اعتادت الدول العربية على تسليح جيوشها بالاستيراد من الدول الغربية، ليس على مستوى المعدات الكاملة فقط، بل وكذلك قطع الغيار؛ الأمر الذي جعلها تدور في فلك الخارج، يعطيها وقتما شاء، ويمنعها وقتما شاء، ويشترط عليها ماشاء.
ويؤكد خبراء عسكريون أن المملكة العربية السعودية قادرة بالفعل على تصنيع السلاح وقطع الغيار العسكرية، لاسيما وأن خطتها الاستراتيجية تعتبر أن للصناعة العسكرية هدفين؛ وهما حماية أمنها الوطني،وتقليل الإنفاق الضخم على مايتم استيراده من الخارج، والذي بلغ نحو 70 مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية.
من هذا المنطلق، لم يقتصر معرض القوات المسلحة السعودية- الذي أقيم في أواخر شهر فبراير المنصرم- على عرض مختلف أنواع الأسلحة فحسب، بل فتح ذراعيه لرواد الأعمال لدعم وتوطين صناعة المواد وقطع الغيار للمنظومات العسكرية المختلفة؛ إذ أتاح نحو 40 ألف فرصة استثمارية لتصنيع المواد وقطع الغيار والمستلزمات الطبية، أمام رجال الأعمال والشركات والمصانع الوطنية؛ ما يدل على دعم الدولة للمبادرات الوطنية الساعية لتحقيق التوطين لمختلف الصناعات الرئيسة والتكميلية، بما في ذلك الصناعة العسكرية التي كانت مقصورة من قبل على الدولة.
وحسنًا فعلت، القوات المسلحة السعودية عندما أعلنت أن هدف المعرض، هو إيجاد علاقة استراتيجية طويلة المدى مع القطاع الخاص في مجال التصنيع المحلي، وتعزيز التواصل بين وزارة الدفاع والشركات الكبرى مع المصانع الوطنية لتوطين صناعة المواد وقطع الغيار؛ تحقيقًا للاكتفاء الذاتي بتصنيع معظم المواد وقطع الغيار، بدلًا من استيرادها من الخارج ، ودعم الصناعة الوطنية، وتطوير الإنتاج بما يتوافق مع معايير الجودة والمواصفات العالمية، والإسهام في نقل وتوطين صناعة المواد وقطع الغيار وتطويره، علاوة على تشجيع برامج السعودة، وإيجاد فرص استثمارية واعدة للقطاع الخاص.
الفرصة الآن متاحة بقوة أمام رواد ورجال الأعمال السعوديين، لخوض غمار هذا المجال الذي تُعد المملكة- بقيادتها الرشيدة- الوحيدة بين الدول العربية التي أتاحته وبقوة أمام المستثمرين، خاصة في ظل توافر المواد الأولية التي تدخل في الصناعة العسكرية كالمواد البتروكيماوية والمعدنية؛ كالحديد والألومنيوم والمطاط؛ وهو ما يغري الشركات للاستثمار في هذا المجال الحيوي.
أعلم أن صناعة السلاح من أضخم الصناعات على الإطلاق؛ إذ تتطلب مقومات هائلة للغاية، من أموال وعقول هندسية للتصميم، وفيزيائيين في مختلف مجالات الفيزياء، وكيميائيين ومبرمجين وكهربائيين ،وغيرها، لكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة.
ولأن تصنيع الطائرات يتطلب قدرات هائلة فقد أعلن مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودية في مايو الماضي عن تحالف يضم شركة تقنية للطيران، وشركة إنتونوف الأوكرانية، لتطوير وتصنيع وإنتاج طائرات (انتونوف – 32 )، يظهر أول إنتاجها بعد ستة أشهر من الآن ، شريطة استخدامها في أجواء السعودية فقط.
إذًا، تسير المملكة بخطى حثيثة وثابتة، نحو الاعتماد التدريجي على تصنيع السلاح؛ لذا كان فتح المجال أمام رجال ورواد الأعمال للاستثمار في هذا المجال، خطوة تتسم بالشجاعة والثقة والاعتماد على الذات؛ لبدء طريق لطالما تراجعت عنه كثير من الدول العربية، لاعتبارات عديدة، منها عدم توافر الموارد المالية، وخشية الدولة من عدم قدرتها على مواصلة الطريق إذا بدأته.