حوار: سميح جمال
الباحثة والدكتورة المتخصصة في الطب الجزيئي في علم تكاثر الإنسان؛ سالينا يحيى، واحدة من رائدات العمل في مجال البحث العلمي والمتخصصة في طرق الكشف المبكر والوقاية من سرطان المبيض- ذلك القاتل الصامت الذي تتشابه أعراضه مع بقية أمراض النساء- لا تسعى فقط لعلاج هذا المرض المخيف، بل تركز أيضًا من خلال أبحاثها مع كبرى المعامل العالمية على وضع حلول عملية للوقاية منه ، فكان حوارنا معها حول أفكارها وجهودها في هذا المجال…
في البدء نتعرف عليك:
متزوجة وأم لثلاثة أبناء “غالية ويزيد ودلال”، تلقيت تعليمي الابتدائي في بيروت بمدارس الشويفات العالمية بحكم عمل والدي هناك، ثم انتقلنا إلى مدينة جدة بالمملكة وتابعت الدراسة حتى أنهيت المرحلة الجامعية تخصص علم الأحياء بتفوق ولله الحمد أهلني أن أكون معيدة بكلية الطب في عام 1999م ، ثم تابعت دراسة الماجستير في جامعة الملك عبد العزيز في تخصص “وظائف الأعضاء Human Physiology”.
رشحتني الجامعة لبعثة دراسية في عام 2001م لاستكمال مرحلتي الماجستير والدكتوراه في تخصص بيولوجيا التكاثر Reproductive Biology، بجامعة أدنبرة بالمملكة المتحدة. وفي البداية، ترددت عن قبول البعثة لصغر سن أطفالي ومسؤوليتي تجاههم، ولكن الدعم الذي وجدته من زوجي، والتسهيلات التي قدمتها لي وزارة التعليم العالي والملحق الثقافي في المملكة المتحدة ساهم كثيرًا في رفع معنوياتي وشجعني على قبول البعثة.
بدأت دراستي ولله الحمد بكل يسر بالعمل المشترك بين جامعة أدنبرة ومستشفى ويستن جنرالWestern General الخاصة بأبحاث السرطان؛ حتى أنهيت مرحلتي الماجستير والدكتوراه في عام 2008م. مجال تخصصي هو البحث عن طرق الكشف المبكر والوقاية من سرطان المبيض Ovarian Cancer ومحاولة التوصل إلى علامات حيوية تساعد في الكشف عنه على المستوى الخلوي.
أعمل أستاذة مشاركة بجامعة الملك عبد العزيز- كلية العلوم، وباحثة مشاركة في مركز التميز البحثي في علوم الجينوم الطبي، وباحثة مشاركة في كرسي الأستاذ الدكتور عبدالله با سلامة لأبحاث السرطانات النسائية، وباحثة زائرة في جامعة أدنبرة / المملكة المتحدة- أسكتلندا بالتعاون مع مستشفى Western General
لماذا اخترت مجال الطب؟
كثرة انتشار مرض السرطان في العالم عامة وفي المملكة خاصة، خلق داخلي فضولًا أكبر للتعرف على هذا النوع من الأمراض على المستوى الخلوي الدقيق.
إنَّ لفظة سرطان تسبب حالة من الضيق النفسي بمجرد سماعها، والمجتمع يحتاج ليس فقط لمساعدات طبية للعلاج من هذه الأمراض، بل أيضًا الوعي العام عن طبيعة المرض، وسبل الوقاية منه، وكيفية التعامل معه.
وقد أثبتت الدراسات العلمية أن أغلب أنواع السرطانات، ناتجة عن نمط وسلوك إنساني يمكن التحكم فيه، حتى أنواع السرطانات الناتجة عن طفرات جينية يمكن لنمط العيش أن يؤثر سلبًا على سرعة تطورها؛ لذلك أخذت على عاتقي خدمة المجتمع من هذه الناحية التي يمكن تسميتها “توعية المجتمع وتثقيفه في هذا المجال”؛ لأن كل فرد في المجتمع مسؤول عن آخرين، أو سيصبح في يوم ما مسؤولًا عنهم.
