغلال هذا في الدعاية والترويج، فكنا أول من عمل إعلانات للشركات في المباريات التي تنظم خارج مصر، عربيًا وأفريقيًا ودوليًا، لمنتخب مصر أو الأندية المصرية. سافرنا ووقعنا تعاقدات مع ملاعب واتحادات رياضية في الدول التي تستضيف البطولات والمباريات التي تكون مصر طرفًا فيها، ثم بدأنا رعاية كل البطولات الرياضية، سواء كرة القدم أو اليد أو السلة حتى السباحة والسباقات وكمال الأجسام وغيرها، لم نترك مجالًا، إلا واستثمرنا فيه.
ــ إذًا الابتكار أحد عوامل النجاح المهمة !
بالطبع، فلولا أننا قدمنا منتجًا غير معروف بالسوق المصري، لما نجحنا، فقد نظمنا مهرجانات وحفلات فنية خارج القاهرة في الشواطئ والأندية الرياضية، وابتكرنا مفهوم رعاية المؤتمرات والمباريات؛ ما حقق إقبالًا كبيرًا، ونجاحًا ملحوظًا؛ لأنه كان جديدًا على سوق الإعلان في بداية الثمانينات من القرن الماضي.
ــ بالتأكيد واجهتم صعوبات وتحديات، فما أهمها؟
أصعب ما في البداية أنها بداية، فالناس لم يكونوا على وعي كامل بعم نتحدث، فكونك تبيع رغيف خبز أمر يسير؛ لأن الكل يعرف أنه رغيف خبز، ويعرفون فوائده، لكن عندما تبيع لهم منتجًا لثمرة جديدة لم يروها من قبل فهذا تحدٍ كبير، يتطلب بذل مجهود كبير في الشرح والإقناع، فكان ذلك من أكبر التحديات التي واجهناها؛ لأن أغلب الشركات لم تكن تعرف فائدة رعاية حدث أو مؤتمر أو مباراة كرة قدم .
ــ أنتجتم عدة برامج كان لها أثر إيجابي بالغ عند الجمهور مثل “رياضات عالمية” فكيف نفذتم ذلك؟
جاء هذا ضمن اهتمامنا بالرياضة، وتطويرًا لحجم الأعمال، فلم يكن هناك وقتها فضائيات، ولم يكن هناك نوافذ للتعرف على الآخر. أذيع البرنامج على القناة الثانية المصرية، فحقق نجاحًا ولاقى اهتمامًا واسعًا؛ حيث التفت حوله الأسرة المصرية، خاصة وأننا روجنا له جيدًا.
ــ هل واجهتم مشكلات في التمويل؟
التمويل عقبة كبيرة ، لكن تغلبنا عليها بالاعتماد على التمويل الذاتي، واستثمار مدخرات العائلة البسيطة، والسير بنظام خطوة خطوة للأمام، وزيادة حجم الأعمال بزيادة النجاح والمدخرات؛ بمعني استثمار الأرباح في تطوير وتوسعة العمل.
الشركات العائلية
ــ شركة “عالمية” تندرج تحت قطاع “الشركات العائلية”، فكيف نجوتم من مشكلات هذا النوع من الشركات ؟
أكبر مشكلة هي عدم وجود فكرة المحاسبة بمفهومها الحقيقي، فالتعامل يتم بمنطق هذا أخي وهذا ابني وهذه ابنتي، فلا تتم المحاسبة الحقيقية، ولا يتم تقييم الأداء؛ وبالتالي ليس هناك تطوير للعمل، والنتيجة حدوث خسائر.
وهذا خطأ كبير، لابد من وضع الموظف المناسب في المكان المناسب؛ فمن الخطأ وضع ابنك مثلًا في مكان غير مؤهل له أو جدير به لمجرد القرابة؛ فذلك يضر بالعمل ويضر بابنك؛ فيشعر بالإحباط والفشل، ويفقد الثقة بنفسه عند الفشل؛ لأنه يدرك حينها عدم قدرته على الأداء الجيد.
