ثمة علاقة قوية بين ريادة الأعمال والتنمية التكنولوجية وعمق هذه التنمية في المجتمعات، أثبتتها تجارب العقود الخمسة الأخيرة؛ إذ أضحت ريادة الأعمال في قلب التنمية التكنولوجية وتنمية الإبداع والابتكار، وشكلت- بطبيعتها وتطبيقاتها المختلفة- رافعةً للتقدم التكنولوجية والاقتصادي معًا؛ لكون ريادة الأعمال عملية ضخ دماء جديدة، وخلق نشاط بشرايين الاقتصاديات الوطنية، يتم من خلالها تحويل الأفكار والابتكارات والأحلام إلى مشاريع ملموسة، تخدم الشركاء والمساهمين فيها.
ومع الاهتمام بالقطاع الخاص ووصوله لمكانة عالية في التنمية الاقتصادية، أصبحت ريادة الأعمال محورًا رئيسًا للنهوض؛ عبر المشاركة بإنجاز مشاريع طموحة، تحقق الأهداف الاستراتيجية للدولة، وكذلك تنويع القطاعات الاقتصادية وتزويدها بالإبداع، إضافة إلى تنمية المجتمعات.
وقد وضحت أهمية دور التنمية التكنولوجية في إحداث قفزة على المستوى الاقتصادي، واكتمال رحلة البحث العلمي؛ بالخروج من المعمل إلى السوق كمنتج حقيقي يسد الفجوة، ويفتح فرصًا للعمل، ويعزز الصناعة المحلية، ويحدث نموًا اقتصاديًا، فبات القطاع التكنولوجي من أهم الأدوات الاقتصادية لتمكين المجتمعات من النهوض، وتحقيق القيمة المضافة، والتمكين الاقتصادي والتكنولوجي والثقافي.
والمؤكد أن ريادة الأعمال، تمثل فرصة جيدة لخلق وتوطين التقنيات الجديدة والمستحدثة، وتطوير المهارات، واكتساب المهارات الريادية الملائمة لثقافة العمل، وتسويق مخرجات البحث العلمي من ابتكارات واختراعات وحلول؛ إذ توجهت اقتصاديات العديد من الدول العربية مؤخرًا إلى الاعتماد على الاقتصاد المعرفي؛ لتوفير فرص العمل، وتحسين حياة المواطنين، وتوفير موارد اقتصادية بديلة.
وتتجلى أهمية ريادة الأعمال في ظهور نوع جديد منها يُعرف بـ “ريادة الأعمال التكنولوجية”، برز نتيجة ظهور موجة للشركات الناشئة المقامة على استغلال الأفكار والتطبيقات أو الابتكارات، خلقت نوعًا من الحراك الاقتصادي غير المسبوق في تاريخ الاقتصاد والتنمية التكنولوجية.
و لـ “ريادة الأعمال التكنولوجية” عدة تعريفات؛ منها: أنها تلك التي تقدم حلولًا بحثية للمشاكل، وتساهم في تأسيس مشروع جديد يعتمد على التكنولوجيا، وتشمل المنظمة، والإدارة، وثقافة تحمل المخاطر من الأعمال التجارية القائمة على التكنولوجيا، وتوفر سبل جذب رجال الأعمال، والموارد والهياكل التنفيذية؛ لاستغلال الفرص التكنولوجية الناشئة.
وتمثل ريادة الأعمال أحد أهم القوى المحركة لتطوير وتحفيز الإبداع والتنمية التكنولوجية في مختلف الدول؛ إذ تمثل أهم محركات تمويل والإسراع بعمليات نقل التكنولوجيا، ونقل المعارف الفنية من مصدرها للاستخدام في موقع آخر؛ حيث يتحمل رائد الأعمال كلفة المخاطر التي ترافق هذه العملية، كالمخاطر التكنولوجية والتنظيمية والمخاطر التسويقية.
كذلك، تحتاج عمليات توليد التكنولوجيات الجديدة- بالبحث والتطوير والإبداع- إلى نوعية خاصة من التمويل الذي يتحمل الغموض والمخاطر المرتفعة للبحث العلمي، ويعتمد على قدرات جهات تمويلية متخصصة، تركز على تمويل رواد الأعمال المتميزين في مجالات توليد التكنولوجيا والإبداع والابتكار، ونقل النتائج للتطبيق العملي في مجالات الصناعة.
وقد ظهرت- منذ عدة عقود- آليات لدعم وتنمية المشروعات التكنولوجية التي يقدمها رواد الأعمال، كالحاضنات التكنولوجية ومسرعات الأعمال؛ إذ أوضحت دراسات حديثة مدى تأثير الشراكة التي تصنعها الحاضنات التكنولوجية على المشروعات الملتحقة بها، وخاصة في ثلاثة محاور: توفير مصادر التمويل (رؤوس الأموال المخاطرة، المنح الحكومية، شركات الاستثمار)، وتأسيس شبكة خبراء ومستشارين، وأخيرًا توفير شراكة استراتيجية (خاصة للمشروعات التي تحتاج إلى إجراء بحوث وتطوير).
وريادة الأعمال- وإن كانت تركز على الاستغلال الاقتصادي للأفكار الإبداعية والحلول المبتكرة، والذي يسمح بتزايد الاهتمام بهذه الأفكار وبالبحث والتنمية التكنولوجية- تخفف في الوقت نفسه من عبء البطالة على الاقتصاد العام؛ عبر نشر ثقافة العمل الحر، وخلق فرص عمل جديدة؛ إذ تقدم منتجًا أو خدمة تستجيب لحاجات المستهلكين، وتحفز التنافس بالأسواق، وتطوير البيئة الاستثمارية، وتعزز قدرة الجهات والمناطق الهشة على جلب الاستثمارات وتجاوز العجز الاجتماعي عبر اللامركزية الاقتصادية، وتعزيز البنية التحتية، بما يحقق عدالة جغرافية ذات وقع إيجابي على الناتج المحلي والسلم الاجتماعي؛ وبالتالي تُعد أحد أهم محاور الحراك والترقي في المجتمعات؛ وهو ما يحتم على كل من يرغب في النهوض بمقدرات مجتمعه أن يهتم بها.