الجهود المبذولة للوقاية
أمراض السرطان شائعة في الدول العربية ، فما الجهود المبذولة للوقاية والعلاج منه داخل المملكة؟
السرطان مرض تتميز خلاياه بالعدائية والعشوائية والقدرة على غزو الخلايا المجاورة والبعيدة وتدميرها، فتنمو خلاياه بشكل سريع ومستمر بحيث يصعب السيطرة عليه.
هناك عدة عوامل ممكن أن تزيد أو تقلل من نسب الإصابة بعدة أنواع من السرطانات، وفي حالة الإصابة فإن نسبة الشفاء تحدد بالمرحلة التي يتم الكشف فيها عن الورم السرطاني: هل هي مراحل متقدمة يصعب السيطرة عليها، أم مراحل مبكرة فيمكن علاجه بالجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاعي أو أحد هذه العلاجات؟.
وللأسف آخر إحصائية لأمراض السرطان في المملكة كانت في 2013؛ حيث سجلت أعلى نسبة إصابة بسرطان الثدي Breast Cancer بنسبة 30.6% يليها الدرقية Thyroid بنسبة 11.4% ، ثم سرطان القولون Colorectal بنسبة 10.7%، وفي المرتبة السادسة يأتي سرطان المبيض بنسبة 3.1 % .
وهناك عدة أسباب يعود إليها انخفاض النسبة في هذه الإحصائية؛ منها وفاة المريض من الإصابة الانتشاريةMetastasis حتى بدون معرفة السبب الأولي، أو الوفاة لأسباب أخرى قبل الكشف عن وجود المرض.
القاتل الصامت
حدثينا عن ماهية أبحاث سرطان المبيض، والكشف المبكر عنه ؟
سرطان المبيض كما يوحي المصطلح، يصيب المبيضين عند المرأة، وهو أحد أنواع السرطانات النسائية الأكثر شيوعًا والأسرع انتشارًا، فقد يعد الخامس ترتيبًا من حيث السرعة والمسببات لحالة الوفاة من بين الأنواع السرطانية الأخرى، فنسبة الوفيات الناجمة عنه مقلقة في أوساط الطب النسائي.
وحسب تقدير الجمعية الأمريكية للسرطان سنة 2017، فإن 22440 سيدة ستتلقى التشخيص بمرض سرطان المبيض؛ إذ يكون السبب في وفاة 14080 سيدة.
وأكثر من نصف حالات هذا النوع من السرطان تحدث في عمر 63. هذه الحقائق تظهر أهمية التركيز على الكشف المبكر، وعن زيادة الوعي بين السيدات في مجتمعاتنا.
وقد أظهرت دراسات علمية أن معظم المصابات بالمرض يظهر لديهن أعراض حتى في المراحل الأولية من المرض الذي ربما تساهم في اكتشاف المرض مبكرًا إذا خضعت المريضة لاستشارة طبية مبكرًا ولم تتجاهل هذه الأعراض.
إن الاكتشاف المبكر لسرطان المبيض مهم جدًا؛ إذ يتم فقط اكتشاف 20% منها مبكرًا.
يسمى هذا السرطان بالقاتل الصامت؛ لعدم وجود أعراض محددة ومبكرة، كما يحدث في حالة سرطان الثدي على سبيل المثال, وكذلك بسبب تشابه أعراضه العامة مع أغلب الأمراض النسائية الشائعة؛ مثل الشعور بضغط وثقل، وانتفاخ، وألم في الحوض، وألم في البطن مع غثيان، وعسر هضم، وتعب شديد وحاجة ملحة للتبول، والإمساك وضعف الشهية والشعور بالشبع بسرعة وتغيرات الطمث. وينصح بمراجعة الطبيب إذا استمرت هذه الأعراض لبضعة أسابيع دون تحسن كما ينصح بمراجعة الطبيب بشكل دوري إذا وجد تاريخ عائلي لمرض سرطان الثدي أو المبيض أو القولون.