ــ وبم تنصح إذن ؟
ضرورة التدريب والتعليم الجيد للأبناء والإخوة الذين ستدفع بهم للعمل في الشركة العائلية، بحيث يكونون جديرين بالوظائف، ثم وضع نظام محاسبي صارم واتباع نظام “حوكمة الشركات”، وغرس القيم والتحفيز على النجاح؛ لأن الجيل الأول الذي يؤسس الشركة، ولد من رحم المعاناة والإصرار والحافز الكبير على النجاح، أما الجيل التالي فيرث النجاح بغير معاناة ويعمل بلاحافز أو ضغوط للإجادة.
ساقية الصاوي منارة الثقافة
ــ نأتي لـ “ساقية الصاوي” منارة الثقافة في مصر.. كيف جاءت الفكرة ؟ وكيف تحققت؟
نتيجة عشقي للثقافة والفنون، التي ورثتها عن والديّ، اللذين غرسا في وأخي حب الناس والمسؤولية تجاه الوطن وأبنائه، فكنت كلما مررت بمنطقة الساقية بحي الزمالك أجدها أشبه بكهف مهجور تحت كوبري 15 مايو ، فكانت موضعًا للقمامة والمخلفات وموئلًا للخارجين على القانون، ففكرت في استغلال هذا المكان الساحر على النيل وفي قلب حي الزمالك في عمل نشاط يفيد الناس، فكانت فكرة “ساقية الصاوي”.
ــ ما التحديات التي واجهتموها؟
كثيرة ، في مقدمتها الصعوية الشديدة في الحصول على ترخيص لاستغلال المكان، فالكل كانوا يعتبروننا رجال أعمال، فكان توجسهم أننا سنستغلها لأغراض تجارية بهدف جني أرباح ، لكن تمسكنا وثابرنا، حتى رأى الجميع النتيجة، فقد وضعت نصب عيني من أول وهلة ألا يقام فيها إلا ما يفيد ويخدم الناس ولاسيما الشباب، وهذا مايراه الجميع واقعًا ملموسًا.
ــ لكن كيف نجحتم في استثمار المنتج الثقافي، وإقناع الناس بدفع مقابل نظير الاستماع لشعر أو إنشاد أو غيرهما؟
بتقديم منتج جيد يخاطب العقول ويستوعب الاختلاف، ويقرب الثقافة والفن للناس، ويخاطب أذواقهم وعواطفهم. ويجب أن نعي أن ما يدفعه الجمهور، هو مقابل رمزي أقل كثيرًا من السوق؛ فالهدف من المقابل الرمزي تنمية الموارد للصرف على الأنشطة المجانية المختلفة كالمعارض الفنية، والندوات، والمؤتمرات التثقيفية، وتغطية تكلفة التشغيل التي تعتمد على جهاز إداري كبير ومحترف.
البيروقراطية وغياب المرونة
ــ شغلتم منصب وزير الثقافة بعد ثورة 25 يناير، فبما تفسر فشل المؤسسات الحكومية مثل قصور الثقافة في تقديم منتج ثقافي جيد مثلما تفعل الساقية؟
نحن لسنا الأذكى، ولا الأمهر، ولا الأقدر تمويلًا من المؤسسات الحكومية كقصور الثقافة أو مراكز الشباب ، فقصور الثقافة مليئة بالموظفين الذين هم مبدعون في الأصل، لكننا نتميز عنهم بالمرونة، فالموظف الحكومي مكبل اليدين، فلا يقدم الأداء المتوقع منه، فالحكومة لاتعطيه موارد مالية لعمل أنشطة، وتحرم عليه تنمية موارده بتنظيم حفلات وبيع التذاكر مثلًا للصرف على الأنشطة.
النظام الحكومي البيروقراطي يقتل الإبداع ولا يسمح لموظفيه بأن يبدعوا؛ لذا تجد الأولويات الحكومية يسقط منها الثقافة والفنون، بزعم أن أمامها أولويات أهم. بينما لوتم الارتقاء بالفكر العام والحالة الثقافية للمجتمع ، سيشارك الشعب كله بالإبداع في إيجاد حلول لكل المشاكل الحياتية. يجب أن نعي أن حالة المجتمع تقاس بأضعف عناصره، فإذا أردنا قياس المستوى المادي لمجتمع، ننظر إلى أقل دخل لفقير فيكون هو المؤشر.
