تعد العلاقة بين الابتكار وريادة الأعمال علاقة ذات منفعة متبادلة، فالابتكار يتم تمويله وتسويقه من خلال ريادة الأعمال، وبدون ظهور الابتكارات التكنولوجية الجديدة، ستصل ريادة الأعمال إلى طريق مسدود، وبدون ريادة الأعمال، سيبقى الابتكار مجرد أفكار مخزّنة في عقل المبتكر، ربما يتم إهمالها وتذهب طي النسيان.
ولكي نفهم تاريخ العلاقة بين الابتكار وريادة الأعمال، علينا أولًا أن نحدّد كلا الكلمتين ونعرف معناهما، ثم نقوم بمزامنتهما مع بعضهما البعض.
“ممارسة الابتكار”
ماذا يعني الابتكار؟ وفقًا للمعنى الوارد في قاموس مريام ويبستر، هو إما تقديم شيء جديد كالأفكار، أو الأساليب، أو الأجهزة.
والمعنى؛ أنه عملية تحويل الفكرة أو الاختراع إلى سلع وخدمات تصنع القيمة المضافة. وهو أيضًا تطبيق لأنجع الحلول التي تلبي الاحتياجات الجديدة، والحاجات غير المعلنة، أو حاجة الأسواق القائمة أو الناشئة.
ولكي تصبح الفكرة ابتكارًا، يجب أن تكون قابلة للتكرار في الكلفة الاقتصادية، ويجب أن تشبع حاجة وتلبيها، فالابتكار يستخدم تطبيقًا مدروسًا للمعلومات، والخيال، والمبادرة في تسليم قيم أكبر، أو مختلفة عن المصادر، وتتضمن كافة العمليات التي يتم فيها معالجة الأفكار الجديدة وتحويلها إلى منتجات تلبي الحاجة التي ظهرت.
وتزدهر الابتكارات أيضًا عندما تستخدم الشركة والمصانع الأبحاث العلمية والتكنولوجيا، لإنتاج منتجات أكثر تلبية لحاجات عملائهم وزبائنهم، تتماشى مع توقعاتهم.
وكمثال جيد للمبتكر؛ نجد سلسلة الوجبات السريعة المشهورة لمطاعم ماكدونالد، فأثناء إنشائها ونموها، ابتكرت الشركة صناعة الطعام بأكثر من طريقة، وتنامت صناعة الطعام الحاصل على رخصة فرنشايز، وبدأت من وجبات عشاء تُقدم على جانب الطريق إلى وجبات سريعة سهل الحصول عليها وبأسعار رخيصة كالتي نعرفها اليوم، كما وحدوا أصناف قائمة الطعام، وهو ما نراه في سلاسل مطاعم الوجبات السريعة التي اقتدت بمنهجهم.
فهم وضعوا مقاييس لهذه الصناعة وبرامج تدريبية، لا يزال بعضها متبعًا لليوم.
المصادر السبعة لفرصة الابتكار
من الممكن أن يأتي الابتكار من أي شخص وأي مكان، فهو ليس محصورًا داخل الزوايا الأربع للمختبر، ولا هو في مقدمة جدول المخترع،كما أنه ليس حكرًا داخل العقول التي تتعلم داخل الجامعات وتحمل درجات أكاديمية عالية، فمن الممكن أن يظهر الابتكار عند أي شخص، وفي أي مكان، فللابتكار سبعة مصادر مختلفة:
- المصدر غير المتوقع: أحيانًا، تأتي الفكرة التي تولّد الابتكار من نجاح أو فشل أو ظواهر مصدرها خارجي غير متوقعة، فمثلًا اكتشاف الميكروويف الذي قاد إلى اختراع آلة من نفس الاسم التي ابتكرت عملية طبخ الطعام وإعادة تسخينه، كان بسبب غير متوقع، عندما لاحظ المهندس بيرسي سبنسر أنّ أصابع الشيكولاتة في جيبه تنصهر أثناء عمله على جهاز رادار نشط.
كذلك مادة النايلون تم إنتاجها من فشل غير متوقع؛ عندما نسي الباحث من دوبنت Dupont أداء واجبه في العمل فترك الحرّاقات متوقدة في أثناء بحثه عن مادة البوليمرات.
- المصدر المتعارض: تظهر الابتكارات أحيانًا ما بين الواقع لما يفترض أن تكون عليه الفكرة، وواقع صناعة المنتج.
وكمثال على هذا، ظهرت فكرة الأعمال المبتكرة للتأمين الصحي الخاص وسط واقعين: الواقع بتزايد تكلفة الرعاية الصحية باستمرار، وواقع أنّ أغلب الناس لم يدخروا ما يكفيهم من المال تحسبًا لأي طارئ طبي.
- الحاجة للعملية: هناك أوقات يظهر فيها الابتكار عندما يرى شخص ما أنّ جزءًا محدّدًا من العملية يمكن تحسينه، فإيجاد هذه “الحلقة الضعيفة” في أي عملية هو مصدر للابتكار. كمثال على هذا: ما حدث عندما أدرك بولارويد أنّ المهمة البطيئة والشاقة لالتقاط الصور وتطويرها كانت” الحلقة الضعيفة” في صناعة التصوير التي حررت نموذج بولارويد 95 ، والتي تختصر عملية التصوير الطويلة إلى بضع ثوانٍ.
