البدايات البسيطة تهيئة لإنجاز أكبر، والتجارب والخبرات لاتأتي من فراغ
لم يمنعها اليتم والزواج في سن مبكرة وحرمانها من استكمال دراستها، من إثبات ذاتها، وتحقيق طموحاتها في أن تكون رائدة أعمال مميزة، بل جعلت من كل التحديات التي واجهتها وقودًا لرحلتها من أجل التميز والنجاح، فأسست بدعم من شركة تنمية نفط عمان معملًا خاصًا للأجبان، سرعان ما تحول إلى مصنع صغير حقق نجاحات ملحوظة؛ ما أهله للفوز بجائزة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة( الفاو). في تواضع شديد تحكي عسل أسلم احرير؛ الرئيس التنفيذي لشركة سمهرم للأجبان؛ تجربتها وبداياتها البسيطة الحافلة بالخبرات والدروس المستفادة لرواد الأعمال..
ــ كيف كانت بدايتكم مع ريادة الأعمال؟
كانت بداياتي من الصغر، فقد تُوفي والدي وأنا ابنة 9سنوات، وعشت في الريف مع والدتي، ما كان له أثر كبير في أن أعيش حياة صعبة بعض الشئ ، تعلمت خلالها الاعتماد على النفس، وضرورة مساعدة والدتي في كل شيء،وقد كنت أقضي فترة الإجازة عند أختي في المدينة.
وفي المدينة كان يلفت نظري بشدة البائعون المتجولون من الجنسيات الآسيوية المختلفة، والذين يأتون يوميًا لعرض بضائعهم، وكنت أتساءل: لماذا لا أصبح مثلهم، خاصة وأن بالتجارة رزقًا وفيرًا، وتحتاج لمجهود يناسبني. واتتني فكرة عمل مشروع صغير، وهو توفير مصروفي وشراء بعض الأحجبة النسائية وبيعها في دائرة معارفي الصغيرة. وفعلًا، حقق مشروعي الصغير نجاحًا، كسبت منه بعض المال؛ ما ساهم في توفير مصروف لنفسي، ومساعدة والدتي في مصروف البيت، وودت تشجيعًا من والدتي جعلني استمر في هذا العمل.
وبعد انتهاء المرحلة الإعدادية في قريتي، انتقلت للمدينة حيث المدرسة الثانوية، وكانت نقلة جيدة؛ حيث عملت على التوسع في مشروعي الصغير، وبدأت أشتري أقمشة وعطورًا من دولة الإمارات لأبيعها لزميلاتي وأسرهن. كنت فرحة جدًا لأنني حققت حلمي البسيط وقتها، وهو العمل وتخفيف الحمل عن والدتي ، وكنت أخطط لاستكمال دراستي الجامعية ، ولكني تزوجت نزولًا على رغبة والدتي.
مسؤوليات البيت والأسرة
ــ وهل أدى الزواج لتوقف نشاطك التجاري ؟
الزواج بالفعل أعاقني كثيرًا، فالانشغال بمسؤوليات البيت والأسرة والأبناء يأخذ وقتًا وجهدًا من الأم، وكنت أحاول كثيرًا استكمال دراستي ، لكن الإطار المحيط بي لم يكن مشجعًا،وسعيت مرارًا وتكرارًا كي أجد وظيفة مناسبة، ولكن لم يحالفني الحظ.
عدت إلى العمل الخاص من المنزل ، وتعلمت صناعة البخور والعطور، لكن لم يكن كافيًا لأن التسويق كان ضيقًا، وكانت المنافسة كبيرة فمعظم من يعملن في هذا المجال من السيدات.
وبعد سنوات طويلة من البحث 19 عامًا تقريبًا، قادتني الصدفة للعمل مع سيدة أعمال تُدعى مريم أحمد بالحاف.وخلال العمل معها لمدة عامين، تعلمت كيفية الإدارة والتنسيق، وتعرفت على عالم يختلف عن عالمي،فهناك هدف وتخطيط، وهناك أحلام ممكن أن تصبح حقيقة!
عرفت طريقي للانطلاق،فقررت أن أبدأ تجارتي الخاصة،وأواظب على حضور المؤتمرات والندوات وورش العمل والدورات المختلفة؛ ليكون عملي مميزًا؛ أردت أن أكون “سيدة أعمال غير تقليدية، وبطابع خاص.
الأمان يكمن في العمل
ـــــ وراء إصرارك ومحاولاتك دوافع كبيرة، ماهي ؟ ومن أين اكتسبتِ هذا ؟
الدوافع كثيرة ، لكن أعتقد أن اليتم ووفاة والدي وأنا في سن صغيرة، ورؤيتي لأمي وقد أصبحت وحيدة، زرع في نفسي الخوف من المستقبل؛ ما علمني الاعتماد على النفس منذ الصغر، والبحث عن الأمان، وكان يقيني أن الأمان يكمن في العمل؛ ما أكسبني رغبة في النجاح وإثبات الذات.
