حاوره / حسين الناظر
منذ تخرج من قسم الهندسة المعمارية جامعة الملك سعود بالرياض بتقدير عام ممتاز، خصص بحثه لخدمة مكة وحرمها الشريف، فحصل على درجة الدكتوراه من جامعة نيوكاسيل ببريطانيا بعنوان ” الإسكان في وسط مكة : تأثير الحج”، وطوال عمله أستاذًا مشاركًا بجامعة أم القرى، ألف العديد من المؤلفات والأبحاث منها: “أسس تصميم المسكن في العمارة الإسلامية”، و”الصور الجوية واستخداماتها في إرشاد الحجاج” ، و”استخدام الصور الجوية لأغراض خدمة الحجاج التائهين بمنى”، و”رحلة الحج في صور”، و”توسعة وعمارة المسجد الحرام من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى نهاية دولة المماليك”.
كان عضوًا بمجلس الشورى، وعضوًا بالهيئة الاستشارية لإصدارات توسعة وعمارة الحرمين الشريفين، وعضوًا مؤسسًا وأمينَ صندوق جمعية مكة المكرمة للتنمية والخدمات الاجتماعية، وعضوًا بمجلس معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج.
إنه العالم الجليل د. مجدي حريري؛ رئيس مجلس إدارة شركة ” مكَّيٌون” مطورون عمرانيون، الذي يطرح من خلال هذا اللقاء العديد من الرؤى لواقع مكة المكرمة ومستقبل الرحلة المباركة لبيت الله الحرام، ويفتح العديد من الآفاق لرواد الأعمال للاستثمار…
ـــ ما هي القيمة الاقتصادية المضافة لموسم الحج في المملكة؟
يزور المملكة سنويًا نحو 6 ملايين معتمر و 3 ملايين حاج سنويًا؛ ما يجعل للحج آثار كبيرة على صعيد الإنفاق الكلي؛ وذلك من خلال الدخول التي تحصل عليها القطاعات العاملة في الحج من مؤسسات وشركات ونقل وإسكان ومحلات تجارية وخلافه؛ إذ يمثل إنفاق الحجاج دخلًا لهذه القطاعات، وهذه الدخول مع مرور الزمن تنفق في الاقتصاد؛ ما يساهم في زيادة الطلب الكلي.
ويظهر الأثر الأكبر للحج على صعيد قطاع العقارات، لاسيما وأن بعض الدراسات تشير إلى أن ما ينفق على قطاع الإسكان يستحوذ على 30-40 % من إجمالي ميزانية الحاج؛ ما يعني أن لقطاع الإسكان نصيب الأسد من الإنفاق على الحج؛ وهو ما انعكس مؤخرًا على نشاط القطاع العقاري بمكة المكرمة.
كذلك، يسهم الحج بشكل مباشر في تقليل نسبة البطالة، ويرفع من جودة الخدمات العامة والبنية التحتية، ويضغط موسم الحج بقوة على كافة الجهات بالمملكة؛ حيث يصبح المطلوب من الجميع حسن وكفاءة الأداء، كما يمثل اختبارًا قويًا لكافة الشركات الوطنية والحكومية العاملة في البنية التحتية من مياه وصرف صحي وكهرباء ونقل ومواصلات.
إعمار الحرمين الشريفين
ـــ كيف تقيِّم حجم إعمار وتوسعات الحرمين الشريفين؟
مما لا شك فيه أن خدمة مكة المكرمة والمدينة المنورة هي من أهم أولويات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين ويأتي هذا من دور المملكة ومسؤوليتها؛ كقائدة للعالم العربي والإسلامي؛ لذا تولي حكومة المملكة أهمية كبيرة لإعمار الحرمين الشريفين؛ إذ تضع رؤية 2030 أهدافًا كبيرة فيما يخصهما باستهداف 30 مليون حاج ومعتمر بحلول عام 2030؛ ما يجعل العمل لصيانة وتوسعة الحرمين الشريفين مهمة ضخمة وحيوية للمملكة، وخدمة كبيرة لكافة المسلمين في العالم.
ويجب أن لا نغفل الدور الحيوي للمشروعات العملاقة التي تستهدف رفع كفاءة تفويج الأعداد المستهدفة من الحجيج والمعتمرين؛ حيث تعمل المملكة على تطوير منظومة خدمة زوار الحرمين الشريفين، لاسيما قطار المشاعر المقدسة، والذي يُعد نقلة نوعية في تفويج الحجيج بسهولة ويسر، كما يشكل مع مترو مكة المكرمة تحسينًا لمنظومة النقل بمكة المكرمة، علاوة على تضمن رؤية 2030 إنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم؛ لتوثيق التراث الإسلامي.