عوامل الإصابة
هل هناك عوامل محددة تؤدي إلى الإصابة بهذا المرض؟
هناك عوامل تزيد من فرصة الإصابة بسرطان المبيض، ولكن لا يعني وجود عامل خطورة واحد أو اثنين، أن المرأة سوف تصاب حتمًا بالسرطان، ومن ضمن هذه العوامل:
- طفرات الجينات الوراثية: وأهمها جينات سرطان الثدي ” BRCA1 and 2″.
- الحاملات لطفرات BRCA 1 ترتفع لديهن نسبة الإصابة بنسبة من 35 إلى 70% ، أما طفرات BRCA 2 فإن نسبة الخطورة تزداد بنسبة من 10 إلى 30%. وتزداد حالة الإصابة إذا كان لدى المريضة تاريخ إصابة بسرطان الثدي.
- التاريخ العائلي الوراثي للمرض، يظهر سرطان المبيض في أفراد العائلة نتيجة تغيرات أو طفرات في الجينات الوراثية وتزداد نسبة الإصابة بمعدل 10 إلى 15%.
- العمر: يرتبط سرطان المبيض غالبًا بسن اليأس، وتزداد فرص الإصابة في نهاية السبعين من العمر، وقد تحدث الإصابة قبل سن اليأس.
- تعدد الولادات واستخدام حبوب منع الحمل: أظهرت الدراسات أن الولادات -حتى لو كانت ولادة واحدة فقط- تقلل من مخاطر حدوث سرطان المبيض كما أن حبوب منع الحمل لها دور وقائي في منع حدوث سرطان المبيض.
- العقم والأدوية المنشطة للتبويض: إن العلاقة بين سرطان المبيض وحالات العقم والأدوية المنشطة للتبويض غير واضحة، فقد أشارت بعض الدراسات إن حالات العقم قد تزيد من خطورة المرض وأن استخدام بعض أنواع الحبوب المنشطة للمبيض لفترة تزيد على سنة قد ترفع معدل الخطورة ولكن هناك دراسات أخرى تنفي هذه العلاقة.
- الهرمونات البديلة بعد سن اليأس: أظهرت الدراسات الحديثة التي نشرتها أوراق علمية في أمريكا بوجود علاقة بين سرطان المبيض واستخدام هرمون الأستروجين ،خاصة إذا زادت فترة الاستخدام أكثر من 5 سنوات.
- السمنة: البدينات أكثر عرضة لسرطان المبيض ويكون السرطان أكثر شدة لعودة المرض وتقليل نسبة الشفاء.
عند استشارة الطبيب المختص يجب على المريضة إعطاء كافة المعلومات عن الأعراض التي تعاني منها مع وجوب معرفة كاملة عن التاريخ المرضي والعائلي.
فحوصات استقصائية
وهل يمكن اكتشاف المرض مبكرًا؟
حتى الآن، لا توجد فحوصات استقصائية تؤكد وجود سرطان المبيض مثل ما هو معروف في حالة سرطان عنق الرحم. ولكن هناك إجراءات ربما تساعد في الاكتشاف المبكر للمرض؛ مثل الفحص السريري المهبلي للبحث عن أي كتل غير طبيعية في الحوض، وكذلك الفحص بالأشعة الصوتية وخصوصًا المهبلية التي قد تساعد في اكتشاف الأورام في منطقة الحوض حتى لو كانت صغيرة الحجم وإمكانية معرفة تدفق كمية الدم لهذه الأورام التي قد تعطي دلالة أولية لنوعية الورم. كما يتم إجراء تحليل للدم لمعرفة مستوى بروتين معين في الدم يرتبط ارتفاعه في بعض الحالات مع الإصابة بسرطان المبيض، يسمى بـ CA125.
