أيام قليلة، وتحل علينا نفحات أفضل الشهور عند الله -عز وجل- والمسلمين عامة، وهو شهر رمضان المبارك؛ شهر الصيام الذي يتميز بأجواء إيمانية تدفعنا للاجتهاد في العبادة، والتسابق في الطاعات، والأعمال الخيرية، وصلة الأرحام.
ومع دخول شهر رمضان، يتخوف البعض من تأثير الصوم على الأعمال اليومية، خاصة التي تتطلب جهدًا ذهنيًا وبدنيًا شاقًا، فبدلًا من أن يُمثل هذا الشهر حافزًا قويًا لإعلاء الهمم وزيادة الطاقة الإنتاجية، يربطه البعض بالكسل والخمول، وهو ما يخالف -كليًا- مبادئ الشريعة الإسلامية، باعتبار العمل عبادة ينبغي إتقانها.
ووفقًا لكثير من الدراسات العلمية، هناك تأثيرات إيجابية مذهلة للصيام على الطاقة الإنتاجية والقدرات الذهنية، بخلاف بعض الحالات الخاصة -والتي يرجع تأثرها السلبي بالصيام لما يمارسونه من عادات خاطئة أو لأسباب مرضية خاصة تستوجب المتابعة الدورية مع الطبيب المختص-.
بينت الدراسات العلمية التي أجريت على كل من الإنسان والحيوان، أن الصيام والعمل يعملان بصورة طردية؛ إذ يسهم الصيام في زيادة الطاقة الإنتاجية في العمل، كما يؤدي إتقان العمل إلى تعاظم القدرة على تحمل الصيام ومقاومة الشعور بالجوع والعطش وسائر الشهوات البشرية الممنوعة أثناء فترة الصيام. إليك أبرز التأثيرات الإيجابية للصيام على أداء العمل:
1- زيادة الإنتاجية
يعمل الصيام على زيادة معدل الأيض أي “الحرق” في جسم الإنسان؛ فيخلص الجسم من السموم والفضلات الزائدة ويجدد خلايا الجسم ومنها خلايا الدماغ؛ فيزيد الحيوية والنشاط والتركيز، وبالتالي يزيد من إنتاجية العمل.
2-التفرغ الذهني الكامل للعمل
إن الابتعاد كليًا عن التفكير في الطعام والشراب طوال اليوم لعدد ساعات محددة، وعدم شغل الذهن بتلك الأمور يزيد من مساحة التركيز والتفرغ في آداء العمل والعبادة دون غيرهما.
3- زيادة القدرة على التعلم
يعمل الصيام على زيادة الهرمون المضاد لإدرار البول طوال النهار؛ ما يحسن من القدرات العقلية بشكل عام؛ كالتعلم، وتقوية الذاكرة، بخلاف ما يعتقده عامة الناس.
4- إنتاج الطاقة من العطش
أثبتت الدراسات أن العطش ينتج عنه إفراز لجرعات كبيرة من هرموني الأنجوتنسين والهرمون القابض للأوعية الدموية، اللذين يسهمان في تحلل الجليكوجين في إحدى مراحل تحلله بخلايا الكبد، ويؤدي زيادة إفراز الهرمونين إلى إمداد الجسم بالطاقة خاصًة مع زيادة حدة العطش في آخر اليوم.
5- الرضا الروحي
لاشك أن الصيام برغم ما يتضمنه من حرمان وقتي لبعض الشهوات والغرائز البشرية، إلا أنه يمنح الصائم أعظم شعور متمثل في التصالح مع النفس ومع رب العباد بأداء تلك الفريضة العظيمة التي خصها الله عز وجل لذاته الإلهية؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي به”.
بالتالي، فإن هذا الشعور الوجداني الناتج عن انتصار العبد على شهواته امتثالًا لأوامر المولى عز وجل، إنما يدفعه لمزيد من التحمل وإتقان العمل.
ومع هذه الحقائق التي أقرها العلماء، ينبغي إعادة النظر في العلاقة بين الصيام والحفاظ على قيمة العمل الذي ما من موضع ذكر فيه إلا ورفع الإسلام من شأنه؛ بالحث على السعي وبذل الجهد من أجل كسب الرزق، فيما ذمَّ القعود والتواكل ، ما لم تكن هناك أسباب قهرية تحول بين المرء وعمله.
وعلى المسلم، الالتزام بالعادات الغذائية السليمة والمعتدلة طوال شهر رمضان، والتركيز على كافة العناصر الغذائية ذات الفوائد المتعددة، والمسؤولة عن إمداد الجسم بالعناصر التي يحتاجها أثناء النهار، مع تناول كميات كافية من الماء والسوائل الأخرى؛ لتحقيق الاستفادة القصوى من هذا الشهر المبارك على صعيد العمل والعبادة. تقبَّل الله منا ومنكم صالح الأعمال، ووفقنا جميعًا لبذل ما بوسعنا للتقرب إليه والفوز بجنته ونيل رضوانه.