نجح تلميذي الشاب في تأسيس مشروعات ناشئة ناجحة، وعندما سألته لماذا لم تتزوج حتى الآن؟، أجاب بسرعة وبنبرة تفاؤل: عندما يستحوذ أحدهم على أحد مشروعاتي بمائة مليون دولار، حينها سأفكر في الأمر!.
ربما كان يمزح، لكنه أصاب جزءًا من الحقيقة وعبَّر عما يجول بخاطر شريحة كبيرة من جيل رواد الأعمال الحاليين الذين يسعون لتحويل أفكارهم المبتكرة إلى تطبيقات على أجهزة الجوال أو الحاسب الآلي، أملًا في بيعها لاحقًا بمبالغ طائلة.
أفتخر بنماذج متميزة ومشرفة لشباب لم يتجاوزوا الثلاثين من عمرهم بالوطن العربي نجحوا في ذلك، أذكر منهم الشاب حسام الجلدي الذي شارك في تطوير Resal.me لبيع الزهور والشيكولاته عبر موقع إنترنت وتطبيق جوال وتوصيلها لمعظم مدن السعودية، و Vaya.sa ؛ تلك السوق الإلكترونية المتخصصة في تجارة قطع فريدة من الذهب والمجوهرات والألماس والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة والساعات بطرق مبتكرة وعصرية أيضًا عبر الإنترنت والجوال. وتم إطلاق Lucidya.com كأداة لرصد وتحليل المحتوى العربي في شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية؛ حيث يمكنها تحليل ردود الفعل المجتمعي على قرار أو موقف أو شخصية معينة، مع قياس أداء منشأة ما ومقارنتها بالمنافسين.
85 مليون مستخدم
أنشأ الشاب زين العابدين توفيق موقع “صراحة”، لمصارحة الآخرين دون الكشف عن هوياتهم، وكذلك تلقي آراء الأصدقاء والموظفين وزملاء العمل والمتابعين، دون معرفة هوية كُتاب تلك الآراء؛ حتى وصل عدد مستخدمي الموقع إلى 85 مليون مستخدم، فيما يستقبل شهريًا نحو 250 مليون زائر، فحصد الترتيب الأول في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وحوالي 27 بلدًا في متجر آب ستور ضمن التطبيقات المجانية، متفوقًا على فيس بوك وإنستجرام وسناب شات، كما حصدت صفحات الموقع نحو مليار مشاهدة خلال فترة قصيرة؛ ما دفع عددًا من شركات التقنية الشهيرة إلى تقديم عروض لشراء الموقع.
تحليل تعبيرات الوجه
وابتكرت المهندسة الشابة رنا القليوبي تطبيقًا لقراءة وتحليل تعبيرات الوجه أثناء تشغيل الجوال بمساعدة الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، عندما تقرأ منشورًا لمنتج معين فتتغير ملامح وجهك بسبب غلاء الأسعار، فسيقوم التطبيق حينها بترشيح منتجات مناظرة ومواقع لديها عروض خاصة للمنتجات نفسها التي أردتها؛ وهي الميزة التي سيدعمها iPhone X الذي تعمل كاميرته بتعبيرات الوجه (Emotion)؛ وهو ما يغير بالتأكيد مفهوم سلوك العميل والتسويق بشكل عام، ومفاهيم أخرى في المستقبل القريب.
هل يمكن توظيف “القيل والقال” في فعل الخير ؟! .. هذا ما نجح فيه مشروع “بيقولك” الذي أطلقه كلٌ من علي رافع وجمال الدين صادق وثلاثة رواد أعمال آخرين جميعهم من الشباب،؛ وهو المشروع الذي حصد جائزة قيمتها مائتا ألف دولار في مسابقة “ابدأ” التي نظمتها “جوجل” وكنت معهم حينها عضوًا في لجنة التحكيم.