تجربتي في بريطانيا
ماذا عن تجربتك الجديدة في بريطانيا وكيفية المشاركة؟
يحق لكل باحث التمتع بفترة تفرغ من عبء التدريس ” ما بين 6 إلى 12 شهرًا” لإجراء البحوث العلمية في أي دولة باتفاق مسبق بين الباحث والجامعة المستضيفة من حيث المدة ومضمون البحث العلمي. وقد حصلت على موافقة جامعة الملك عبد العزيز بجدة للتفرغ العلمي لمدة سنة بعد أن تلقيت دعوة من مستشفى السرطان في مدينة أدنبرة / المملكة المتحدة.Western General
سيكون التعاون البحثي بيننا هو الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط من حيث أهمية المحتوى على الصعيد الطبي والعلمي. ستكون الدراسة عن التجارب السريرية على مرضى السرطان، وخاصة سرطان المبيض مع تحديد البصمة الجينية لكل مريضة حسب التسلسل الجيني الخاص بها؛ وبذلك يمكن تفصيل خطة علاجية خاصة بالتسلسل الجيني للمريضة؛ وهو ما يسمى بالطب الشخصي Personalized Medicine OR Precision Medicine. ، وهي تقنية حديثة تحدد من يستفيد من العلاج الكيميائي.
من هي الجهات المهتمة بأبحاثك، وما المعوقات التي تواجه الباحث أثناء تحقيق أهدافه البحثية؟
أبحاثي تحت مظلة جامعة الملك عبدالعزيز وبعضها يتم بالتعاون مع مركز التميز البحثي في علوم الجينوم الطبي؛ أحد أقسام الجامعة. ومن الناحية الفخرية “غير مادية” كرسي الأستاذ الدكتور عبدالله باسلامة للأورام النسائية. أغلب الأبحاث يتم الصرف عليها من دخلي الخاص اختصارًا للوقت؛ إذ أحيانًا ما يتطلب الحصول على منح بحثية في الجامعة وقتًا طويلًا. ونظرًا للنمو المتسارع في مجال الطب على المستوى العالمي، لا يمكنني الانتظار طويلًا لإجراء البحث.
من الجهات التي تعني بمثل هذه الأبحاث ؟ ولمن لجئتِ ليساعدك في أبحاثك؟
واقعيًا، جامعة الملك عبدالعزيز وأيضًا مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا في الرياض KACSTالداعم الأساسي للبحوث في الجامعات السعودية. أما في حالتي فالداعم الأساسي هو أنا.
كم ينفق الباحث على أبحاثه العلمية لخدمة البشرية؟
سؤال صعب؛ لأن للبحث العلمي الناجح مقومات أساسية؛ إذ يحتاج إلى العلم والتطور المستمر عن طريق التعاون الدولي المستمر، والمال اللازم لإنشاء وحدة بحثية، وأيضًا عن طريق تعاون دولي، وأخيرًا البيئة الصحية للباحث والتي تبعد عن المركزية والأهداف الشخصية.
كيف ترين تجربة إنشاء البنك الحيوي لجمع العينات؟
بالتعاون مع جامعة Imperial في المملكة المتحدة والتي تُعد من الجامعات الأوائل على مستوى العالم في مجال البنوك الحيوية Biobank، قمنا بإنشاء بنك حيوي في جامعة الملك عبدالعزيز تحديدًا في مركز التميز البحثي في علوم الجينوم الطبي بهدف جمع أكبر عدد من العينات الحيوية من مرضى السرطان بالتعاون مع الأطباء في المستشفى الجامعي وعدة مستشفيات خاصة – أبرزها المستشفى السعودي الألماني- بعد الموافقة الخطية من المرضى، بغرض إجراء الأبحاث العلمية عليها، يتم الحصول عليها بعد الانتهاء من الهدف المأخوذ لسببه.
تم إنشاء الوحدة تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبدالباسط بوحميدة وهو دكتور باحث في مجال التركيب الجزيئي الجيني لأمراض السرطان، وبمساعدة الدكتور مراد عصيدي الباحث في مجال الطب التشخيصي لحالات العقم والأورام النسائية، مع نخبة مميزة من العلماء في هذا المجال.
أحتاج إلى لقاء منفصل للتحدث عن هذه التقنية وآثارها الحالية والمستقبلية على المجتمع ، وكذلك موضوع “تغيير نمط الحياة للتقليل من فرص الإصابة بالسرطان.