كنت لا أمل المحاولة والتجريب،عملت في عدة مهن ومشاريع منها بيع الملابس الجاهزة،والمواد الغذائية والمأكولات الشعبية والبخور والعطور وتأجير الفساتين، والمفروشات والإكسسوارات وأخيرًا صناعة الأجبان.
مشروع عائلي
ــــ هل تفتخرين بأن بداياتك كانت بسيطة ؟
ليس عيبًا أن تكون بداياتك بسيطة، لكن العيب أن تلعن الظلام بدلًا من أن تضئ شمعة ، فما تعلمته لاحقًا هو أن تبدأ بدايات بسيطة وفق إمكاناتك المتاحة. وأذكر أن أحد مشروعاتي، كان لبيع المواد الغذائية من منزلي وبمشاركة أولادي، ولم يكن لدينا مكان فخصصنا مكانًا تحت السلم، وأقمنا المشروع بنجاح؛ ليصبح مؤسسة “غزل” للبخور والعطور، أديرها مع زوجي وأبنائي، قبل أن أتفرغ لإدارة شركه سمهرم للأجبان.
وما أود تأكيده للشباب أيضًا، أنني كنت واثقة أن كل المراحل البسيطة التي مررت بها؛ إنما هي تهيئة لمشروع أكبر؛ لأن في كل مرة كنت أعمل مشروعًا كنت أبحث عن مشروع أفضل،وأكثر تميزًا، ولعل النجاح الذي أنا فيه الآن، هو نتاج خبرات وتراكمات ماكانت تتم لولا التجارب البسيطة.
ــــ كيف جاءت فكرة مشروع سمهرم للأجبان؟
بالمصادفة؛ كنت في رحلة البحث عن فكرة مبتكرة، وكأن الله استجاب لدعواتي،فعن طريق الجمعية في ولايتي،دخلت دورة تابعة لمشروع “بنات عمان”، والذي تتبناه شركة تنمية نفط عمان، كانت الدورة عن صناعة الأجبان، فراقت لي الفكرة ، فشرعت في عمل معمل صغير لصناعة الأجبان.
التمويل والتغليف والدعاية
ــ ما أهم التحديات التي واجهتك في البداية؟
أهم التحديات التي واجهتنا؛ التمويل والتغليف والدعاية، فكلما توسع المشروع، زادت التحديات، وأهمها الاستمرار بالمستوى نفسه من الجودة والتميز، فضلًا عن التخطيط للتطوير.
وكيف تغلبتم عليها؟
ساعدنا برنامج “بنات عمان” كثيرًا، وخفف عنا الكلفة المالية بعض الشيء ، وكان علينا الاعتماد على أنفسنا لشراء المواد الخام ( الحليب) والتصنيع، كما كثفنا العمل وركزنا بقوة على الجودة، وكثفنا الدعاية والتوسع في التسويق.
ــــ ما الدعم الذي قدمه لكم برنامج “بنات عمان”؟
قدم هذا المشروع ـــ لي ولغيري ــالكثير من الدعم والتسهيلات بتوفير المكان المناسب، والمعدات اللازمة للإنتاج، والتدريب لمدة ستة شهور على أيدي مختصين، كما ساعدنا المشروع في تأسيس شركة خاصة أنا وزميلاتي باسم “شركة سمهرم لصناعة الأجبان”.
منظمة الفاو تزور مصنعنا
ــــ التسويق يمثل مرحلة صعبة في نجاح المشروع، فكيف تغلبتِ عليه؟
من خلال “بنات عمان” أيضًا، شاركنا في المعارض المحلية داخل الولاية و خارجها، فشاركنا في مهرجان صلالة السياحي، وشاركنا مع وزارة الزراعة في أكثر من معرض في مسقط ، من بينها مشاركتنا في يوم الغذاء العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة( الفاو)؛ حيث فزنا بجائزة تميز، وزار مصنعنا الصغير، منظمة الفاو ، كما زارنا وفد من الخبراء الذين تعرفوا عن قرب على سير العمل بالمصنع ومراحل الإنتاج، خاصة وأنه يُدار بأيادي ست فتيات عمانيات.
ـــــ المشروعات التي أطلقها برنامج ” بنات عمان ” لاقت نجاحًا وتميزًا ؟ فما السر ؟
مشروع “بنات عمان” من أهم مبادرات الاستثمار الاجتماعي لشركة تنمية نفط عمان بهدف تمكين المرأة ورفع مستواها الاقتصادي. ومن أهم مبادرات تمكين المرأة العمانية اقتصاديًا من خلال ريادة الأعمال والابتكار؛ حيث يستهدف رفع المستوى الاقتصادي للأسر من ذوي الدخل المحدود وأسر الضمان الاجتماعي. وقد استفادت منه نحو 300 مواطنة من مختلف مناطق السلطنة، ونفذ أربعة عشر مشروعًا في المرحلة الأولى ، من بينها “سمهرم للأجبان”.
