رحلتها اليومية من مدينة العبور شمال شرق القاهرة إلي أقصى الغرب حيث عملها بالقرية الذكية ، حيث كانت تعمل مهندسة تقنيات في إحدى شركات القرية الذكية، جعلها تعيش المعاناة مع الملايين من المصريين الذين يقضون جل حياتهم حبيسي علب الصفيح المتحركة، نتيجة أزمة المرور الطاحنة المستعصية على الحل، في مدينة العشرين مليون نسمة، رغم رصد الحكومات المتعاقبة ملايين الجنيهات لحلها.
الإيجابية وروح الريادة التي تسكنها حولت الرحلة لمتعة من التفكير في الحل، وهي تتأمل شوارع المدينة العجوز، فابتكرت وأخوها الأصغر أحمد تطبيق «رايح Raye7»، الذي يعمل على تقليل الازدحام فى الشوارع عن طريق تشارك الزملاء في سيارة واحدة.
تعالوا نقترب من هذه التجربة الفريدة للأخوين سميرة وأحمد نجم خريجا الهندسة، الذين ضربا المثل في كيف يمكن لريادة الأعمال أن تتصدى لمشكلاتنا المستعصية….
حوار: حسين الناظر
ــ كيف بدأت الفكرة؟
بدأت الفكرة أنني كنت أقضي 5 ساعات يوميًا في السيارة في رحلتي من العبور حيث أسكن إلى القرية الذكية مقر عملي، فمعظم الوقت يضيع والإنسان حبيس السيارة وسجين كرسي القيادة، كنت أضع خدي على كفيّ، وأعاني من الإرهاق الشديد، وسط الازدحام المروري، وعوادم السيارات، فكانت تشغلني فكرة البحث عن حل لأزمة تؤرق الحكومة والمواطنين وتبدو مستعصية على الحل، وفكرت في عمل شركة توفر الوقت والجهد والصحة والفلوس، فالتاكسيات غالية والمواصلات متعبة وفيها مضايقات وتحرش بالبنات.
وتذكرت أثناء دراستي بألمانيا، استخدامي لتطبيق متاح في عدة دول أوروبية وهي خدمة من خدمات النقل الجماعي، ولكن في مصر لم يكن متاحًا أو معروفًا، فعملت مع أخي أحمد على تمصير التطبيق ، وأسميناه “رايح” في العام 2014، والذي تدور فكرته حول تشارك مجموعة من الأفراد يسكنون في منطقة واحدة سيارةً واحدةً متجهة لمكان عملهم، بدلًا من استخدام كل فرد لسيارة خاصة أو استخدام المواصلات، ما يساعد على تقليل عدد السيارات بالشارع وكذلك توفير الوقود المستهلك، وبالتالى سيقل التلوث الناتج عن احتراق الوقود،فجاءت فكرة رايح .
ــــ لكن السوق ملئ بشركات النقل الجماعي؟ فما التميز الذي قدمتموه.
أتفق معك ، هناك شركات للنقل الجماعي حاولت استيراد هذا المفهوم من الدول الأخرى وتطبيقه في مصر، لكنها لم تعمل على تعديله ليناسب نمط حياة المصريين، والفرق أن “رايح” اعتمدت على دراسة معمقة للسوق مع تفهم لمتطلباته واحتياجاته.
ــــــ كيف يعمل التطبيق؟
«رايح» هو تطبيق للهواتف الذكية متاح عبر (app store)، ويتم الاشتراك فى التطبيق مجانًا ، وبعد تنزيل التطبيق ، وعمل حساب خاص بك، عليك إضافة أصدقائك وزملائك الذين يسكنون في محيط سكنك أو عملك إلى التطبيق، و على كل منهم أن يحدد مواعيد انطلاقه إلى العمل و مواعيد عودته، بحيث تعرف من يمكن أن تذهب معه، وعن طريق التطبيق المعتمد على GPS يتم تحديد موقع المستخدم ومساعدته فى الحصول على «توصيلة» مع من يشاركونه الاتجاه. وعند فتح التطبيق، يظهر لك خياران؛ إما أن تستخدم سيارتك أو أن تبحث عمّن يوصلك.
ومن خلال نظام تقييم في التطبيق يستطيع أي شخص أن يكتب تعليقه السلبي أو الإيجابي بخصوص قائد السيارة التي سوف يركبها، لأننا نؤمن بحق قائد السيارة والراكب فيها أن يقيم كل منهما الآخر، ما يعطي فكرة لباقي الزملاء عن طبيعة قيادة الأشخاص ومدى مودتهم واحترامهم لزملائهم .
