حوار: محمد فتحي
يُعد المهندس مطلق بن حمد المريشد أحد الاستثناءات المضيئة في السوق السعودية، ومن الكفاءات القليلة التي يمكن أن يُعول عليها في خطط التطوير الشامل في قطاعات الإنتاج ؛ الأكثر أهمية للوطن والمواطنين، الشيء الذى جعل الكثيرين يلقبونه بـ ” صاحب الرؤية الثاقبة”.
ويتكئ المريشد على مسيرة علمية وعملية حافلة بالنجاحات؛ كانت بداية انطلاقه في مجتمع الأعمال من بوابة عملاق صناعة البتروكيماويات «سابك» ؛ ليصبح حاليًا الرئيس التنفيذي لشركة التصنيع الوطنية ؛ كبرى الشركات البتروكيماوية بالمملكة ؛ إذ استخدم الرؤية الحازمة في تغيير بيئة عمل بعض الشركات التي أدارها.
أجرينا معه هذا الحوار لتسليط الضوء على مسيرته العملية والعلمية، ورؤيته لتطوير بيئة العمل بالمملكة .
من هو مطلق المريشد في سطور؟
تربيت في بيئة بدوية ، وأكملت دراستي للثانوية بالقطيف ، قسم علمي، ثم سافرت في بعثة دراسية لأمريكا وحصلت على بكالوريوس العلوم في الفيزياء النووية والرياضيات من جامعة دينفر ، وأيضًا ماجستير في هندسة المفاعلات النووية من جامعة برنستون ، ثم درست MBA في المالية في جامعة ستاندفورد في كالفورنيا ، وعملت سبع سنوات في أمريكا، ثم عدت إلى السعودية لأعمل بشركة سابك في العام 1982 ، ومنها انتقلت لشركة التصنيع الوطنية 2015م.
ماذا عن خبرتك، وما المشروعات التنموية التي ساهمت في قيادتها ؟
عملت سبع سنوات في أمريكا ، ثم عدت للسعودية ، موظفًا بشركة “سابك” في عام 1982م ، وتدرجت وظيفيًا حتى وصلت إلى رئاسة شركة “صدف”، تم عُينت رئيسًا لشركة حديد، ثم انتقلت للعمل في “سابك” كمدير للخدمات المشتركة، ثم نائب رئيس المالية في “سابك”.وأسست مع أخرين شركات مثل: “كيان”، و”ينساب” وغيرها ، وترأست مجلس إدارة عدد من الشركات، ورئيس مجلس إدارة معهد مجالس إدارات الشركات الخليجي، حتى استقر بي المقام هذا العام رئيسًا تنفيذيًا لشركة التصنيع الوطنية.
التغيير أمر سهل وصعب
وصفك البعض بأنك شخصية كاريزمية تجمع بين المعرفة والكفاءة، والقدرة على إحداث التغيير، والتطوير في قطاعات الإنتاج ، فكيف تكونت تلك الشخصية؟ وهل التغيير عملية سهلة ؟
معلوم أن شخصية الإنسان تتكون من شيئين : التربية والاكتساب من المجتمع ، فكان عمي- شيخ فخد من قبيلة بني خالد- ذا حنكة ودراية ، وكنت أعيش بمنزله، وكان شيوخ القبائل يتوافدون يوميًا على منزله من شتى أنحاء المملكة ، وكنت مستمعًا لكل مايدور في مجلسه ؛ الأمر الذي حرر قيودي وحفزني على التعامل مع الناس بكل حرية ، علاوة على دراستي في أمريكا والتي أكسبتني الحراك اليومي لتفاصيل حياة الأمريكان وطرق تعاملهم ، وهو ما شكل شخصيتي .
أما عن التغيير ، فهو أمر سهل وصعب في الوقت نفسه : سهل؛ لأنه ضروري في الحياة، فالثابت في الدنيا هو التغيير ، فكل شئ يزول. وصعب ؛ لأن له صعوبات كثيرة ، خاصة تغيير بيئة عمل الشركات ، ولاسيما في الأوقات الحرجة عندما تمر الشركة بخسائر ؛ فهنا يأتي دور التغيير في رؤية العمل .
لا يصح إلا الصحيح
يرى البعض أن منهجك في التعامل اتسم بالتعالي ، ماتعليقك؟
يقول المثل العربي الشهير: ” الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحصى” ، كذلك للتغيير ضريبة تنال من شخصية العازم على تغيير رؤية الشركة وإدارتها، فتُسلَّط عليه سهام النقد اللاذع ؛ لذا ينبغي أن يتحلى بالصبر ، وأن يتحمل كل الانتقادات . وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح ؛ فسوف يقتنع الناس برؤيتك إن كانت صحيحة .
ومن ناحية شخصية ، أتابع آراء الناس من قول و فعل بالذم أو بالمدح عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، و متصالح جدًا مع نفسي ، لكنني أ كره جدًا بيئة العمل التي يعيش فيها القادة في أبراج عاجية معزلين عن غيرهم من الموظفين ؛ إذ يغلقون أبوابهم وكأنهم في معزل عن الآخرين.