- التغيير: تُعد أي صناعة حية وجيدة، مادامت تتسم بالديناميكية، سواء كانت بسيطة أو جذرية؛ فذلك يوقد نيران الابتكار. فعندما بدأ إنتاج شامل للسيارات في أنحاء العالم، ابتكر اليابانيون هوندا، وتويوتا بكفاءة في توفير الوقود وقطع مسافات أكثر من أي منافس؛ ما قادها لتصبح من أكبر مصنّعي السيارات.
- العامل الديموغرافي: إنّ التحولات في الثقافة الشعبية تتسم بالسرعة وسهولة التنبؤ بها. فمثلًا، ظهور أنماط مختلفة من الأزياء استوحتها العقول المبتكرة لمصممي الأزياء، وغيرهم من الأيقونات الرائدة التي تؤثر على الثقافة الشعبية فتقود صناعة الأزياء إلى ابتكارات، من الجينز الفضفاض إلى الضيق، ومن أحذية ماركة أكسفورد إلى الأحذية الرياضية.
- التصور: يمكن للابتكار أن يُنتج عندما يُسْتَخدم التصوّر، فستيف جوبز؛ مؤسس آبل، كان قادرًا على إشعال هذه المنافسة، عندما غير تصورات الناس ومفاهيمهم نحو امتلاك أجهزة الكمبيوتر من كونها مكلفة، وضخمة، ومعقدة إلى أجهزة رخيصة وصغيرة الحجم، وسهلة الاستخدام،عندما أطلق آبل1 ، والذي مهدًا الطريق إلى أجهزة الكمبيوتر المحمولة، والتابلت، والهواتف المحمولة، التي بين أيدينا اليوم.
- المعرفة: يرتبط الابتكار باكتشاف المعارف الجديدة، مثلما دمج الأخوين رايت المعارف الخاصة بمحرك الغاز والديناميكية الهوائية لإنشاء أول مركبة قادرة على الطيران.
- الابتكار ذو الهدف: فهو منهجي، ويبدأ بتحليل الفرص ؛ إذ يجب أن يكون تصوّريًا وحسّيًا، لكن بسيطًا ومركزًا في التصوّر؛ أي يبدأ بشرارة صغيرة وما يلبث أن ينتهي بإنجاز.
ممارسات ريادة الأعمال
هناك اختلاف كبير بين رجل الأعمال العادي وبين رائد الأعمال الذي يعتمد على التصوّر وأخذ المبادرة، فالأعمال الصغيرة التي تتبع اتجاهات راسخة ليست ريادة أعمال، وكذلك العمل المكرّر ليس ريادة أعمال.
ما يفصل رجل الأعمال عن رائد الأعمال هو تصوراتهما ومبادرتهما، فرائد الأعمال يرى أمورًا لا يستطيع الآخرون رؤيتها، ويتصرف قبل أن يتفاعل غيره؛ فريادة الأعمال ليست سمة ولا شخصية، بل هي بحث منهجي يرمي إلى التغيير، واستغلال الفرصة. إنها تتطلع إلى السوق الراسخة، وتتجاهل ما كان قائمًا ، مع رؤية ما ينقص السوق لتلبية ما يحتاجه. وتتضح صفات رواد الأعمال فيما يلي:
- يسعون إلى التغيير، وتعديل أساسيات السوق الراسخة:
مثال على ذلك: بناء مخازن ولت مارت، وهو النظام الذي لم يطبق من قبل، كان سام والتون قادرًا على زيادة أرباحه في قطاع تجارة التجزئة؛ بسبب كلفة الشحن المنخفضة وإعادة تخزين أسرع للمخازن المزدحمة. وبإضافة نظام حديث لمراقبة المخزون، تمكن من اجتياح سوق التجزئة حتى قبل أن يوزع عمله في المدن مثل نيويورك، وواشنطن.
- يبتدعون الاتجاهات العصرية، ويمشون عكس التيار، ويسحبون الواقع نحوهم:
مثال على ذلك: عندما كان غالبية مصنّعي السيارات يوجّهون خدماتهم للأغنياء والمشاهير، أطلق هنري ت. فورد طاقة الإنتاج الشامل لإنتاج سيارات تخدم المجتمع بأكمله، فأصبحت علامة فورد علامة بارزة في التاريخ الأمريكي.
العلاقة بين الابتكار وريادة الأعمال
العلاقة بين رائد الأعمال والمبتكر، علاقة ذات منفعة متبادلة؛ فالمبتكر يحتاج إلى رائد الأعمال للدفع بأفكاره إلى السوق، ويحتاج رائد الأعمال لأفكار المبتكر التي تهزّ السوق. ومن الشائع أن ترى رائد أعمال مبتكرًا، بل إن معظم المديرين التنفيذيين يصبحون خلال 30 يومًا مزيجًا من الاثنين.
لكي يجذب المبتكرون، رواد الأعمال، فيجب أن تكون أفكارهم جذابة وذات فائدة، بحيث
يعتقد رائد الأعمال أنّها ستجعل السوق المستهدفة قديمة وغير مثمرة، بينما يجب أن يكون رواد الأعمال، الأسرع في صناعتهم، وأن يستهدفوا قيادة السوق الجديدة أو الهيمنة عليها، فهم بحاجة للانفتاح على التغيير، واتخاذ القرار إذا ظروف السوق مهيّأة لينجح الابتكار، فهم الجالبون للحظ، والأداة التي يحتاج إليها المبتكرون لإدخال أفكارهم إلى السوق.