لايغفل المتابع لسوق العمل في الآونة الأخيرة مدى الاهتمام المتعاظم للشركات الناشئة بالمملكة في شتى المجالات بصناعة العلامة التجارية الخاصة؛ ما جعل المصممين يولونها عناية فنية فائقة بلمساتهم الفنية وصولًا لإنتاج “شعار العلامة التجارية”، في وقت يتفق فيه كثيرٌ من الخبراء على أن صناعة العلامة التجارية ” Branding” هي البداية الحقيقية لأي شركة ناشئة في ظل وفرة المنتجات، فيما يرى غيرهم أنها المسؤولة عن الصورة الذهنية لدى العميل عن المنشأة.
“رواد الأعمال” سلطت الضوء على كيفية صناعة”العلامة التجارية” لمعرفة المبادئ التي تؤطر لها، وأسس ومعايير صناعتها والمراحل التي تمر بها، ومدى ارتباطها بطرح المنتج كفرانشايز.
صانعة التغيير
يقول خالد الهندي؛ صاحب شركة doo”” أن العلامة التجارية لم تعد اليوم من الكماليات أو الجوانب الثانوية في المنظمات أو المنتجات، خصوصًا في زمن تزدحم فيه الأسواق وتتباعد فيه أطراف المدن وتزداد حدة التنافس بين الشركات في تسويق منتجاتها وخدماتها، بل أصبحت العلامة التجارية اليوم هي الفارق الجوهري بين الجيد والرديء من المنتجات، وهي القرار الفاصل لدى المستهلك لاختيار منتج أو سلعة عن أخرى، فبمجرد وضع علامة تجارية لشركة مثل ستاربكس على فنجان القهوة يرتفع سعره تلقائيًا إذا ما قورن بآخر يحمل علامة تجارية مختلفة.
ويؤكد أن العناية بالعلامة التجارية تكتسب أهميتها، من كونها من يصنع التغيير ويبني الصورة الذهنية لدى العميل عن المنتج، وبوجودها تكتسب المنتجات مكانتها في السوق وترتيبها بين المنافسين.
ليست مجرد شعار
وقال “الهندي” أن العلامة التجارية ليست مجرد شعار رُسم بطريقة فنية معينة، وتم تطبيقه على عدة منتجات أو تطبيقات فحسب، بل هي أكبر من ذلك بكثير ، فهي كل ما يراه المستهلك أو يسمعه أو يشعر به تجاه المنتج؛ وهو ما يؤدي إلى بناء صورة ذهنية عن المنتج أو الخدمة ليتضح في النهاية مفهوم العلامة التجارية.
مشاريع وطنية ناشئة
ويضيف: ظهرت في سوقنا المحلي مؤخرًا، مشاريع وطنية ناشئة ومنتجات أثبتت تميزها ونجاحها، بل تطور بعضها ليتوسع وينتشر عالميًا، وهي مشاريع صنعت علامات تجارية منافسة.
وأضاف: إننا في شركة doo نبني علامات تجارية متميزة عبر منظومة عمل تبدأ من اجتماعنا مع العميل ومرحلة بناء الاسم التجاري، يتبعها الهوية البصرية وتطبيقاتها، وبيان طرق استخدامها بكافة المخرجات، ورسم خطط التسويق والمبيعات وتجارب العملاء.
مزيج من الأمور الإدارية
ويرى زياد أورقنجي؛ مستشار الآيسام، وصاحب شركة Brandship، أن العلامة التجارية لا تتوقف عند تصميم الشعار”logo” ، بل هي مزيج من الأمور الإدارية من خلال أربعة مفاتيح مهمة في رسم الصورة الذهنية للشركة؛ الأمر الذي يرفع من قيمتها في السوق.
ويؤكد أن العلامة التجارية هي سبب بقاء المنتج في ذهن المستهلك، كما تفوق قيمتها أحيانًا قيمة المنتج نفسه بحسابات الربح، موضحًا أن سوق العمل السعودي أصبح يهتم بالعلامة التجارية، ويعرف مدى أهميتها، بدليل التركيز على الفرنشايز والحصول على وكالات لأكبر الأسماء التجارية العالمية المعروفة وجلبها لداخل الوطن .