“بيقولك” تطبيق شعبى للغاية؛ لاستخدامه اللغة العامية؛ ما يجعله جذابًا وممتعًا لأكثر من مليون مستخدم حاليًا، يخبرون بعضهم البعض من خلال الهواتف الجوالة عن الحالة المرورية في الشارع.
طوَّر المهندس طاهر يسري تطبيقًا على الهواتف الذكية أسماه “المهندس”، يحسب للعامة التكلفة التقريبية لمبنى ينوي إنشاءه. التطبيق يحاكى خبرة المهندس الاستشارى من ذوى الخبرة؛ حيث يحصر كميات وحساب تكلفة مواد البناء والتشطيبات التى يحتاجها المالك أو المقاول لإتمام عملية البناء والتشطيب من خلال مُدخلات يمكن استيعابها لإنشاء مبانٍ آمنة وبتكلفة مناسبة.
ويقدم التطبيق الأماكن المقترحة التى يمكن من خلالها معرفة أفضل وأقرب الأماكن لبيع مواد البناء، مع تحديثها بشكل يومي؛ ما جعله يجتذب 15 ألف مستخدم من الدول العربية ، رغم أنه في طور التجريب ويعمل فقط على أجهزة التشغيل بنظام أندرويد حتى الآن.
أسس الشباب محمد هاني وشادي أحمد ومعتز عليوة، شركة Zest لإنتاج فيديوهات ترويجية جذابة لا يزيد وقتها عن دقيقة واحدة، تشرح طريقة إعداد صنف أو أكثر من الطعام. وبانتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، يشاهدها عشرات الألوف ؛ إذ يطلب بعضهم المكونات والمقادير وربما أجهزة إعداد الطعام، ليعدوا وجباتهم بنفس الطريقة، فتوردها لهم نفس الشركة التي تضع العالمية نصب عينيها.
سياحة المعتمرين
بدأ الشاب سعود الحربي، حياته الريادية بمرافقة المعتمرين للمناطق السياحية في بلدته المدينة المنورة، وكان كل رأس ماله سيارة والدته. وعندما طور الأمر لموقع على الإنترنت jawlahtours.com ، وركز على السائحين الأجانب لمنطقة العلا ومدائن صالح القريبة منه، نجح بشكل مبهر؛ ما دفع شركة كبرى لشراء موقعه بعدة ملايين من الريالات.
الطبيبة الشابة إيمان الإمام، أنتجت سلسلة فيديوهات رائعة على يوتيوب تحت اسم “الاسبتالية” لعرض معلومات طبية للجمهور العادي في كل حلقة من البرنامج، لا تتجاوز عشر دقائق، بصورة بسيطة ومباشرة؛ حيث تخلط بين الفكاهة وقوة ونوعية المعلومات. بلغ عدد مشاهدات إحدى حلقاتها الأخيرة أكثر من مليون مشاهدة في أيام قليلة.
حياة افتراضية
عاصرنا في الماضي البعيد والقريب نماذج ناجحة لرواد أعمال أسسوا شركاتهم ويديرها الآن الأبناء وربما الأحفاد، لكن توجه الشباب الآن اختلف كثيرًا عن ذي قبل، تمامًا كما تطورت الأمور بعالمنا العربي.
كان لدينا في الماضي مَدرسة ومُعلم وكتاب، لكن اختلف الوضع الآن، فصار لدى الشباب حياة أخرى افتراضية عبر الإنترنت. علموا أنفسهم بأنفسهم عبر coursera و udemy ويوتيوب. وكما نعيش عصر “الوجبات السريعة”، هناك أيضًا “المشاريع السريعة”؛ حيث يركز رائد الأعمال الحديث على فكرة إبداعية، ثم تطويرها بسرعة وإخراجها للعالم الافتراضي، ثم السعي لاجتذاب رأس مال ملائكي Angel Investors أو رأس مال مغامر (جريء) Venture Capital، أو بيعها، أو دمجها merging مع كيان أكبر، أو السماح بالاستحواذ عليهاacquisition.