وأرى أن سر نجاح مشاريعه أن أفكار المشاريع استمدت من البيئة المحيطة وما تزخر به من المواد الخام التي يمكن أن تتحول لمشاريع وتجارة مربحة، إذا استثمرت بشكل صحيح واحترافي.
على سبيل المثال خرج مشروعنا “سمهرم صناعة الألبان والأجبان” من ولاية “طاقة” التي تشتهربالثروة الحيوانية وتوافر الحليب الطازج بها، وهذا أحد أهم عوامل نجاحه؛ حيث توافر المادة الأولية “الألبان الطازجة” بكثرة وبجودة عالية وسعر أرخص بكثير، وهذا سر تميز أجبان سمهرم.
كذلك، مشروع صناعة الصابون من المواد الطبيعية، كان منبعه الجبل الأخضر الزاخر بالمواد العطرية المميزة، مرورًا بخصب؛ حيث تم تدريب النساء ممن يقطُنَّ في المناطق الساحلية على طريقة تجفيف الأسماك. وفي سمائل، كان النسيج في المرتبة الأولى ليتم استغلاله في صنع المنسوجات العمانية المتنوعة.
ريادة الأعمال النسائية
ــــ من واقع خبراتك، كيف ترين واقع ريادة الأعمال النسائية في عمان؟
المرأة بصفة عامة كائن لايستهان به، فمن تدير أسرة، تدير أي مشروع ،وتثبت وجودها في أي وظيفة أو منصب، والمرأة العمانية قوية – وهي تملك القدرة والإصرار- صامدة أمام الكثير من التحديات؛ إذ استطاعت أن تثبت نفسها، وتفرض وجودها واحترامها كرائدة أعمال في جميع المجالات التي كانت تقتصر سابقًا على الرجال، كالعقارات والمقاولات والصناعة والمناصب السياسية أيضًا. وهناك الكثير من النماذج التي يُحتذى بهن، واستطعن أن يصنعن لأنفسهن مكانة في المجتمع، وعلى الصعيد العربي والعالمي.
والحمد لله نحن بالسلطنة بدأنا نجني ثمار اهتمام قيادتنا الرشيدة صاحب الجلالة السلطان قابوس ــ حفظه الله ــ بالمرأة، فقد تم تخصيص 21 ديسمبر يومًا للاحتفاء بالمرأة العمانية.
عقد اتفاقيات مع المطاعم
ما مدي النجاح الذي تحقق لسمهرم للأجبان؟
الحمد لله صار المشروع أكثر توسعًا، وزاد الإنتاج كثيرًا، بفضل الطلب على منتجاتنا،واكتسبنا ثقة وشهرة مكنتنا من عقد اتفاقيات بين شركة سمهرم وبعض المطاعم والفنادق الكبيرة، و من خلال المشاركة في الملتقى العربي الأول لرائدات الأعمال بصلالة استطعنا أن نوقع عقدًا مع فندق هيلتون أحد أكبر فنادق السلطنة لتوريد الأجبان له، وأيضًا وقعنا عقدًا مع شركة اللولو هايبر ماركت لتوزيع وبيع الأجبان في منافذها المتعددة، والبقية في الطريق.
ـــ ما خططك المستقبلية ؟
هناك خطط مستقبلية لتوسعات بالمصنع، ونخطط لإنشاء مصنع كبير بإذن الله تعالى ليحقق الهدف المنشود في توسيع الحصص السوقية وزيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل أكبر للشباب، ليفي بالطلبات والتوسع في السوق المحلي، ويساعد في تحقيق طموحاتنا بالتصدير لخارج السلطنة، والتصدير لدول مجلس التعاون الخليجي.
ما التحديات التي تواجيهنها ؟
التمويل دائمًا هو العقبة أمام رائدات الأعمال والشباب جميعًا، ونحتاج لتسهيل الإجراءات والعراقيل التي تمنع الوصول للتمويل.
وأيضا يُعد غياب الوعي والمعرفة ونقص التدريب، عائقًا كبيرًا، فكثير ممن يملكن المال ، لا يملكن المعرفة لوضع خطط الأعمال ودراسات الجدوى، والتخطيط الجيد ، لمعرفة مدخلات ومخرجات المشروع؛ لذا يجب توفير التدريب الجيد كي يتعلمن كيفية دراسة المشروع قبل البدء فيه والمهارات الأساسية لريادة الأعمال.
تحتاج المرأة للثقة والتشجيع والدعم كي تظهر إبداعاتها وقدراتها، فهناك عقول جيدة لكنها مقيدة بفعل التقاليد والموروثات السلبية.
حاورها: حسين الناظر