قصص طريفة ..ومواقف محرجة
الحياة لا تخلو من مواقف محرجة وقصص طريفة في الحراك الاجتماعي، حدثنا عن ذلك ؟
ذات مرة، جاءني عرض للعمل في إحدى شركات الألبان ؛ فاستشرت والدتي – رحمها الله – وكانت امرأة بدوية ، فعلقت قائلة:” نحن بدو ، وأنت سافرت للخارج ودرست شيئًا لا نعلمه، وعملت أيضًا في مجالات لا نعلم مدى خطورتها، والحين تريد العمل ببيع اللبن، فهذه آخرتها!!” . كان ذلك أطرف موقف إنساني من إنسانة نبيلة لا تفارق مخيلتي قط.
وفي الثمانينيات ،عندما كنت مدير تشغيل في مصنع للكلور في الجبيل ؛ أحد أكبر مصانع الكلور في العالم ، كان أحد العمال كثير الغياب عن العمل ؛ فقمت بفصله من العمل. وبعد سنين من ذلك الحدث، كنت متوجهًا للسفر عبر مطار الرياض، وكان هناك مشكلة في الحجز، فتدافع المسافرون ، وفجأة سمعت من ينادي علي بصوت عالٍ “أبو حمد ” فاقتربت منه فقال : ألا تعرفني؟ ، فقلت : لا أعرفك، فقال: أتذكر الموظف الذي فصلته من “صدف”؟ أنا هو. وكان هو مدير المحطة حينذاك، فقلت: نعم تذكرت وكنت وقتها محرجًا ، ولكنه بادر لأخذ تذكرتي وحجز لي درجة أولى، ثم قال: أود أن أشكرك على فصلك لي فقد كنت أستحق ذلك وأنت لم تظلمني وأنا كنت غير مرتاح للعمل في الجبيل؛ لأنني من الرياض وأهلي هنا ؛ فأتاح فصلك لي الفرصة للعمل والتطوير حتى وصلت لمنصبي هذا في الخطوط السعودية.
وحدات عمل استراتيجية
حدثنا عن مؤسسة التصنيع، وما أهم إنجازاتك ؟ وما الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها ؟
تأسست شركة التصنيع الوطنية في عام 1985م، وهي أول شركة صناعية سعودية مساهمة مملوكة بالكامل للقطاع الخاص السعودي، وتهدف إلى دفع عجلة التنمية وتنويع القاعدة الاقتصادية في المملكة. وتعتبر التصنيع الوطنية ، ثاني أكبر شركة صناعية سعودية ، وواحدة من أكبر المنتجين لمادة ثاني أكسيد التيتانيوم في العالم، مدفوعة بمهمتها في تطبيق أفضل أساليب العمل لتحقيق النمو السريع والدائم لخدمة مساهميها وكافة أصحاب العلاقة معها في جميع أنحاء العالم.
وكانت شركة التصنيع شركة قابضة لمجموعة شركات ، كل شركة تدار لحالها ؛ فكانت أكثر الشركات تدار بهذه الطريقة ، لكن بعد ارتفاع التكاليف الإدارية والإنتاجية ، غيرنا الشركة لوحدات عمل استراتيجية ، وتم تغيير كل الخدمات المساندة لتكوين وحدة تقلل التكاليف ويسهل العمل فيها ؛ لتكون مهمتها الصناعة والبيع ؛ ما حسن أداء الشركة وجعلها أكثر قدرة على المنافسة .
وتعمل عائلة شركات التصنيع على تملك وإدارة وتشغيل العديد من الأعمال المدرجة ضمن ثلاث وحدات أعمال استراتيجية ؛ وهي:
- البتروكيماويات : وتضم الشركة السعودية للبولي أوليفينات، والشركة السعودية للإثيلين والبولي إثيلين، والشركة السعودية لحامض الأكريليك.
- الكيماويات : وتضم الشركة الوطنية لثاني أكسيد التيتانيوم (كريستل) – ثاني أكسيد التيتانيوم، المعادن المعتمدة على ثاني أكسيد التيتانيوم، والتنجيم والأصباغ.
- الصناعات التحويلية : وتضم :
- صناعة المعادن : الشركة الوطنية لصهر الرصاص (رصاص)، والشركة الوطنية لتصنيع وسبك المعادن (معدنية).
- المنتجات المتنوعة: شركة الرواد الوطنية للبلاستيك (رواد)، وشركة الرواد الدولية للأغشية الصناعية (رواد للأغشية)، وشركة الرواد العالمية لأفلام التغليف المحدودة (رواد لأفلام التغليف)، والشركة الوطنية لصناعة البطاريات (بطاريات)، والشركة الوطنية لمواد التغليف (وطن باك).
- الخدمات: الشركة الوطنية للفحص والاختبار الفني (فحص)، وشركة التصنيع الوطنية لتسويق البتروكيماويات.
