الإدارة هي المسؤولة عن التوفيق بين أصحاب المصالح المتعارضة وتحقيق التوازن بينها، لكن هل تسود العلاقات الاقتصادية والتجارية مبادئ العدالة في إطار النظام الاقتصادي العالمي؟.
مع استقرار مبدأ فصل الملكية عن الإدارة، فإننا نرجح مرجعية المسؤولية للإدارة؛ لذا نتبنى مفهوم المسؤولية الاجتماعية للإدارة، وليس لرأس المال؛ لأن الإدارة هي المسؤولة عن التوفيق بين أصحاب المصالح المتعارضة، وتحقيق توازن دقيق بينها، بما يحقق أقصى منفعة ممكنة ومقبولة من جميع العناصر المكونة للمجتمع.
وكان من أهم نتائج الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي ظهرت في النصف الثاني من عام 2008، بروز مفهوم المسؤولية الاجتماعية مجددًا في عالم المال والأعمال والاقتصاد، وترسيخ مبدأ مسؤولية الإدارة، وإثارة مسؤولية الإدارة عن تبديد الثرواتالناجم عن تلك الأزمة.
وبهدف التبسيط، فإننا سنستعمل المصطلح الدارج “المسؤولية الاجتماعية للشركات”؛ بمعني ذلك المسؤولية الاجتماعية للإدارة وليس لرأس المال، وواجب الإدارة تجاه تحقيق التوافق والتوازن بين أصحاب المصالح المتعارضة.
واجب أخلاقي
يثير مفهوم المسؤولية الاجتماعية السؤال عن مدى التكامل والترابط، أو التباين بين الأخلاق والقيم من جهة، والاقتصاد والمال والأعمال من جهة أخرى. وهل تسود العلاقات الاقتصادية والتجارية مبادئ العدالة في إطار النظام الاقتصادي العالمي؟
من الناحية النظرية، يرى آدم سميث؛ مؤسس الاقتصاد الرأسمالي ترابطًا بين النشاط الاقتصادي والسلوك الأخلاقي؛ إذ يقول في كتابه “نظرية الوجدان الأخلاقي of Moral Sentiments The Theory: «ينبغي على المرء أن ينظر إلى نفسه على أنه مواطن في هذا العالم، وعضو في جمهورية الطبيعة، وليس فردًا مستقلًا منفصلًا عن العالم. ومن أجل مصلحة هذا العالم الكبير ينبغي عليه طوعًا أن يضحي بمصلحته الشخصية الصغيرة في كل الأوقات».
وعلى الرغم من أن آدم سميث قد نظر إلى الفرد على أنه الوحدة المكونة للمجتمع، فإن المبدأ المذكور ينطبق تمامًا على الشركات وإدارتها؛ ومن ثم يحملها الالتزام الأخلاقي نفسه أثناء أداء أنشطتها الاقتصادية؛ كونها أحد مكونات المجتمع.
ويجب على الإدارة ومؤسساتها_ في عالم المال والأعمال والاقتصاد_ أن تنظر إلى نفسها كجزء من المجتمع الذي تعمل فيه، وليست كيانًا مستقلًا منفصلًا عن هذا المجتمع. وعليها أيضًا أن تضحي بمصلحتها الذاتية في أي وقت تتعارض فيه مع مصلحةالمجتمع، سواء كان مجتمعًا محليًا أو عالميًا. وفي هذه المقولة، نرى أسس المسؤولية الاجتماعية وحماية البيئة المحلية والعالمية؛ إذ تكمن أسباب وجود واستمرار الشركات وأنشطتها في المجتمع الذي هو مصدر عوامل الإنتاج، بما فيها الموارد الطبيعية والعمالة والخدمات اللازمة، وهو في الوقت نفسه المستوعب لمنتجات تلك الأنشطة من السلع والخدمات.
ويجب النظر إلى المجتمع في هذا الصدد في إطار مفهوم ما وراء الحدود السياسية والطبيعية؛ إذ أتاح نظام العولمة، وتحرير الاقتصادات المحلية، وفتح أسواقها، وثورة تكنولوجيا الاتصالات، وتطور الاقتصاد المعرفي مجالًا واسعًا للمنافسة؛ ما أدى إلى توسع مفهوم المجتمع؛ لينتقل من المفهوم المحلي إلى العالمي، بحيث أصبح العالم قرية واحدة شديدة الحساسية وسريعة التأثر.
الاتجاهات الجديدة في الإدارة
مع ظهور الاتجاهات الجديدة في الإدارة، أصبحت الإدارة على يقين بأن هدفها في الازدهار لن يتحقق ما لم تكن في خدمة المجتمع الذي يضع ثقته فيها لاستغلال عوامل الإنتاج الاجتماعية بكفاءة عالية، تعود على الشركات بعوائد مجزية، وبتقدير واحترام لدورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تعود على المجتمع بالخير والمنفعة من جهة، وبتلبية احتياجاته من الخدمات والسلع وتطوير الموارد البشرية وحماية البيئة من جهة أخرى.
ويتوقع المجتمع من الإدارة أن تلتزم بالقوانين والنظم، وكامل الإطار القانوني المنظم للنشاط الاقتصادي، إضافة إلى مبادئ العدالة والإنصاف.
وانطلاقًا من هذا المفهوم، تكتسب الإدارة صفة الوكيل المؤتمن في مجال نشاطها؛ إذ يأتمنها المجتمع على استغلال عوامل الإنتاج الاجتماعية لتحقيق مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يرغب المجتمع في تحقيقها؛ لأن العلاقة بين المجتمع والشركات كعلاقة الموكل بالوكيل، وأنه من شأن عدم التزام الشركات في حدود الوكالة التي كلفها بها المجتمع أن يثير مسؤوليتها تجاه المجتمع؛ ما يعني أن مسؤولية الشركات مزدوجة، فهي مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية في آنٍ واحد.