تشهد المملكة سنويًا أكبر تجمع للمسلمين يتراوح بين 2.5 و 3 ملايين؛ وذلك لأداء فريضة الحج والتي يتوق إليها 1.6 مليار مسلم في أنحاء العالم.
ويعد موسم الحج من أهم الفترات بالنسبة للمملكة؛ حيث تحشد له الجهود الأمنية واللوجيستية؛ عبر مؤسساتها وإداراتها لتوفير كافة الإمكانيات التنظيمية؛ لتحقيق السهولة والراحة لحجاج بيت الله الحرام.
ولقد دأبت قيادات المملكة على انتهاج التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ الدقيق لتطوير القدرات الاستيعابية للمشاعر المقدسة، سواء بالتوسع، أو إعادة الهيكلة، أو باستحداث خدمات تسهل أداء المناسك والتنقل بين المشاعر المقدسة؛ ما كان له أبلغ الأثر في استيعاب أعداد متزايدة سنويًا من ضيوف الرحمن، تتناسب مع الزيادة السنوية في أعداد المسلمين المتوقع أن يقترب من ملياري مسلم بحلول عام 2050؛ ما يعنى توقع زيادة الحجاج والمعتمرين من نحو 9 ملايين حاليًا إلى نحو 50 مليونًا؛ ما يؤكد قدرة المملكة على الإدارة الناجحة لهذا الموسم من خلال وزارة متخصصة للحج تعمل بدأب وتضم كفاءات هائلة لتحقيق المستهدف.
وعلى الرغم من أن موسم الحج يلقي بمسؤوليات جسام على كاهل المملكة، ويضع كافة مؤسساتها (الأمنية – النقل – الاتصالات وتقنية المعلومات – الصحة – الإسكان) في اختبار دائم لقدراتها على التنظيم والتطوير ومواجهة التحديات، إلا أنه في الوقت ذاته يعد من أهم آليات إنعاش الاقتصاد السعودي في كافة الجوانب؛ إذ يحقق أكثر من عشرة مليارات دولار؛ أي 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، فإذا أُحسن استغلال هذا المورد بضخ الاستثمارات المناسبة فقد يكون بديلاً أو منافسًا لإيرادات النفط.
وتأتي الأهمية الاقتصادية لموسم الحج بالنسبة للمملكة من حجم الإيرادات التي تحققها القطاعات العاملة في تقديم خدمات الحج من مؤسسات وشركات نقل واتصالات ومواصلات ومحال تجارية وإسكان، فضلًا عن الآثار غير المباشرة على الاقتصاد الوطني والمترتبة على نمو هذه القطاعات.
ويستحوذ قطاع العقارات على النصيب الأكبر من هذه الإيرادات؛ إذ يحصل على أكثر من ثلث ميزانية الحجاج؛ ما انعكس على هذا القطاع بمدينة مكة المكرمة، خاصة مع محدودية المعروض من المنتج العقاري، كما أن باقي القطاعات من نقل ومواصلات ومواد تموينية وتحف وهدايا تحقق مكاسب كبيرة خلال هذا الموسم بما ينعش السوق الخاص بهذه الخدمات ويخلق الحافز نحو تطويرها، وبما يحقق زيادة كبيرة في حجم التجارة الخارجية لتوفير السلع التي تغطي الطلب المتزايد للحجاج، وعلى صعيد ميزان المدفوعات والاحتياطيات النقدية نجد أثرًا إيجابيًا كبيرًا نتيجة زيادة الطلب علي الريال مقابل العملات الأجنبية خاصة الرئيسة منها.
يضاف إلى ذلك ما يتطلبه هذا الموسم من عمالة موسمية، وما يحققه من توفير مادة الجيلاتين المستخلصة من الأضاحي والتي تستخدم في صناعة الكبسولات الطبية المقدرة بنحو (600) طن سنويًا من خلال الاستفادة من مشروع الهدي والأضاحي .
كل هذا يشير إلى وجود إمكانيات كبيرة تم استغلال بعضها، بينما ما زال البعض كامنًا، لكن يمكن الاستفادة منه بضخ استثمارات في مشروعات رائدة تدعمها الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة من خلال مبادراتها المتميزة، وبما يحقق في النهاية تسريع نمو الاقتصاد الوطني وتحقيق التنويع الاقتصادي المستهدف في رؤية المملكة (2030) والمتمثل في زيادة الإيرادات غير النفطية ( والتي من بينها إيرادات الحج ) والمقدرة فى عام (2016 م) بنحو (199) مليار دولار بزيادة قدرها ( 20 % ) عن العام السابق، وبمتوسط نمو بلغ ( 12.35 % ) خلال الفترة ( 2000 – 2017 )، باعتبار أن المتوقع لعام ( 2017 ) نحو ( 212 ) مليار دولار.
ويعكس ذلك، نجاح خطط الحكومة في تنويع مصادر الدخل، والعمل على تصاعده خلال الفترة القادمة؛ وهو ما يلقي بالمسؤولية على عاتق رواد الأعمال لزيادة استثماراتهم في مشروعات وخدمات الحج لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج.
ولعل الشراكات الكبيرة التي أطلقتها المملكة منذ العام الماضي- سواء الأمريكية أو الشرق آسيوية- تدعم الإمكانيات الكامنة باستثمارات ضخمة وخبرات أجنبية تساهم بقوة في تحقيق أهداف الرؤية التي تستهدف رفع نسبة الاستثمار الأجنبي من الناتج المحلي الإجمالي من نحو (3.8 %) إلى نحو (5.7 %) بحلول عام (2030).
وانطلاقًا من هذا الواقع يمكن للمشروعات الريادية الاستفادة من هذه الفرصة، والتوجه نحو توفير المزيد من الخدمات المتميزة والدخول في مجالات غير مستغلة؛ مثل تقنية المعلومات، وأنظمة وبرامج الهواتف الذكية والحصول على تراخيصها من وزارة الحج؛ حيث تعد هذه المشروعات مجالًا خصبًا لاستحداث خدمات ريادية؛ مثل تواصل جميع الحجاج بمركز موحد لخدمتهم ( أمنيًا – صحيًا )، وكذلك تقديم خدمات تثقيفية، وتوعوية للحجاج، وتحديد الموقع وربطهم بقيادة بعثاتهم ومراكز تجمعهم، وغيرها من الخدمات التي يمكن التعامل معها من خلال هواتفهم الذكية.