ابتكر 6 اختراعات قيّمة، منها “حجرة الإطفاء الذاتية” لآبار النفط، و”مخرج الهرب السريع” من حوادث الحريق، و”مهبط للطائرات”، لكنه يعاني من إخراجها للواقع بالرغم من الحاجة الماسة للجهات المعنية بتلك الاختراعات؛ إذ يواجه عراقيل كثيرة تتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا ؛ كي ترى النور..فماذا يقول المخترع الدكتور عشوان بن مرضي عن اختراعاته، وعن أزمة مئات المخترعين في المملكة الذين يواجهون العراقيل نفسها؟
حوار: محمد فتحي
من هو عشوان بن مرضي في سطور؟
سفير النوايا الحسنة للأمم المتحدة للسلام، ومستشار في الملكية الفكرية، وخبير وباحث في مجال الإطفاء والسلامة، ولدت عام 1968بمدينة السليل إحدى محافظات الرياض والتي عشت فيها طفولتي ودرست فيها المرحلتين الابتدائية والمتوسطة وجزءًا من المرحلة الثانوية وكان لأساتذتي في تلك المرحلة دور هام في إبراز شخصيتي وتطوير ثقتي بنفسي.
ماذا بعد المرحلة الثانوية؟
بعدها انقطعت عن الدراسة والتحقت بالسلك العسكري، ثم شاركت في حرب الخليج الثانية في سلاح المهندسين برتبة عريف فني مطافي، وانتقلت للعمل في الشؤون الصحية للحرس الوطني بإدارة الإطفاء ثم انتقلت للعمل في مدينة الأمير سلطان الطبية، لأعود مرة أخرى وأكمل دراستي الثانوية وأحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والإدارة العامة من جامعة الملك عبد العزيز لأحصل على درجة ماجستير في العلوم الأمنية تخصص الحماية المدنية من جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، كما نلت درجة الدكتوراه الفخرية البحثية من الأمم المتحدة في إدارة الكوارث والأزمات .
حرب الخليج
متى بدأت دخول عالم الاختراعات؟
كانت مشاركتي في حرب الخليج الدافع لدخول عالم الاختراعات؛ وذلك بعد معاينة بعض الأمور عن قرب كالهبوط الاضطراري للطائرات، وإطفاء آبار النفط والغاز وغيرها، فدرست بعض المشاكل التي يعاني منها مجال الإطفاء والسلامة, ثم عكفت على البحث عن الطرق المتبعة في حل هذه المشاكل فوجدت تكلفتها باهظة ولا تفي بالهدف المنشود لإنقاذ الأرواح والممتلكات.
ما بدايتك مع الاختراعات؟
بدأت عام 1998م إيجاد حل لمشكلة الهبوط الاضطراري للطائرات باختراع مدرج آلي للهبوط الاضطراري يجعل قوة ارتطام الطائرة تساوي صفرًا بحيث يضمن سلامة الطائرات بمن فيها بنسبة 100% أثناء الهبوط الاضطراري، يتم استخدامه بشكل خاص في حوادث الطائرات (أثناء الهبوط الاضطراري) عند تعذر نزول الإطارات أو عدم صلاحية فرامل الإطارات أو عدم صلاحية المدرج الاعتيادي للهبوط.
حصلت على براءة الاختراع في عام 2003بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ثم حصلت على الميدالية الذهبية في المعرض العالمي للمخترعين في ألمانيا في عام 2011م، ويتم حاليًا إجراء الدراسات لترجمته لواقع عملي مع برنامج ” انطلق مع إيرباص”، بمشاركة شركة تقنية والهيئة العامة للطيران المدني.
