حاوره / حسين الناظر
في غضون سنوات قليلة، نجح رائد الأعمال الشاب؛ داوود معرفي في تأسيس العديد من الشركات الناجحة، على رأسها “شراع” للاستثمار في الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودفعته المسؤولية الاجتماعية لتأسيس الاتحاد الخليجي لرواد الأعمال، ثم رأس لجنة تنظيم بيئة الأعمال وتوطيد العلاقات المؤسسية التابعة للصندوق الوطني لتنمية ورعاية المشروعات الصغيرة والمتوسطة.. لهذا كان الحوار التالي معه لنتعرف عن نجاحه عن قرب..
- كيف كانت بدايتك مع ريادة الأعمال؟
كان طموحي عندما كنت عضوًا في النادي العلمي، أن أصبح مهندسًا معماريًا؛ لكن الظروف حالت دون ذلك، فانتسبت لكلية العلوم الإدارية لشغفي بعالم الأعمال والتجارة؛ إذ عملت بدوام جزئي في سلسلة مطاعم “ماكدونالدز”، كأول شاب كويتي يأخذ هذا المنحى، وكان راتبي 25 دينارًا أسبوعيًا؛ ماشكل حافزًا لمجموعة أخرى من الشباب؛ فأصبح عددنا 30 شابًا في هذه المطاعم. وقد علمتني هذه التجربة، الاعتماد على النفس وإثبات الذات.
بعد ذلك، عملت بشركة تأمين، قبل أن أنضم إلى بنك الكويت الوطني، ثم البنك الأهلي الكويتي، ومع التنقّل بين تلك الوظائف، فكرت في أن أمتلك مشروعًا، فأسست شركة “امتداد” لتنظيم المعارض والمؤتمرات عام 2005م؛ حيث نفذت مجموعة أحداث مميزة ذات صلة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، كان آخرها العام الماضي باستضافة الخبير محمد يونس؛ مؤسس بنك الفقراء.
ـــــ وكيف جاءت فكرة شركة “شراع”؟
جاءت “شراع”، نتيجة ما واجهته من عقبات في بداية تأسيس شركتي الأولى، وغياب الدعم عن أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ففكرت في تأسيسها لمساندة رواد الأعمال بتحفيزهم على بدء مشروعاتهم ، فشكّلت فريقًا من الشباب: سيد حسين، ويوسف زلزلة، وخالد الرحماني، وعبد الله بوفتين، وطلال المهنا، لنؤسس “شراع” لإدارة المشاريع في أبريل عام 2009م، شركة برأس مال500 ألف دينار، فنجحنا في تحقيق الهدف من إنشائها؛ حيث وضعت استثماراتها في خمس شركات محلية.
مفاتيح النجاح
- ما سر نجاحكم رغم الصعوبات التي واجهتكم ؟
الإدارة السليمة لموارد المؤسسة، ركيزة أساسية للنجاح، لذا فإن التوليفة المتجانسة لفريق العمل تعد أحد أهم مفاتيح النجاح في هذا المجال. أما فيما يتعلق بالصعوبات، فكان الحصول على التمويل عقبة أساسية، خصوصًا في ظل قلة عدد المؤسسات المانحة ، علاوة على أنه قبل عقد من الزمن وحتى سنوات قليلة كانت المؤسسات التقليدية المعنية بالتمويل تفضل العملاء ذوي الملاءة المالية وأصحاب الضمانات، قبل أن تعي الحكومات أهمية وحيوية دور المشاريع الصغيرة, وتؤسس صناديق معنية بتمويل هذا النوع من المشاريع.
وللتغلب على مشكلة التمويل، لم يكن أمامنا سوى الابتكار؛ ذلك العنصر الذي يميز مشروعًا عن آخر، بحيث يرى فيه المستثمرون فرصةاستثمارية مجزية؛ وهو ما حصل معنا على سبيل المثال في مشروع Think Cafe الذي أشرفت عليه شركة “شراع لإدارة المشاريع”.