ـــ ما الذي أضافته هذه التوسعات؟
لتوسعات ومنظومات خدمات الحرمين الشريفين، أثر كبير على رفع الطاقة الاستيعابية لزوار الحرمين الشريفين، من جانبين:
• الأول: من منظور إسلامي؛ إذ يتيح الفرصة لكل المسلمين في العالم الذين تهفو قلوبهم لزيارة الحرمين الشريفين؛ وهو ما يمثل هدفًا أصيلًا في رؤية 2030؛ تسهيل إجراءات إصدار التأشيرات ، وتطوير الخدمات الإلكترونية وغيرها.
• الثاني: من منظور اقتصادي؛ إذ تتجه المملكة إلى تنويع مصادر الموارد غير النفطية، وفي مقدمتها خدمة ضيوف الحرمين، والتي تعني زيادة معدل الإنفاق الداخلي للزوار؛ وبالتالي ارتفاع نسب التجارة الداخلية، وزيادة الطلب على الريال السعودي، وتوفير كافة العملات الأجنبية بالسوق المحلية.
الريادة والإبداع
ــــ ما دور “مكَّيٌون” ومساهماتها في إعمار مكة والمدينة؟ وما أهم المشاريع التي تم تنفيذها ؟
رؤية “مكَّيٌون” هي: “الريادة والإبداع في التطوير العمراني لكل الأجيال”؛ إذ تسعى الشركة إلى الريادة منطلقة من مكة المكرمة، بتبني أفضل الأساليب والممارسات العالمية؛ لتنسجم مع نماذجها الرائدة ذات الطابع الإسلامي.
قدمت “مكَّيٌون” خلال عشرين عامًا حوالي (22) مشروعًا داخل حد الحرم المكي، تضمنت (5716) وحدة سكنية، بدءًا من مشروعات التطوير الشاملة مثل مشروع واحة مكة لإنجاز أكثر من 120 عمارة تحوي أكثر من 2500 وحدة سكنية بأسعار مخفضة؛ وذلك بالمشاركة بين القطاع العام والخاص، وتعاون مشترك بين شركات “مكين السعودية” و”مكَّيٌون” و”كسب” و”البلد الأمين” لخدمة من يرغبون في تملك وحدات سكنية بمكة المكرمة.
كذلك، وضعت “مكَّيٌون” استثمارات بقطاع السكن الموسمي، فأنشأت العديد من الأبراج بطاقة (1300) وحدة فندقية تستوعب أكثر من (7000) آلاف حاج ومعتمر، أبرزها: أبراج التلال التي تُعد أيقونة مكونة من أربعة أبراج بارتفاع 27 دورًا بكافة الخدمات، وفندق منافع الذهبية،علاوة على وحدات سكنية تقع كلها في مناطق حيوية بمكة في السبهاني والكعكية والشوقية وبطحاء قريش.
ولعل أحدث ما قدمته مكَّيٌون هو البناء بنظام الحديد البارد؛ إذ تم بحمد الله تسليم خمسة مشاريع في مكة المكرمة، أهمها محطة للدفاع المدني بمنى، ومركز إسعاف لوزارة الدفاع بمشعر منى، بالتعاون مع مؤسسة مرصوص للمقاولات المتخصصة في هذا النوع من البناء الذي يتميز بالسرعة الفائقة في الإنجاز مع الحفاظ على أعلى مستويات الجودة والأمان. وتُعد “مرصوص” واحدة من 13 شركة فقط مرخص لها بالبناء بالحديد البارد في المملكة.
الهوية المعمارية لمكة
ـــ بصفتكم أستاذًا للعمارة الإسلامية، كيف حافظت مكة المكرمة على هويتها المعمارية في ظل الحداثة و عصر التكنولوجيا؟
من منطلق وجودنا في مكة، تقع علينا مسؤولية الحفاظ على الهوية المعمارية الإسلامية، مع مراعاة أنظمة المباني الخضراء؛ حيث نجتهد في بناء منتجات ذات تصميم حديث وجذاب وموفر للطاقة ويعتمد على الطاقة المتجددة؛ بتوفير مساحات تهوية وإضاءة مباشرة من البيئة الخارجية للمبني، كما نحرص في منتجاتنا على ملائمة الهوية الإسلامية الأصيلة مضمونًا وشكلًا، مع مراعاة تفضيلات أهل مكة، كما نحرص أن يكون لمنتجاتنا طابع وهوية مميزة تحاكي الوسائل الجمالية؛ مثل المقرنصات الإسلامية، والروشان المكي الأصيل بتكنولوجيا GRC.