ـــ و ماهي طرق استخدام التطبيق ؟
لدينا طريقتان؛ يستطيع المتعامل مع التطبيق استخدامهما، إما أن تكون الشركة التي يعمل بها متعاقدة معنا وبالتالي هو يقوم بتحميل التطبيق ضمن مجموعة من موظفي الشركة ويحدد عنوانه الذي يحضر منه يوميًا إلى العمل، ويقصده بعد العمل أيضًا، وذلك من خلال صفحته الشخصية على التطبيق، وبالتالي يتعرف كل أشخاص المجموعة علي الوجهات القريبة منهم، ويبدأ كل شخص إما في عرض فكرة توصيل أحد زملائه من خلال التطبيق أو طلب توصيل، ويحدث هذا الإتصال بشكل إلكتروني، وبمجرد أن يركب المستخدم السيارة يبدأ التطبيق في حساب تكلفة الرحلة بالكيلومتر، ويحصل التطبيق أجر الرحلة من خلال الحساب البنكي للمستخدم بطريقة آمنة، ويعلمه بتكلفة الرحلة عن طريق البريد الإلكتروني.
أما الطريقة الثانية فهي أن يكون الشخص مجاور لشركة متعاقدة مع التطبيق، كما هو الحال في المناطق متعددة الشركات مثل القرية الذكية أو مدينة الإنتاج الإعلامي فيستطيع الشخص طلب اقتياد أو توصيل من خلال التطبيق مباشرة، وبالطبع يتم ترشيح طلبه للدوائر القريبة له في منطقة السكن ومكان العمل، ويتم تحصيل الأجر بنفس الطريقة وبالمناسبة الشخص الذي يقوم فقط بركوب السيارات مع زملائه يقل تصنيفه بمعني أنه لابد أن يستخدم سيارته في توصيل زملائه، كما يستخدم سياراتهم حتي يحافظ على تصنيف مرتفع له عبر التطبيق.
ــ حتى الآن ما مدى تقبل الناس للفكرة؟
مع الوقت بدأ الناس يعتادون عليها، وبدأت المؤسسات تشجع موظفيها على ذلك، خاصة وأن هذه الخدمة توفر جوًا من الصداقة والزمالة ومساحة ود وتعارف بين العاملين في المؤسسة الواحدة، والتي تنفق الشركات آلاف الجنيهات سنويًا لتحقيقها من خلال حفلات التعارف والتقييم السنوي، كما أن قائد السيارة يحصل علي عائد مادي مُجزٍ بالنسبة له، لأنه مع كل اصطحاب يحصل على نقاط تترجم إلى جنيهات يدفعها مستخدم الخدمة، والتي تعتبر ثلث تسعيرة التاكسي الأبيض، والحمد لله هناك أكثر من2000 سيارة تعمل في منطقة أكتوبر والقرية الذكية عبر تطبيق رايح، وهناك اتجاه من عدد كبير من الشركات لاستخدام الخدمة بين الموظفين لتقليل النفقات المتعلقة بتوفير أماكن لايقاف السيارات، نكسب أعضاء جددًا.
وفي ظل بلد كبير بحجم القاهرة حيث الكثافة السكانية العالية، ونسبة من يملكون سيارات كبيرة، نتوقع نجاحًا كبيرًا للمشروع.
ـــ مالتحديات التي واجهتكم؟
واجهتنا عدة مشكلات حين أطلقنا التطبيق للتجربة فى مصر، أهمها أزمة فقدان الثقة وعدم شعور الأفراد بالأمان بالنسبة للركوب مع أشخاص غرباء لا يعرفونهم ، وأيضًا العادات والتقاليد التي تمنع الفتيات والسيدات الركوب مع رجل غريب حتى لوكان زميل لهن.
ولحل هذه المشكلة اتجهنا لحصر الفكرة فى المجتمعات المغلقة التى يربط بين أفرادها رابط ما يبعث على الطمأنينة مثل الأقارب أو الزملاء في جهات العمل أوالجامعات، فنحن نضع الناس فى «دوائرهم الاجتماعية» المريحة لهم، والأشخاص ذوى الثقة ليحدث تآلف بين الحاصلين على الخدمة .
أما عن ردود الأفعال «حصلنا على ردود افعال عديدة من اشخاص شعروا بالراحة بعد استخدام التطبيق لسأمهم من القيادة لمسافات بعيدة بمفردهم يوميا. اضافة إلى ان فكرة التطبيق تعتمد على ان من يقود يحصل على مقابل حددناه ب«ثلث» ثمن التاكسى، الـ10 كيلومترات بـ5 جنيهات».