الجهات الداعمة
- كيف ترى دور الجهات الداعمة ؟ وما الدعم المقدم لرواد الأعمال؟
شكل إطلاق الجهات الداعمة- سواء الجمعيات ذات النفع العام أو المؤسسات الحكومية- إطارًا لتوحيد جهود المعنيين بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشكيل صوت واحد من حيث الاتفاق على الأولويات؛ وهو ما ترجم في مرحلة أولى من خلال تأسيس الجمعية الكويتية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي عُدت محطة مهمة على طريق التطور الذي شهدته المشاريع الصغيرة والمتوسطة في الكويت، أما المحطة الأهم فكانت بتأسيس الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة برأس مال ضخم، والذي يوفر تمويلًا يصل إلى نسبة 80 % من إجمالي رأس مال المشروع على لا يتجاوز 500 ألف دينار، إضافة إلى أنه يمنح المبادر صاحب الوظيفة فرصة التفرغ لمدة ثلاث سنوات من وظيفته.
الابتكار في المشروع
- كيف تختارون المشاريع؟
تقوم لجنة مختصة باختيار المشاريع، بعد أن يعرض عليها صاحب المشروع الخطوط العامة لمشروعه، مع دراسة جدوى اقتصادية شاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار عنصر الابتكار في المشروع. ونحن في الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة يهمنا في المقام الأول، زيادة شريحة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص عمل.
- أسستم الاتحاد الخليجي لرواد الأعمال، فما دوره ؟
يواجه أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في بداياتهم تحديات عديدة مصدرها البيروقراطية الإدارية؛ لذا جاءت مساهمتنا المتواضعة في تأسيس الاتحاد الخليجي لرواد الأعمال بمشاركة مجموعة شباب من الدول الخليجية؛ وهو ما يسر لنا أن نقطع شوطًا كبيرًا على صعيد تنظيم ورش العمل والمؤتمرات المشتركة، والتي من خلالها نقلنا صوتنا لمواقع اتخاذ القرار، وحققنا خطوات مهمة على طريق تسهيل الإجراءات الخاصة ببيئة الأعمال.
- تحويل الفكرة لمشروع ناجح أمر صعب، فبم تنصح الشباب في هذا الإطار؟
لقد وعت الحكومة أهمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة كجزء من الدورة الاقتصادية وكمصدر مهم لتوفير فرص العمل. وأعتقد أن الخطوات الحكومية خلال السنوات الخمس الماضية، اختصرت الطريق كثيرًا أمام الشباب، فأصبحت البيئة الحاضنة أكثر صحة.
ومن واقع تجربتنا وتجارب غيرنا، أدعو الشباب إلى عدم التفكير في الصعاب بقدر وضع خطط للتغلب عليها. وليعلم الشباب أنه ليس شرطًا أن تتحول كل فكرة إلى مشروع، فعلى الشاب الراغب في دخول قطاع ما أن يكون لديه دراية في كيفية تحويل الفكرة إلى مشروع ، في مقدمتها إعداد دراسات جدوى اقتصادية تراعي بدقة الكلفة التشغيلية للمشروع، ومعرفة كيفية استثمار رأس المال في الأنشطة التشغيلية الرئيسة، وضرورة أن يبتعد عن قطاع الضيافة والمطاعم وما يدور في فلكها لوجود تكدس في مشاريعهما ، مع التفكير في قطاعات التكنولوجيا، والزراعة، والطاقة وغيرها. باختصار، هي معادلة قائمة على حسن اختيار المشروع، والتعامل الإداري السليم على صعيد إدارة الموارد، وإعداد دراسات جدوى اقتصادية دقيقة.