المخرج الآمن
وهل اكتفيت بذلك الاختراع؟
لم أتوقف عند ذلك، بل سجلت اختراعًا آخر يهدف إلى سلامة السكان في المباني متعددة الأدوار، وكذلك فئات لم تكن الطرق التقليدية تفي بسلامتهم أثناء عمليات الإخلاء، فاخترعت مخرجًا آمنًا، يساعد ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال وكبار السن في عمليات الإخلاء، بطرق حديثة وآمنة، وحصلت على براءة الاختراع لمخرج الهرب السريع، وتم التواصل مع الدفاع المدني لدعم المشروع بإجراء التجارب برعاية مدينة الملك عبد العزيز وتسجيله عالميًا في الكود العالمي لمتطلبات الإطفاء والسلامة، لكن لم أجد التجاوب المطلوب.
حجرة الإطفاء الذاتية
ما المعوقات التي واجهت مسيرتك ومدى تأثيرها عليك؟
بالرغم من إقصائي من عملي وسحب جميع صلاحياتي الوظيفية من مستشفى العسكري في عام 2008م- حيث كنت أعمل مشرف فني إطفاء وسلامة- عدت مرة أخرى لمقاعد الدراسة بجامعة الملك عبد العزيز، لأحصل على درجة البكالوريوس في الإدارة العامة في عام 2011م، لأعود بعدها لعالم الابتكار بتسجيل اختراع جديد وهو “حجرة الإطفاء الذاتية”، لإطفاء حرائق آبار النفط والغاز بطريقة علمية يتم خلالها كسر سلسلة التفاعل الكيميائي والقضاء على عناصر الحريق الثلاثة في وقت واحد؛ وذلك بعكس الطرق التقليدية التي تقضي على عنصر واحد من عناصر الحريق في معظم العمليات.
حدثنا عن “حجرة إطفاء النار”؟
في عام 2013 انتقلت إلى مرحلة إجراء التجارب العملية بدعم من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية -ممثلة في برنامج “بادر”- حيث توجهت إلى شركة أرامكو الجهة المعنية باختراع “حجرة إطفاء آبار النفط”، فتم تشكيل فريق عمل يضم أرامكو وحاضنة “بادر”، وتم عرض المنتج على الشركة فوجد إشادة من وزير البترول ورئيس أرامكو آنذاك الوزيرعلي بن إبراهيم النعيمي، وكذلك وزير البترول الحالي المهندس خالد الفالح، ولكنَّ تضارب مصالح لجهات داخل أرامكو آنذاك، أعاق تنفيذ هذا المشروع رغم أهميته السيادية والأمنية والبيئية والاقتصادية .
ماذا تعني بالأهمية البيئية والاقتصادية لهذا الاختراع؟
الاختراع يمنح الحكومات وشركات النفط القدرة على مواجهة الكوارث والتصدي لها ذاتيًا، وعدم الاعتماد وربط المصير بشركات خلف البحار، مع القضاء على التهديدات الارهابية أو العدائية المتمثلة في تفجير آبار النفط والغاز وأنابيب النقل، كما أن فارق الخسائر المادية الناتجة عن احتراق ملايين البراميل من النفط تساوي 1 / 720 لكل ثلاثة اشهر، كما يقلل فارق التلوث البيئي جراء قذف ملايين الأطنان من الغازات السامة في جميع الأغلفة البيئية بنسبة تصل إلى 1 / 720 كل ثلاثة أشهر.
هل صنعت نماذج معملية لتلك الاختراعات، أم تُرجمت لمنتج كامل، وكم كلفك ذلك، وهل الجهات العليا وفرت لك البيئة والتكاليف ؟
النماذج المعملية شيء ضروري للعرض وتقديم الفكرة، مع ضرورة المحاكاة ثلاثية الأبعاد لتوصيل الفكرة بدرجة متفاوتة. أخذت بهذه الأساليب في طرح أفكاري. والأفضل من ذلك، تجربة المنتج بشكله النهائي؛ حيث يسمى المنتج الأولي. وهي وسائل كلفتني كثيرًا من المال والجهد والوقت، لكن بدعم من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية- ممثلة في برنامج بادر- تمكنت من تصنيع النموذج الأولي لكل من حجرة الإطفاء الذاتية ومخرج الهرب السريع للإخلاء من المباني متعددة الأدوار وإجراء تجارب ناجحة كتجربة رسالة الماجستير التي أعددتها لقياس فعالية حجرة الإطفاء الذاتية في إطفاء آبار النفط والغاز، مقارنة بالطرق التقليدية؛ إذ أثبتت الدراسة أن استخدام حجرة الإطفاء الذاتية في إطفاء آبار النفط والغاز عالية الفعالية، وأن الطرق التقليدية لإطفاء الحرائق متوسطة الفعالية.