ــ كانت تجربتك في العمل الوزاري قصيرة، أسبوعين فقط ، لكن بما خرجت منها ؟
كانت فترة مهمة للتعرف على شئ جديد وبعيد عني تمامًا، لكن فوجئت بأمور عجيبة، فالعمل الحكومي تحكمه الكثير من صور العشوائية والقيود السخيفة في أمور مهمة لصالح العمل، وفي نفس الوقت مرونه في الأمور الداعمة للفساد، فالفساد الإداري والمالي مرعب، مثل حرية الوزير أن يمنح مكافآت دون ثقف للمحظيين، وحرمان غير المرضي عنهم؛ الأمر الذي يقتل الطموح لدى المبدعين.
وقد اجتهدت في العمل ليل نهار، وأجريت مقابلات كثيرة، واقتربت من العاملين، وكان لدي أمل في تغيير الواقع وخلق بيئة نظيفة تفتح أبواب الانطلاق نحو الأمام، لكن لم يقدر لي هذا.
احتياج شديد لريادة الأعمال
ــ كيف ترون أهمية ريادة الأعمال للمجتمع ؟
أؤمن بأنه كلما ازدادت التعقيدات، وكثرت الأزمات، زادت الحاجة للأفكار غير التقليدية التي يحملها أشخاص غير تقليديين يرون خلاف ما يراه الآخرون. فهؤلاء هم رواد الأعمال الذين يأتي على أيديهم الإبداع الحقيقي.
وأكرر أن ما نعيشه من أوضاع حالية، وما يحيط بنا من مشكلات عويصة، هو فرص كبيرة وممتعة ومؤلمة أيضًا، يمكن أن يحقق من خلالها رواد الأعمال نجاحات عظيمة بالتركيز عليها وإيجاد حلول خلَّاقة، فهذا هو الدور الحقيقي لريادة الأعمال، والجدير به رواد الأعمال الحقيقيون والموهوبون .
غياب الرؤية
ــ ما أهم التحديات التي تواجه ريادة الأعمال ؟
للأسف، لا نزال في مصر، نعيش في ذيل قائمة العالم من حيث التعليم والبحث العلمي وضعف المعلومات، وغياب رؤية داعمة للريادة، فلم نكتفِ بوجود مشكلات في الطاقة والغذاء ونقص المياه وانتشار التلوث وما يسببه من أمراض فتاكة، بل أيضًا وضعنا معوقات صنعناها بأيدينا؛ مثل نقص البيئة التشريعية المعوقة وغير الداعمة للنجاح ، والبطء الشديد في محاربة الفساد. وهذا قدر رواد الأعمال الذين يعملون في ظل هذه الظروف؛ لذا أقول لهم : جزء من نضالكم أن تواجهوا هذه الظروف والتحديات، وخذوا من هذا النضال طاقة للعبور إلى النجاح.
البيئة التشريعية المناسبة
ــ كيف ترون الحلول من وجهة نظركم ؟
أن نبدأ فورًا بتوفير البيئة المناسبة لريادة الأعمال وبالأخص البيئة التشريعية ، التي تضمن أن يعمل رواد الأعمال بأمان، وبمخاطرة لا تذهب به إلى السجن نتيجة مخالفة القانون. وأتمنى أن يظهر بيننا من يقدِّر أصحاب المواهب والرؤى والإبداعات لمنحهم الثقة، وتذليل العقبات أمامهم ومنحهم الفرصة لتغيير العالم المحيط بنا.
ــ وما رأيكم في رواد الأعمال الشباب ؟
أحرص على التواجد في كل المحافل الريادية التي أُدعى إليها، وأتقابل مع كثيرٍ من المميزين أصحاب الرؤى والأفكار الرائعة، وأعترف بأنني أخرج بطاقة إيجابية نتيجة ما أراه من حماس وأفكار وابتكارات مدعاة للفخر والاعتزاز.
