إنَّ حزمة الأوامر والقرارات الملكية التي صدرت مؤخرًا، تُعد- بكل المقاييس- هزة قوية على طريق محاربة الفساد والمفسدين، وخطوة عملاقة على طريق الإصلاح المنشود؛ إذ أصبحت الأوضاع في المملكة واضحة بعد طرح رؤية 2030، وليس هناك سبيل لإنفاذ الرؤية كاملة، إلا بمعالجة كل التشوهات الموجودة في الاقتصاد، أو في بعض الممارسات على مستوى تنظيم الاقتصاد.
لقد جاءت الأوامر الملكية والقرارات المصاحبة لها، تعبيرًا عن صوت أكثرية صامتة، كانت تتمني وتأمل في إحداث ثورة داخلية، ونقلة نوعية لمحاربة الفساد؛ حتي لا تصبح سلوكًا عامًا يُمارس دون حسيب أو رقيب.
وكانت المملكة في حاجة ما سة بالفعل إلى قرارات تتعلق بمحاربة الفساد؛ لأنها وضعت خططًا وبرامج واضحة للنهوض والتنمية، تحتاج إلى شفافية كاملة في التعامل مع المعطيات الاقتصادية، ووسائل وطرق التنفيذ، فيما يقف الفساد على رأس معوقات تنفيذ برامج التنمية المستدامة؛ لذا كان على المملكة- في إطار ما تقوم به من إصلاحات كبيرة في نظامها الاقتصادي- تجفيف منابع الفساد والقضاء على مصادره.
لقد جاء صدور الأوامر الملكية متزامنًا مع دعوة الإصلاح الكامل لكل مناحي الحياة؛ لتحقيق نوع من الاعتدال الخطابي والعملي وفقًا لنظرة جديدة لا يفيد فيها التهاون والإهمال في خدمة الوطن، وتأمينًا لمستقبل جديد، وتأسيسًا لفكر مستحدث يضع مصلحة الوطن أولًا، دون أن نضطر إلى معرفة الصادق في حب وطنه عند الحاجة؛ إذ لا يتسم الفرد بالوطنية، إلا إذا خدم بلاده في شقائه أكثر من خدمته لها في رفعته ورفاهيته.
لقد آن الاوان للنظر إلى مصلحة الوطن بنظرة ثاقبة، وممارسة النقد الذاتي وضبط تصرفاتنا، قبل أن ننتظر صدور أوامر أو قرارات تضعنا أمام المساءلة والمحاسبة؛ فلن نصل إلى تحقيق أهدافنا- بما فيها الرفاهية والسعادة- إلا إذا اتحدت كلمتنا في مواجهة الفساد، واجتمعت قلوبنا على محبة بلادنا بصدق وتجرد، قولًا وفعلًا.
ولاشك في أنَّ محاربة الفساد وحصره في نطاق ضيق حتى القضاء عليه، لهي خطوة مهمة في طريق بناء الوطن والعمل على إعلاء شأنه، فنحن جميعًا نأمل لوطننا مجدًا لا يضاهيه مجد، وعزًا لا يُقارن تحت قيادة رشيدة تحلل الحاضر وتنظر إلى المستقبل، مستفيدة من دروس الماضي وعبر التاريخ، لاسيما وأنَّ الفساد قد أقعد دولًا لم تهتم بمحاربته، فأصيبت بالشلل، وأقعد أخرى لم تضع في اعتبارها أن القضاء على الفساد أهم مرحلة قبل الانطلاق.
إنَّ المملكة مقبلة على مرحلة حافلة بالتحديات الداخلية والخارجية، وتحتاج إلى العقول النيرة، والأفكار الإبداعية، والأموال المهدرة في مرحلة البناء. وقبل هذا وذاك، تحتاج إلى مثل هذه الهزات القوية لتغيير النظرة السائدة تجاه مكتسبات الوطن.