ريادة الأعمال، هذا العالم الذي ينقلنا إلى دنيا مختلفة من حيث التفكير والتوجه، يجعلنا -ونحن نتأمل في مآلات واقعنا الاقتصادي، ومحاولة الخروج من رحم الأزمة إلى رحاب الريادة والاستراتيجيات الكبرى لبناء اقتصاد مستدام- نطيل التفكير حول كيفية تفكير شبابنا وهم دعامة الاقتصاد الوطني في “من أين تُستَقى الفكرة؟” وكيف يمكننا توجيه الطاقات للخروج بنتائج مميزة؟.
إن أول ما يحتاجه الشباب هو تحديد سقف الطموحات وقبول التحدي.
والشباب السعودي صاحب خبرة بالمعايشة في عالم التجارة والأعمال، ولكن تبقى هنالك معضلة؛ أن هذه الخبرة تدور حول مشروعات تقليدية تجعلنا رهن المنافسة الشديدة، وبين “رحى” الركود لزيادة العرض على الطلب.
وبالرغم مما تشهده المملكة من توجيه للشباب من خلال توفير كل سبل النجاح؛ من تهيئة لبيئة العمل وتوفير صناديق الدعم وتسهيل الإجراءات، ما حدا بالدولة أن تطلق هيئة عامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلا أن الكثير من المشروعات تتشابه من حيث الفكرة؛ إذ يتجه غالبية الشباب إلى تطبيقات التقنية في دخول السوق.
ربما لأن عالم التقنية سهل، وأن الكثير من الشباب مواكب له؛ من خلال توفر سعات كبيرة للإنترنت، وتوفر الأجهزة المحمولة، وإمكانية إنشاء متاجر وتطبيقات التسويق عبرها، وهو أمر جيد من باب الاستفادة من التقنية وتطبيقاتها.
ولكن يأتي الخلل من توجه كل الأنظار للتقنية وتطبيقاتها؛ لاستخدامها في إطار تطبيقات ومتاجر وتسويق إلكتروني، وكأن ريادة الأعمال تكمن فقط في مجال التطبيقات!!.
وهنا نقول: إن التنويع هو المطلوب؛ التنويع في المشروعات بناءً على متطلبات المجتمع ككل، ومتطلبات كل منطقة بالمملكة.
مطلوب – على سبيل المثال – أن نتوجه جنوبًا؛ لنفكر كيف نستثمر في الزراعة، وكيف نجعل كل شاب يفكر وفق ثروات منطقته وابتكار مشروعات فيها واستحداث مشروعات رائدة.
المطلوب هو ما ينتنظره المجتمع من الشباب، أهمها الانفتاح على تفكيرهم، والذهاب صوب المشروعات الكبرى في المجالات الحيوية، ودخول هذا العالم، كل بحسب تخصصه، وتطوير ذلك من خلال التدريب المستمر، والرعاية الدائمة من الجهات المختصة.
تأمل المملكة من شبابها، مساندة الحلول الكبرى على مستوى مياه الشرب، الزراعة، الصناعة، الطاقة، الكهرباء، وغيرها من المجالات.
هل استطاعت الجهات الراعية لريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة دعم توجهات الشباب، وتوجيههم لكيفية اختيار مشروعاتهم، أو على الأقل تحويلهم لمشروعات أكبر في ذات سياق أفكارهم؟.
هل صوبت الجهات الراعية أفكار الشباب لاستكشاف إمكانياتهم، أم اكتفت فقط بالنظر فيما يقدمونه باعتباره أقصى ما يملكونه؟.
هل حكمنا على كل إمكانياتهم من خلال مشروعات قدموها، دون أن نناقشهم في كيفية تطويرها وكيفية الانتقال لأفكار أرحب؟.
إن هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة- والتي كلف د. غسان السليمان محافظًا لها- تعمل بكل جد والتزام على تطوير عالم المنشآت الناشئة، ودعم الشباب، بجانب حاضنات الأعمال ومسرعات الأعمال، وبإشراف ودعم من قطاعات الدولة، غير أننا نريد أن يكون كل ذلك متزامنًا مع إمكانية توجيه تفكير الشباب نحو المشروعات التنموية الداعمة للاقتصاد السعودي، وأن نوجه الشباب في التفكير في “من أين تُستَقى الفكرة؟”، وهذا يدخلهم في عملية تفكير مستمر، يوسع من أفقهم تستقي ويدعم مشروعاتهم المستقبلية؛ لتصب في خانة ما ينتظره منهم المجتمع ليحدث الفارق.