لم تعد ريادة الأعمال اليوم نشاطًا اقتصاديًا مكملًا كما كانت في الماضي، بل أصبحت ثقافة للأعمال على مستوى العالم؛ لما لها من تأثير بالغ على المؤشرات الاقتصادية للدول، فلم تعد هناك دولة متقدمة إلا وقد قطعت شوطًا طويلًا في مجال ريادة الأعمال؛ لتاثيرها البالغ على خلق بيئة استثمار وعمل مناسبة، وما يترتب على ذلك من تنمية في كافة المجالات.
والتنمية –كالريادة- من المفاهيم الضرورية لتحقيق التطور، ثم الاستقرار والتقدم، وصولًا إلى الرفاهية؛ عبر تطبيق مناهج، واتباع مراحل تحقيق التنمية المتعارف عليها والمخطط لها؛ لأن التنمية “غاية” في حد ذاتها نسعى لتحقيقها و”وسيلة” نحقق من خلالها التقدم المنشود.
وتُعد التنمية، غاية ووسيلة في آنٍ واحد؛ فالغاية تعني الهدف الذي يتم التخطيط والتوجه نحوه، وبذل الجهد والوقت وتعبئة الموارد والإمكانيات، مع العمل الدؤوب لتحقيقه بالوسائل والأدوات المتاحة، بينما الوسيلة، تعني الغرض المستخدم كوسائل أو أدوات لتحقيق الهدف المنشود، بإنجاز الأهداف المرحلية للتنمية ؛ لتصبح مظاهر التطور والتقدم، النتيجة الفعلية للتنمية.
4 مفاهيم للتنمية
وللتنمية عدة مفاهيم تشمل:
1- تنوع واختلاف التعريفات المتداولة، والمناهج والمؤشرات حتى على مستوى المؤسسة الواحدة، وتغيرها بتغير مستويات التنمية الواقعية واختلاف طرق قياس عوائدها، وأساليب تحقيق الأهداف العامة والأهداف التنفيذية، مع تنوع واختلاف الأهمية والرغبة في التركيز على أولويات التنمية، وخصائص مراحلها، ووضع الآليات والأهداف التنفيذية، وتوفر الضرورات التي تحقق تلك الأهمية.
2- تحديد إطار عام لمفهوم التنمية المتكامل وخصائصها ومراحلها، وتحديد المناهج المتبعة والمداخل المتاحة لاختيار الأقرب والأفضل والمناسب لمستوى التنمية المنشود، مع القدرة على متابعة تلك المراحل؛ للتأكد من توفر مشروعات وأنشطة لمختلف تلك المراحل؛ لتحقيق التنمية المتكاملة والمستدامة.
3- تحديد مؤشرات قياس رئيسة، والقدرة على قياس مخرجات وعوائد وآثار الأنشطة التنموية، وإتاحة التعريف الشامل لمفهوم التنمية المتكامل لتحويل التنمية من غاية وهدف منشود إلى وسيلة وأداة فاعلة.
4- المساعدة على نشر فكر وثقافة التنمية، وتقديم التعريفات الأساسية لمفهوم ومراحل ومناهج ومجالات التنمية المختلفة للدارسين، ورواد الأعمال، والأفراد العاملين المعنيين والمهتمين بالتنمية في المؤسسات التنموية؛ للمساهمة في تحقيق التخطيط والبناء والتحول والتطوير للعمليات والأنشطة الحالية والمستقبلية.
مظاهر التنمية
ووفقًا لقاموس مصطلحات الأعمال، فللتنمية عدة معانٍ وأنشطة وإنجازات على مستويات مراحلها المختلفة، يمكن التحقق منها من خلال خمسة مظاهر:
1- توفير البنية الأساسية من مرافق الخدمات المجتمعية من طرق وكباري وصحة وتعليم ومياه وكهرباء وصرف صحي ونقل ومواصلات وحدائق وأسواق وغيرها.
2- توفير فرص التعليم والتدريب والتعلم الذاتي، والتدريب المستمر والتحويلي، وفرص العمل؛ من خلال المشروعات الاقتصادية والاجتماعية لبناء المواطن من حيث قيمه ومبادئه وسلوكياته وثقافته وتحسين بيئته المعيشية.
3- استخدام العلم والمعرفة والوسائل العملية والتطبيقية لتحقيق الأهداف والمتطلبات من البناء والتطوير، والاستفادة من النظريات والقوانين العلمية والتقنية في التطوير والإبداع لحل المشكلات وإزالة العقبات، والتعامل مع الصعاب والتحديات، وخلق الفرص.
4- تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية كهدف ووسيلة لزيادة الدخول وتقليل البطالة، وتوفير الفرص المتاحة، وتحسين مستويات المعيشة؛ من خلال نشر وتوفير فرص العمل اللائقة والمنتجة، وتحقيق فرص المشاركة والعدالة الاجتماعية للجميع.
5- توفر مظاهر تعدد مراحل التنمية من الإنشاء والنمو والتغيير والتحسين المستمر والتحول والتطور والتقدم نحو هدف محدد، مع الرقي في السلوكيات والتصرفات، والرفاهية في مستويات المعيشة.
إعادة الهيكلة
ولاشك في أنَّ الإصلاح والتغيير وإعادة الهيكلة، من أدوات الإدارة والتشغيل، وليست من أدوات أو مظاهر التنمية المستهدفة كدلائل لتحقيق التنمية، فالإصلاح يعني استبدال الجزء المعطوب أو إعادة تشغيله إلى ما كان عليه، والتغيير يعني استبدال قطع الغيار أو استبدال القطع المعيبة أو تغيير الشيء بنفسه، وكذلك إعادة الهيكلة؛ أي إعادة التوزيع بناءً على الكفاءة أو التخصص. وجميع ماسبق ليس من أدوات التنمية، بل يمكن اعتبارها من أدوات التشغيل والإدارة، بينما التخطيط، والبحث، وتعبئة الموارد، والتنفيذ من خلال العمل المستمر الجاد والشاق- وكذلك الاستغلال والاستخدام الأمثل وتطوير العمليات والتقدم التطوير- كلها من أدوات التنمية.
إنَّ “التنمية” هي المدخل الحقيقي-كغاية ووسيلة – للتغيير والتطوير لحياة أفضل، وهي “العمليات، والأنشطة، والبرامج، ومناهج الفكر، والجهود المبذولة” لتحقيق مراحلها الثلاث: النمو والتقدم، والتغيير والتحول، والتطوير للأفضل، اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وإنسانيًا.