ـــــ التمويل دائما مايكون عقبة أمام الشركات الناشئة! فهل واجهتكم مشكلات في التمويل؟
حقيقة لا؛ فتمويل التطبيق بدأ ذاتيا، فنحن نؤمن أن ريادة الأعمال سميت كذلك لأنها تقوم على الريادة الشخصية، لذلك بدأنا بتمويل شخصي للتطبيق بجمع مدخراتنا، وكان لدينا إيمان كبير بالفكرة ، وأنها ستنجح في نهاية الطريق، ثم شاركنا في عدد من المسابقات التي وفرت جوائزها التي فزنا بها ، بعض المبالغ التي ساعدتنا على الاستمرار والتطوير ، منها مسابقة ريادة الأعمال ( إبداع مصر) والتي تقدم الدعم للمشروعات الناشئة؛ التابعة لمجلس الوزراء المصري، وفزنا بمقر لشركة “رايح” لمدة عام مجانا بالقرية الذكية، وحصلنا على دعم من مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال TIEC التابع لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات لتطويره في منتصف عام 2015 ، ما أعطى لنا فرصة للبدء في العمل الفعلي، وزيادة أعضاء فريق العمل، والمكون حاليًا من خمسة أشخاص، وهم المهندسون التقنيون المتخصصون على الجانب التقني في التطبيق وتطويره وحل مشكلات المستخدمين الذين يتزايدون بشكل يومي، والآن أصبحت الشركات أو المؤسسات التي تتعاقد معنا لتفعيل تطبيق رايح في محيطهم هي مصدر دخل بالنسبة لنا.
ـــــ فزتم بجائزة ثاني أفضل تطبيق للشركات الناشئة على مستوى العالم في المؤتمر العالمي للهاتف الجوال MWC ببرشلونة الإسبانية ، ماذا عن هذه الجائزة ؟ وما أثرها عليكم؟
هذه من أهم الجوائز التي نفتخر بالفوز فيها، فقد تقدمنا لمسابقة “”mobile challenge ، ووصلنا للتصفيات ضمن تطبيقين فقط فازا من مصر، ومنها سافرنا إلى المسابقة الإقليمية بالجزائر Arabmobilechallenge، وهى المرحلة الثانية من التصفيات التى عبرنا بها للمسابقة الدولية فى برشلونة، وحصلنا على المركز الثانى، وهي مسابقة عالمية، والتنافس كان كبيرًا،
فقد ذهب المركز الأول إلى التطبيق الهولندي Whatson Planner، وتلانا في الترتيب تطبيق ArtAsian القرغيزستاني، ومن بين التطبيقات الفائزة بالمسابقة، تطبيق Kidsy الدنماركي، المخصّص لتنظيم العملية التعليمية بين المعلمين والأطفال، وتطبيق 1Export الفلبيني المخصص لأعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتطبيق Virtual Wallet الجنوب أفريقي.
وهذا يجعلنا أكثر فخرًا ، وأكبر شعورًا بالمسئولية، ويدفعنا لمزيد من العمل الجاد منأجل خدمة مصر الحبيبة .
وهنا يجب أن نذكر موقف وزير الاتصالات المصري المهندس ياسر القاضي الذي حرص على تكريمنا، وحدثنا فى عدد من المشكلات التقنية التى يمكن أن نتخطاها لتحسين الخدمة المقدمة عبر تطبيق «رايح»، وقدم الدعم لنا من خلال وزارة الاتصالات.
ــــ ما الجديد وما خططكم المستقبلية للتطبيق؟
ونحن نتمنى أن تصبح “رايح” الخيار الأفضل للنقل الجماعي في المنطقة ومن ثم في العالم، لذا نحن نعمل فى الفترة الحالية على دراسة تقييم الخدمة التي يقوم بها المستخدمون، ومعرفة ردود أفعالهم واحتياجاتهم، وندرس المناطق الجديدة لتسويق التطبيق في القاهرة التي تعد سوقًا كبيرا بالنسبة لنا ، فهي أكبر مدينة في الشرق الأوسط من حيث السكان، الأمر الذي يعد فرصة رائعة للعمل والنجاح، وعملنا يتركز بشكل رئيس في مدينة السادس من أكتوبر، نظرًا لوجود عدد كبير من مقرات الشركات هناك، ولكن لدينا خطة الفترة القادمة لتوسيع الخدمة في مناطق صناعية وتجمعات شركات في القاهرة، وهو ما يعمل عليه جزء آخر من فريق العمل، يعملون بشكل جماعي من أجل أن يصبح “رايح” تطبيق يستخدمه كل مصري.
كما أنهينا بحمد الله تطوير تطبيق «رايح»، ليكون متاحًا بشكل أكبر فى باقي المحافظات المصرية، وبحيث يكون صالحًا للإطلاق خارج نطاق مصر.
وقد وقعنا بحمد الله اتفاقية مع بنك ( (op، وهو أكبر بنك في فنلندا وسابع أكبر بنك في العالم، لفتح فرع للشركة في فنلندا، وتقديم الخدمة هناك.
ــــــ ما نصائحكم للشباب؟
أنصح الشباب بالتوجه لريادة الأعمال، فهناك الكثير من الفرص التي تنتظرهم، والتي تحتاج لمن من يقتنصها، وأدعو الجميع للتفكير في حل المشكلات المحيطة التي يواجهها المجتمع ، والاستثمار في حلول لهذه المشكلات، مثلما فعلنا في ” رايح”.