بالرغم من الجهود المبذولة في عالمنا العربي في مجال ريادة الأعمال ، لكن ما زلنا ندور في حلقة مفرغة من دون أن نبلغ القمة التي صعد إليها العالم المتقدم في هذا المجال.. لم نضع أيدينا حتى الآن على مفتاح ريادة الأعمال الذي نجحت من خلاله دول العالم المتقدم في التغلب على المشكلة الأزلية التي تضج مضاجعنا؛ ألا وهي مشكلة البطالة التي تعاني منها بلادنا.
ولايزال شبابنا للآن، يبحثون – بعد تخرجهم في الجامعة – عن الوظيفة الحكومية التي تضمن لهم راتبًا شهريًا ولو كان ضئيلًا ؛ وذلك بحجة أنه مضمون ، علاوة على التأمين الصحي ، والحصول على معاش شهري بعد بلوغ سن التقاعد، بينما نجد الطلبة في الدول المتقدمة يؤسسون أعمالهم الخاصة أثناء دراستهم في الجامعة.
إنَّ المفتاح الحقيقي لعالم ريادة الأعمال الذي تعرفه الحكومات العربية وتتجاهله ، هو التعليم الذي ينبغي أن تتضمن مناهجه أبوابًا عن فكر ريادة الأعمال ،وإعداد الشباب للمستقبل ، وخلق جيل من شباب رواد الأعمال يؤمن بفكر الريادة والعمل الخاص، وليس البحث عن وظيفة حكومية تقتل مواهبه وتحوله إلى مجرد آلة تنفذ المطلوب منها!.
لقد اهتمت الدول العربية فقط بإنشاء مبادرات تهتم بفكر ريادة الأعمال، أو مساعدة القطاع الخاص على إنشاء مثل هذه المبادرات ، وربما اكتفت بصناديق أو بنوك تمول رواد الأعمال ، من دون أن تؤسس لمناهج تعليمية يتم من خلالها تدريس فكر ريادة الأعمال للطلاب.
ولاشك في أنَّ التطوير الفعلي لقطاع ريادة الأعمال في الوطن العربي ، يحتاج إلى تفعيل الممارسات الصحيحة ، والبرامج المساعدة التي تدفع عجلة تنمية هذا القطاع ؛ وهو مايتطلب في المقام الأول وضع مناهج تعليمية في المرحلتين الثانوية والجامعية تتعلق بفكر ريادة الأعمال، والابتكار،والاقتصاد المعرفي، وتشجيع الطلبة عليه أثناء دراستهم؛ وذلك بتحفيزهم على طرح أفكار إبداعية، ثم بلورتها إلى مشروعات فعلية.
لقد بدأت الدول العربية مجال الريادة بآخر خطوة في سلمه الهرمي من دون أن تبدأ من القاعدة.. بدأت بخطوة التمويل دون أن تعد الإنسان الذي سيحصل على هذا التمويل. وبالرغم من أننا ندرك أن البناء السليم للمجتمع يبدأ ببناء الفرد بما يناسب قدراته الفكريّة والإبداعية ، لكننا نعامله منذ طفولته كوعاء يُفرِغ فيه المعلم معلومات محددة في بداية الموسم الدراسي ؛ ليقوم الطالب في نهاية العام بتفريغها دون أن يُعمِل فكره..فلماذا لا نترك له المجال للقيام بالبحث والتجريب، والخطأ والتصويب، حتى يصل إلى مرحلة الإبداع ، ثم الابتكار ؟!.
لماذا لايتولى المجلس الاقتصادي والاجتماعي المنبثق عن جامعة الدول العربية ، الدعوة إلى عقد مؤتمر عربي حول ريادة الأعمال ، يتم من خلاله دراسة وضع مناهج تعليمية تتعلق بريادة الأعمال في المرحلتين الثانوية والجامعية للطلبة ؛ بهدف خلق جيل من رواد الأعمال، شريطة أن تؤسس تلك المناهج على مفهوم أن التعليم الأفضل هو الذي يركز على مهارات الإبداع وحل المشكلات ، وليس الحفظ و التلقين.
وأرى أن تتضمن تلك المناهج : التعرف على مفاهيم التفكير الإبداعي -وليس النمطي – وأساليب تنميته ،وسمات المبدعين ، وكيفية عمل دراسات الجدوى الاقتصادية ، والتعريف بمجالات المشروعات في كافة القطاعات طبقًا لكل دولة ، ومصادر التمويل وكيفية الوصول إليها والتعامل معها، وكيفية مواجهة التحديات والصعوبات التي قد تواجه تلك المشروعات منذ طرحها كفكرة ، وحتى إخراجها للواقع، وكيفية الإدارة السليمة للمشروع من خلال التعرف على مهارات الإدارة الذاتية ، وكيفية اختيار الموظفين، والتعريف بريادة الأعمال، والاقتصاد المعرفي ، ، والابتكار، ومهارات صنع القرار.