التحدي الكبير
ـــ تهدف رؤية 2030 إلى زيادة أعداد الحجيج والمعتمرين، فما المطلوب لاستيعاب هذه الأعداد من وجهة نظرك؟
ما لاشك فيه أن مستهدف المملكة طبقا لرؤية 2030 هو وصول عدد الحجاج والمعتمرين إلى 30 مليون بحلول عام 2030م؛ ما يمثل تحديًا كبيرًا يفرض علينا عدة أمور:
أولًا: تعليم أبنائنا؛ فبالعلم تكون هناك عقول نضرة تعرف كيف تحسن استخدام مواردها، وكيف تحقق أهدافها.
ثانيًا: مساعدة الدولة والتعاون معها في جهودها لإكمال منظومة الحج والعمرة؛ إذ يكمن دورنا في بناء مجمعات تجارية وسكنية تستوعب هذه الأعداد، في ظل الطبيعة الجغرافية الجبلية لمكة المكرمة؛ ما يقلل من مساحة الأراضي المتاحة للبناء، ويضع تحديات كبيرة للبناء.
ثالثًا: تشجيع الشباب ليكونوا قدوة لزوار الحرمين الشريفين، ومعاونين لهم على أداء المناسك بأكمل وجه من خلال الأعمال الموسمية والتطوعية؛ مثل جمعية “الكشافة العربية السعودية” وجمعيات “التوعية الإسلامية” التي تسهم في تنظيم وتوعية الزوار.
رابعًا: ميكنة كافة الخدمات المقدمة للحجيج بدايةً من إصدار التأشيرات، ومرورًا بتسهيل الإقامة من حيث النقل والمواصلات والسكن والطعام والاتصالات، وانتهاءً بتوديعهم في مواني المملكة، بل وديمومة التواصل معهم في بلادهم.
خامسًا: أن نكون خير سفراء لوطننا، متمثلين بقيم وأخلاق أهل الحرمين في الحل والترحال وفي التجارة و الصناعة والحرفة؛ حتى نستحق أن نكون أهل الأرض التي يهفو إليها عباد الله، ويشدون إليها الرحال من كل حدب وصوب.
سادسًا: الاهتمام بتوثيق التراث الإسلامي في كل العالم، ولعل هذا من أهم أهداف رؤية 2030 ، وأن نسخر التكنولوجيا لذلك، وفي مقدمتها تكنولوجيا الواقع الافتراضي Virtual Reality ؛ حيث يكون لدى الزائر القدرة على الإبحار في التاريخ عبر التوثيق التكنولوجي، وبناء مجمعات محاكاة أثرية إسلامية.
الفرص الاستثمارية
ـــ وما الفرص الاستثمارية التي ستتاح لرواد الأعمال من خلال هذه الرؤى المستقبلية؟
إن الجهود التي تبذلها المملكة لدعم رواد الأعمال كبيرة، في مقدمتها جهود شركة وادي مكة التابعة لجامعة أم القرى لاحتضان إبداع رواد الأعمال؛ كأنظمة محاكاة تفويج الحجاج والملاحة الداخلية داخل المباني وغيرها، ناهيك عن مجمعات الإبداع Technology and Innovation Centers التابعة لبعض الجامعات، والتي سوف تسفر مستقبلًا عن أفكار مبدعة تسهم في تحقيق الرؤية الطموحة للمملكة.
وحيث إن كثيرًا من الخدمات ما زالت تحتاج إلى من يسبر أغوارها ويوفرها بصورة حديثة، فإن الفرص الاستثمارية لرواد الأعمال كثيرة وواعدة خصوصًا في مجال الفندقة والتموين والنقل والإسكان وغيرها ما لا يستغني عنها الحاج أو المعتمر.
الثورة الهندسية
ـــ وكيف يمكن الاستفادة من الثورة الهندسية والتقنية لخدمة الحجيج والمعتمرين؟
أتفق معك في وجود طفرة هندسية وتقنية في المملكة، أهمها المشروعات الموجودة في مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ لأنها تؤثر على مواطني المملكة والمقيمين وكل مواطني العالم الاسلامي.