كذلك، تم تصنيع النموذج الأولي لاختراع مخرج الهرب السريع، وتم تطبيق النموذج الأولي في إحدى مدارس التعليم العام بالرياض .
الابتكار لا يتوقف
ما تطلعاتك للمستقبل؟ وهل هناك ابتكارات أخرى ؟
أتطلع إلى وضع وتوثيق بصمات سعودية “لإنقاذ أرواح وممتلكات البشرية عمومًا” في الكود العالمي للمنظمة العالمية للحماية من الحريق ( NFPA ) والتي أنا عضو فيها, وكذلك الوقوف ضد من يحاول وصف الإسلام ، وخصوصًا الشعب السعودي بالإرهاب والتخلف ونشر رسالة للبشرية.
وفيما يتعلق بالابتكارات، فإن الابتكار لا يتوقف، ولكن الأهم منه المعرفة والإلمام بالجوانب التي تخرج الابتكار في إطار شكلي، وشرح موضوعي، وتطبيق فني لأفكار جديدة تسهم في حل المشاكل القائمة، أو توفر الوقت والجهد والمال، أو تزيد من الرفاهية وراحة البشرية عمومًا. ونظرًا لعدم توفر الوقت والمال حاليًا، فقد أجلت تسجيل عدة اختراعات لبضعة أشهر.
اقتصاد متعدد المصادر
ما الذي يميز المشاريع المنتجة لسلع حاصلة على براءات اختراع؟
من منطلق الأهمية الاقتصادية كأهم مؤثر وموجه أساسي لنشاطات الدولة- السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي- وخصوصًا في مرحلة التحول الوطني والتي تهدف لتنويع مصادر الدخل، فقد كثر الحديث في هذا المجال وطرحت الآراء ونوقشت الرؤى, للتحول إلى اقتصاد متعدد المصادر.
أرى أن التغيرات التي حصلت على مر العصور أحدثها قائد محنك وطموح ذو رؤية ثاقبة، وأهداف سامية، ومخترع عبقري وصل إلى الأهداف بطرق محكمة وخطط مختصرة، وهو عادة ما يكون باختراعات جديدة.
إذا أردنا الدخول في المجال الصناعي بسلع عادية – السيارة مثلًا – فينبغي دراسة الوضع السائد، وأن نكون صادقين مع أنفسنا أولًا وفي تقييمنا للوضع الراهن؛ لأن بدايتنا لن تكون بجودة تنافس المنتجات الألمانية أو اليابانية ولا بأسعار المنتجات الصينية والكورية؛ لذا لن تصل حصتنا السوقية إلى جزء في الألف؛ أما إذا وجهنا اهتمامنا إلى المنتجات الابتكارية والتي لا منافس لها في السوق العالمي واستحوذنا على السوق لمدة عشرين عامًا، فإننا نكتسب كثيرًا من الخبرة في التصنيع والجودة ووسائل التطوير وطرق التسويق، لاسيما وان العالم المتقدم لا يرغب في خروج دول العالم الثالث من دائرة الاحتياج إليه واستهلاك منتجاته.
ما المعوقات التي تواجه المخترعين بشكل عام؟
أهم المعوقات، عدم وجود نظام للمخترعين يبين حقوقهم وواجباتهم وتفرغهم، وعدم وجود منصة تتحدث باسمهم وتتلمس مشاكلهم، وغموض بعض المواد في الأنظمة واللوائح التنفيذية لدى الجهات التمويلية.