“مقهى رواد الأعمال” بالساقية قريبًا
ــ ما أهمية نشر ثقافة ريادة ؟ وما دور ساقية الصاوي في ذلك ؟
لابد من نشر هذه الثقافة؛ لأنها تجعل الشباب الذي يرمي نفسه في البحر، يعيد ترتيب ” دماغه “؛ لأننا ببساطة نجمع مليون جنيه من 30 مهاجر، ونعطيهم لشخص ليرمي بنا في البحر. أليس الأولى والأجدى والأربح أن نجمع هذه الأموال ونؤسس بها شركة مساهمة من هؤلاء الـ30 فردًا. مصر لم تعرف أوبر أو كريم من قبل.والآن ربط الآلاف حياتهم بالاستثمار في هذه الاستثمارات الجديدة.
وتأكيدًا لدورالساقية الثقافي والتنويري، ندعم نشر ثقافة ريادة الأعمال بالفكر والثقافة، وسنطلق قريبًا بالتعاون مع وكالة سواحل الجزيرة فعالية ثقافية مهمة هي “مقهى رواد الأعمال” لنشر الثقافة وفكر ريادة الأعمال بين الشباب.
ــ كيف ترى أهمية التعاون والتكامل الاقتصادي العربي ؟
لقد أثرت الكثير من الشجون، فأنا عروبي بالوراثة ، فكان والدي عروبيًا لأقصى درجة، وهو من جيل عاش تجربة الوحدة، ومات يحلم بها. يجب أن نعيش في عصر الكيانات والتكتلات الكبيرة، ونحن قادرون على الاندماج في وحدة عربية قوية تتوفر لدينا كل عواملها، وأقواها العمق العقدي فالكل يعبدالله الواحد الأحد ويستمد من شرعه القيم والمبادئ ، واللغة المشتركة التي تعد أولى لغات العالم رقيًا وقدرة على التعبير ونقل الإبداعات، فضلًا عن وحدة التاريخ والحضارة والتراث. وكلها فرص كبيرة للوحدة العربية، يجب المضي فورًا نحوها ، فالكل الآن يدفع ثمن الانعزال والفردية التي قزَّمتنا كثيرًا.
ــ هل الثقافة قادرة على خلق هذه الوحدة ؟
نعم، فهي الباب الأكثر مرونة وقدرة على تجاوز الأزمات وتقدير الاختلاف، واستيعاب الخلافات ، فالتسامح ليس قبول الآخر، بل تقدير الآخر. ويجب أن نسعد بوجود الاختلاف في المجتمع لأنه أحد عناصر قوة المجتمع، فالسبيكة قوتها في تعدد عناصرها؛ حيث تأخذ من كل عنصر أقوى ما فيه.
ــ و ما دور ريادة الأعمال ؟
هي من أكبر عوامل الوحدة؛ لأنها تقوم على فريق العمل والتكامل، فإذا طبقناها عربيًا، سنجد عند هذا التمويل، وعند آخر الأفكار، وعند ثالث الأيدي العاملة، وعند رابع المواد الخام ، وعند خامس العلاقات الدولية، وعند سادس التسويق، وهكذا.
كذلك، تجعلك ريادة الأعمال تنظر للعالم بصورة أكبر، فترى الآن الدائرة كاملة بزاوية 360 درجة، خلاف ماتراه العين الواحدة، بل ترى صورة ثلاثية الأبعاد، علاوة على تكامل الجهود والطاقات، وتسخير قدرات الجميع في عمل واحد ناجح. وهذا هو التحدي الذي يجب أن نعيه ونعمل على تحقيقه.
إنها فرصة لأدعو رواد الأعمال العرب لتحقيق هذا التقارب بعمل مشاريع مشتركة لاستغلال الطاقات الكامنة والمتوافرة والقدرات المادية والبشرية الهائلة في عالمنا العربي.