وأدعو كل إخواني المحبين لوطننا الغالي أن نطور دائمًا من أدائنا، كما يلي:
1- نبتكر حلولًا في ميكنة قطاع النقل والطرق؛ لكثرة الضغط المطلوب على كافة طرق المملكة من حيث مراقبة الشاحنات والبضائع من المنبع، وحتى تصل إلى يد المستهلك؛ وذلك باستخدام تكنولوجيا (RFID : Radio Frequency Identification) حيث يمكن تركيب أجهزة RFID بكل شاحنات نقل الركاب للتنبؤ مسبقًا بالتكدس والزحام البشري؛ إذ يسجل على كل جهاز معلومات وفيرة عن الشاحنة كبياناتها الأساسية وعدد الركاب فيها؛ ومن ثم تركيب قارئات عبر الطرق المؤدية لمنطقة عرفات مثلًا للتنبؤ بالزحام.
2- يمكن أيضًا استثمار نفس التكنولوجيا لمراقبة البضائع وتخزينها وأماكن انتقالها، وصلاحيتها حتى نحافظ على الصحة العامة.
3- يمكن استخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي Virtual Reality لعمل متاحف ونماذج أثرية تكنولوجية للتعريف بتاريخنا الإسلامي العظيم، دون الحاجة إلى متاحف ضخمة ومكلفة، كما يمكن استخدامها لتعليم أبنائنا المعلومات التي لا يمكن عملها في الحقيقة لصعوبتها أولخطورتها؛ مثل العمليات الكيميائية أو علم التشريح.
4-في مجال السكن والعمارة، يمكن أن ندعم طرق البناء الحديث؛ مثل نظام الحديد البارد والذي لنا فيه سبق كبير؛ وذلك لوجود مشروعات قائمة لدينا بهذا النظام، أدعوكم إلى زيارتها.
المسؤولية المجتمعية
ــــ ماذا عن مسؤولية مكَّيٌون المجتمعية تجاه المملكة وشبابها؟ وما أهم ماتقدمه من برامج؟
تأتي مسؤولية مكَّيٌون المجتمعية ضمن إطار مبادرة سمو الأمير خالد الفيصل؛ أمير منطقة مكة المكرمة “بناء الإنسان وتنمية المكان”. ومن أبرز المؤسسات التي تعاونا معها : جامعة أم القري؛ حيث نتشارك معها ومع مكة المكرمة الاسم والجغرافيا والتاريخ والقيم والمبادئ، ومع أمانة العاصمة المقدسة، ومؤسسة موهبة الخيرية، وشركة LMI العالمية، وشركة YLC إضافة إلى بعض الجامعات.
إننا نهتم ببناء الإنسان القائد الذي نؤمن يقينًا بامتداد أثره إلى غيره؛ وبالتالي حينما نخدم قائدًا، فإننا بالطبع نخدم كافة المتعاملين معه أو المتأثرين به؛ أي نخدم أكبر قاعدة مجتمعية. وقد شملت برامجنا المجتمعية ما يلي:
1- تدريب 120 قياديًا حكوميًا خلال ثلاث سنوات اختارتهم إمارة منطقة مكة المكرمة لبرنامج LMI العالمي بعنوان “الإنتاجية الإدارية الفعالة للقيادات الإدارية العليا”، قدمها الدكتور موفق حريري؛ المدرب الدولي.
2- برنامج القيادات الشابة بجامعة أم القرى؛ حيث خضع بعض طلاب جامعة أم القرى لاختبار القيادة من شركة YLC، فتم اختيار 10 قياديين من الطلاب في مختلف التخصصات: الطب والهندسة وطب الأسنان والحقوق، ممن لهم إسهامات هامة في مجتمع الجامعة وخارجه، فدعمناهم ببرنامج القيادات الشابة وعقدنا معهم ورش عمل؛ ليكونوا أكثر نفعًا لمجتمعهم، ونقلنا لهم كامل خبرتنا العلمية والعملية.
3- تدريب طلبة كلية العمارة الإسلامية بجامعة أم القرى على أحدث تقنيات البناء؛ إذ شاركوا مع فرق مهندسينا المحترفين في كافة الأعمال الهندسية .
4- تدريب الشباب والفتيات في عمر المتوسط والثانوي على بيئة العمل؛ إذ نستهدف مواطنين منتجين من أول يوم لهم في الحياة العملية.
5- برنامج موهبة الإثرائي بجامعة أم القرى؛ إذ دعمنا ورش عمل بكافة القطاعات الهندسية والطبية والمكانيكية العملية بجامعة أم القرى، وتحت إشراف مؤسسة موهبة للأعمال الإبداعية.
6- تدريب طلبة كلية الإدارة بجامعة نياجرا على المهام الإدارية بالشركة في التسويق والمبيعات والشئون الإدارية، ضمن دولاب العمل لدينا؛ حيث استفادوا كثيرًا من خبرات وكفاءة منسوبي شركة مكَّيٌون الإدارية والفنية.