ويضيف أورقنجي: أصبح التنبيه لهذا الأمر من ضروريات الشركات التي وجدت نفسها اليوم تنافس في أسواق كبيرة وتسعى أن تكون هي خيار المستهلك الأول، فقيمة شركة “آبل” على سبيل المثال، فاقت في العام 2011م إجمالي خزينة الولايات المتحدة الأمريكية بنحو ملياري دولار؛ مايعني أن التركيز في هذا المضمار يهتم بالعلامة التجارية على أنها لاتقوم على علم واحد فقط كالتصميم مثلًا، بل على مزيج إداري متكامل يخرج على هيئة” رمز” يتداول سريعًا بين المستهلكين؛ ليكون” الصورة الذهنية”، وهو مزيج يختصر في أربعة مفاتيح هي: الاستراتيجية، والاسم والتصميم، والإخراج والتنفيذ، والتسويق والمتابعة، يهدف جميعها إلى نتائج إيجابية لتجربة العميل.
خصائص العلامة التجارية
يوضح أورقنجي وجود خصائص للعلامة التجارية بعد عمل كل الإجراءات القانونية اللازمة لتسجيلها وحمايتها، منها:
- أن يكون لديها استراتيجية “خطة عمل” مدروسة بشكل جيد وتُنفذ بدقة.
- وضع استراتيجية وسم صحيحة وسليمة تميزها عن المنافسين.
- التأكد دومًا من جودة المنتجات أو الخدمات المقدمة.
- تطوير منتجاتها وخدماتها حسب توجه السوق والعملاء.
- الاستمرار في عمل بحوث ودراسات على الشريحة المستهدفة ومعرفة متغيرات السوق.
- السعي دائمًا للحصول على حصة أكبر من السوق؛ وبالتالي تتوسع في الأسواق الأخرى جغرافيًا.
- أن تضع خطة تسويقية مبتكرة في ظل التكنولوجيا الحالية، وتكون ذات اسم مميز: سليم النطق وسهل الحفظ.
ويرجع “أورقنجي” سر صمود بعض الأسماء التجارية في الأزمات الاقتصادية لسر بنائها لاسمها وحصولها على حصة كبيرة في السوق ،والأهم من ذلك بناء الثقة لدى العملاء، وبناء القيمة المعنوية والمادية لها؛ حيث يشتري المستهلك القيمة وليس السعر فقط، مبينًا أن صناعة العلامة التجارية هي الطريق لنجاح المنتج وعرضه كفرانشايز.
دلالات عميقة
وتأييدًا للرأي السابق، يرى وائل الترابي؛ صاحب شركة “الخطة الناجحة للدعاية والإعلان” المتخصصة في صناعة العلامة التجارية، أن العلامة التجارية ليست فقط الاسم، أو الشعار أو الألوان الخاصة بتلك العلامة، بل هي أعمق من ذلك؛ إذ تشمل المشاعر والأفكار المرتبطة بتلك الخدمة أو المنتج لخلق تجربة مميزة وخاصة لدى المستهلك.
وأوضح أن العلامة التجارية الناجحة تكون ذات مصداقية ومغزى، فريدة من نوعها، شاملة، مستديمة، واضحة، وموثوقة لدى المستهلك، وتضيف إليه قيمة مضافة.
ويضيف الترابي أن أهمية العلامة التجارية تبرز عندما يصبح لها قيمة مادية ومعنوية؛ ما يعني أنه بعد مرور سنوات من النجاح في المنتجات أو الخدمات وكسب ثقة المستهلك وتحقيق مكانة جيدة في السوق، سيكون لتلك العلامة التجارية شأن في السوق، وقيمة مادية عالية، علاوة على القيمة المعنوية والمتمثلة في مشاعر العميل تجاهها من حيث حبها وتفضيلها على غيرها، وهنا تتجلى أهمية صناعة العلامة التجارية بالشكل الصحيح.
معايير مهمة
ويؤكد نايف المرحوم؛ صاحب شركة “روح” لصناعة العلامة التجارية، أن هناك أربعة معايير لصناعة العلامة التجارية منها:وضع استراتيجية ، والاسم والتصميم، والإخراج والتنفيذ، والتسويق والمتابعة، مشيرًا إلى أن مرحلة وضع الاستراتيجية تنقسم إلى نقاط مهمة، منها الرؤية ووضوحها واختزالها في قالب فني، بحيث تعطي دلالات كاملة وشاملة عن مفهوم المنتجات أو الخدمات التي ستقدمها الشركة،إضافة إلى ما تمتلكه من ميزة تنافسية، مع تحديد الشريحة المستهدفة؛ ما يؤهل العلامة التجارية لأن تصبح فرانشايز.
تحقيق: محمد فتحي