- كيف يمكن تحويل “ريادة الأعمال” لواقع ؟
أصبحت الحكومات على قناعة أكثر بدور القطاع الخاص في التنمية، بعد تيقنها بأن القطاع الحكومي بلغ مرحلة التخمة وأنه لم يعد المصدر الأساسي لتوفير الوظائف. وقد تزامنت تلك التطورات مع التحولات الاقتصادية التي بدأنا نشهدها منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008، ثم دخول أسعار النفط العالمية في دورة اقتصادية سالبة؛ لذا كان خيار ريادة الأعمال فرصة اقتصادية مميزة، أكثر منها خيارًا قسريًا أو بديلًا عن الوظائف في القطاع الخاص أو حتى الحكومي، ولعلنا نشهد بصورة واضحة حجم النمو في مثل هذه الأعمال على مستوى منطقة الخليج بصفة عامة، ما يؤكد أن “الترند” الحالي هو نحو هذه المشاريع بصفة خاصة.
- هل لا يزال الشباب يحلم بالوظيفة ذات المجهود الأقل والراتب الأعلى ؟
هذا غير صحيح؛ لأننا نلمس- ومن خلال مختلف المؤسسات المعنية بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال وكذلك جمعيات النفع العام- تغيرًا كبيرًا في نمط تفكير الشباب الخليجي، وربما إذا ما قمنا باستطلاع بين طلاب الجامعات وحديثي التخرج حول توجهاتهم المستقبلية، سنجد تغيرًا ملحوظًا بالبعد عن العمل الحكومي والاتجاه لريادة الأعمال.
المشروعات الحرفية والمهنية
- وبما تفسر عدم إقبال الشباب الخليجي على المشروعات والوظائف الحرفية والمهنية ؟
بالفعل، ما زالت مسألة الحرف والمهن بعيدة عن أن تكون عنصر جذب للشباب؛ وذلك لعدة اعتبارات، في مقدمتها طبيعة سوق العمل والاختلالات الحاصلة فيه والتركيبة السكانية في دول الخليج. وهنا نتلمس ضرورة قيام الحكومات باستكمال دورها، فبعد توفير المؤسسات المعنية برواد الأعمال وأصحاب المشاريع ، على الحكومات معالجة الاختلالات الهيكلية في اقتصاداتها الوطنية باعتماد خيارات اقتصادية أكثر حداثة كالخصخصة وغيرها. أما المهمة الأصعب أمامها، فتتمثل في معالجة اختلالات سوق العمل والتي تتطلب عقد ورش عمل شاملة لتطوير مخرجات التعليم وتحديد الأهداف منها بما يتناسب وينسجم مع الأهداف التنموية، مع أهمية توفير البيئة التحتية المناسبة كحاضنات الأعمال والأراضي والقسائم المخصصة لأنماط اقتصادية محددة.
حراك ريادة الأعمال
- كيف تقيم حراك ريادة الأعمال في الكويت؟
بلغ حراك ريادة الأعمال في الكويت مرحلة من النضج والتطور الواضح، فأصبحنا على الطريق الصحيح في ، فهناك بيئة حاضنة، كما كانت بيئة الأعمال والدورة المستندية من أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع، فنجحنا إلى حد كبير في تحقيق العديد من الأهداف المرحلية على صعيد تطوير البيئة التشغيلية؛ منها ما تحقق من قبل لجنة تنظيم بيئة الأعمال وتوطيد العلاقات المؤسسية التابعة للصندوق الوطني لتنمية ورعاية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتي أترأسها؛ إذ كان لها دور مهم في تطبيق مميزات مخصصة للمبادرين بقانون إنشاء الصندوق وتسهيل استخراج التراخيص التجارية والصناعية وغيرها.
وكان هناك محور مهم على صعيد تطوير بيئة الأعمال متمثلًا في العمل من خلال مجلس إدارة هيئة القوى العاملة؛ إذ ساهمنا في تأسيس “إدارة مبارك الكبير” المعنية بتسهيل الإجراءات لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة من بينها استقدام العمالة من الخارج.