الاستثمارات الملائكية
الاستثمارات الملائكية والجريئة تدعم الآن ما يسمى بنماذج الأعمال المُخربة أو المُربكة للصناعات والخدمات القديمة Disruptive innovation or business models وهي أعمال تغير جذريًا طريقة تقديم الخدمة أو المنتج وتفتح أسواقًا جديدة لقطاعات قائمة، وتقضي غالبًا على النظام القديم، ولعل أفضل مثال لها ما يسمي بالاقتصاد التشاركي Sharing Economy (اقتصاد المشاركة أو الاقتصاد التعاوني)؛ وهو نظام اقتصادي يقوم على مشاركة الأصول البشرية والمادية، ويشمل الإبداع والإنتاج والتوزيع والاستهلاك التشاركي للبضائع والخدمات بين مختلف الأفراد والمنشآت التجارية.
وتأخذ تلك الأنظمة العديد من الأشكال، إلا أنها تعمل في مجملها على تعزيز تقنية المعلومات من أجل تزويد الأفراد والمؤسسات الحكومية وغير الربحية بالمعلومات التي تساعد على توزيع البضائع والخدمات ومشاركتها وإعادة استغلال الطاقات المهدرة والفائضة؛ حيث ثمة اعتقاد بأن مشاركة المعلومات المتعلقة بالبضائع والخدمات، يزيد من قيمتها على مستوى المؤسسات والأفراد والمجتمع.
ومن أمثلة الشركات التي بنت نموذج عملها بناء على مفهوم الاقتصاد التشاركي: شركتا Uber و Careem اللتان لا تمتلكان سيارة واحدة، لكن تعتمدان على من يمتلكون سيارات قرروا استخدامها لتوصيل الأشخاص من مكان لآخر مقابل أجر، وشركة Airbnb لتأجير وتبادل وتشارك الغرف والشقق في مختلف أنحاء العالم ، والتي لا تمتلك أيضًا غرفة واحدة؛ حيث صارت هذه الشركات تُقيَّم بعشرات المليارات وحققت مكاسب ضخمة لكل من استثمر فيها عندما كانت مجرد نموذج غير مضمون النجاح.
وفي الوقت الذي زاد فيه عدد المهتمين بالاستحواذ والاندماج ونمو المشروعات باتجاه العالمية- حيث تجد الوكالات الأجنبية في قلب أوطاننا وبعض رجال القطاع الخاص ينظمون المسابقات ويكتشفون هؤلاء الموهوبين- ما زال بعض المسؤولين الحكوميين في سُبات عميق، فلم ينتبهوا بعد إلى أن مفهوم ريادة الأعمال قد تطور، وأنَّ شباب هذا العصر يختلفون عن نظرائهم في الثمانينات و التسعينيات. التركيز على هؤلاء من شركات التكنولوجيا المحتملة للنمو المرتفعHigh growth potential technology companies لا يقل أهمية عن مشروعات تقليدية تستهدف تشغيل الشباب، وخاصة التي تسمى مشروعات كثيفة العمالة.
العقول الفذة
في الماضي كان محمود العربي وسليمان العليان وناصر الخرافي وسعود بهوان من أهم النماذج والقدوات لجيلنا من رواد ورائدات الأعمال في ذلك الزمان. الآن، صار ستيف جوبز (آبِل)، ومارك زوكربيرج (فيس بوك)، وبرايان أكتون (واتس آب)، وبرايان شيسكي (إير بي إن بي) هم المُعلمون والمُلهمون لريادة أعمال حديثة، تستهدف سكان المعمورة في طموح مشروع لهؤلاء الشباب، خاصة بعد أن ذابت الحدود عبر الإنترنت والهواتف الذكية، وصار العالم بأسره هو السوق المستهدف، وهذا ما يجب أن ينتبه له صناع القرار في بلادنا العربية للاستفادة من هذه العقول الفذة في بناء الأوطان.