كذلك، ساهمنا في استغلال مرافق الوزارة والعمل لمصلحة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتي كان أولى بوادرها إعداد مشروع قرار وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل بمنح أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة استغلال عدد من المواقع في هذه الجمعيات وفق ضوابط معينة وبنسبة تصل إلى 20%. كل هذه الخطوات ساهمت في تحقيق “حراك” ريادة الأعمال بالكويت؛ ما يعكس النمو المستمر في أعداد الشباب المسجلين على الباب الخامس؛ وهم شريحة الشباب المتفرغين لأعمالهم الخاصة بعدد والبالغ عددهم نحو 13 ألفًا.
دعم 116 مشروعًا
- ما حجم الدعم الذي قدمه الصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة منذ تأسيسه؟
يعد الصندوق الوطني لتنمية ورعاية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الخطوة الأكثر تطورًا في مسيرة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، فمن حيث رأس المال يُعد الأضخم على مستوى العالم، ويقوم عليه مجلس إدارة برئاسة د.محمد الزهير أحد الكفاءات الوطنية المميزة، ومعه مجموعة من ذوي الكفاءات والخبرات.
وبعد أن أتم الصندوق خطواته العملية، حيث أطلقنا أكثر من برنامج تدريب بمعايير عالمية بالتعاون مع مجموعة من المؤسسات المرموقة حول العالم، كما عملنا سريعًا على استقبال طلبات الراغبين في الاستفادة من خدمات الصندوق، وقبل فترة أيضًا ركزنا على استكمال بناء الجهاز التنفيذي في الصندوق لتسريع وتيرة أعماله، وقبل أسابيع قليلة، قدم الصندوق تقريرًا شاملًا عن أعماله حيث وافق على دعم 116 مشروعًا حتى الآن.
تطوير أداء الصندوق
- كيف يمكن العمل على تطوير أداء الصندوق وتفعيل دوره؟
لا شك أنه وبعد مرور فترة من الوقت، ستكون التجربة كفيلة بإجراء تقييم موضوعي على أرض الواقع،
فالصندوق وفريق عمله يحظى بدعم كبير من مجلس الوزراء، باعتباره جهة معنية بالشباب، ونحن من خلال لجنة تطوير بيئة الأعمال حرصنا على توطيد علاقتنا مع كافة الجهات الحكومية المعنية في اختصاصها بما له علاقة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبناء علاقات مؤسسية معها بما يفتح آفاقًا أوسع على صعيد التعاون مع الصندوق الوطني، ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن هذا التواصل أثمر تحقيق العديد من الخطوات المهمة كان من بينها إقرار مبدأ التفرغ التجاري من قبل ديوان الخدمة المدنية، للمستفيد من خدمات الصندوق.
وفي السياق نفسه وفي إطار استكمال هذا الجهد، نسعى مع برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة لتطبيق مبدأ شبيه يجري الكشف عنه قريبًا.
في المحصلة لم نترك أي جهة قد تكون معنية أو تدور في فلك عالم المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلا وتعاونا معها، كان آخرها الهيئة العامة للزراعة بهدف توفير أراض زراعية للراغبين في تأسيس مشاريع ذات طابع زراعي.
كذلك، لعبت لجنة تطوير بيئة الأعمال دورًا مهمًا في تقليص الدورة المستندية بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة، متعهدين بإقامة نشاطات تجمع المبادرين والمسؤولين في الجهات الحكومية المعنية بحيث يتخذ طابع اللقاء المباشر، وهو ما تم ترجمته من خلال تنظيم “ملتقى بيئة الأعمال” والذي عقد في ديسمبر الفائت، وضم وكلاء وزارات أساسية ذات الصلة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى جانب مجموعة من القياديين في المؤسسات المعنية وبعض المبادرين؛ حيث يتبنى الملتقى توصيات المبادرين ورفعها إلى الجهات الحكومية المعنية والعمل على متابعتها.