دار الحديث في مجتمع رجال الأعمال بأن تصريحاتك في عدة مناسبات بشأن أرباح شركة التصنيع الوطنية حملك لعرشها ، فما تعليقك ؟
لا أعتقد ذلك ، فأنا أحترم جدًا رئيس مجلس الإدارة الأخ مبارك الخفرة، وإذا لم يكن يعمل بهذه الشركة فلم أكن لآتي ، فلي خبرة في تغيير بيئة عمل الشركات اكتسبتها في شركة صدف في الثمانينيات، ومرورًا بشركة الحديد في عام 1999، إلى تشغيل شركات سابك الخارجية ؛ مثل سابك للبلاستيك وغيرها من الشركات، لأداء وربحية أفضل ؛ لذلك كلفني الأخ مبارك لأن “التصنيع” كانت في حاجة إلى التغيير آنذاك. لهذا، أعتبر نفسي مؤهلًا في هذا المجال، لكن قد أطلق تصريحًا يفهمه البعض بطرق مختلفة .
إزدهر قطاع البتروكيماويات بالمملكة ، فما حجم الاستثمار في هذا القطاع ؟
حصة المملكة من 8-10 % في سوق البتروكيمائيات ، ويبلغ الإنتاج 110 ملايين طن، وتبلغ إيرادته 400 مليار ريال ؛ لأنه قطاع ضخم جدًا ، ويفرد مساحة كبيرة للتوظيف، ومن أهم القطاعات بالمملكة.
التحدي الحقيقي للبتروكيماويات السعودية
الغاز الصخري هو التحدي الحقيقي للبتروكيماويات السعودية حسب خبراء ، فما رأيك؟ وما مستقبل صناعة البتروكيميائية في المملكة ؟
بالفعل، هناك تأثير كبير للغاز الصخري على هذه الصناعة ، فهناك عاملان أثرا في تلك الصناعة : استخدام أمريكا للغاز الصخري ، والصين للفحم الحجري ، فأصبحا منافسين للصناعات الخليجية ، لكن لم يقتل الصناعة، بل جعل المنافسة أقوى ، فتأثير الغاز الصخري يأتي من صادرات أمريكا لأوروبا ، هنا المنافسة أصعب ؛ فتأثير الغاز الصخري يأتي ضمن تأثير اتفاقيات التجارة الحرة إحدى صور التكامل في الاقتصاد العالمي وإحدى وسائل القرن الحالي في التعاون بين الدول، فأمريكا بتوقيعها تلك الاتفاقية مع أوروبا استفادت من تصدير منتجاتها البتروكيماوية للسوق الأوروبية دون ضرائب، لكننا في الخليج ندفع 7 ضرائب ، هذا يضع تصنيعنا أمام تحدٍ حقيقي ، من تحسين الإنتاجية للمنافسة في الأسواق، وأيضًا الاتفاقيات التجارية بين الدول الأوروبية والآسيوية تساعد على انتعاش الإنتاج هناك، لكننا في الخليج لا نملك اتفاقيات مع الدول ؛ ما جعل علينا وابل الضرائب ، فتصبح المنافسة أصعب، لكن أرى أننا بالتخطيط الاستراتيجي الفعال، والرؤية الخليجية المشتركة سنتخطى كل التحديات.
تمكين الشباب
كيف نمكِّن الشباب ونوسع أمامهم الفرص الاستثمارية ؟ و ما العوامل التي تساعد في دخول هذا القطاع ؟
التمكين يبدأ أولًا بالتعليم ، ثم الإصرار والإرادة ، ثم توفير رأس المال، وزيادة حاضنات الأعمال ، وتيسير القروض البنكية. فالبنوك لدينا لاتمنح قروضًا لمن ليس له رهن، فتعطيها لمن لا يحتاجها. يجب أن يكون هنالك تصحيح، ، وضرورة تبني كل المؤسسات نشر ثقافة العمل .
كيف تقيّم بيئة العمل في السعودية ، وما مدى ملاءمتها لإنجاز أعمال ريادية؟
بيئة العمل بالسعودية مخيفة جدًا مقارنة ببيئات أخرى، فمثلًا بحكم عملي في عدة جهات أمريكية وأوروبية أجد أننا لدينا للأسف تركيز على المركزية بشكل مخيف ، فاتخاذ القرار يتم بشكل طبقي ، وليس عموديًا، بعكس أمريكا ؛ حيث التركيز على النتائج وليس على الأشخاص، لكن الغريب في الأمر أن إدارات بعض مؤسسات بالمملكة تدير دفة العمل فيها بالتخويف ، فتجد شخصًا يتحكم في مصير المؤسسة كلها ، وتجد كل جهة تتحكم في الأقل، وليس بمقدور مديرين اتخاذ قرار يختص بسير دولاب العمل . تلك أشياء يجب تغييرها في بيئة العمل السعودية ، ليس كل الناس، لكن هذه حالة عامة، ففي أمريكا يعطون الحرية للمدير لاتخاذ القرار مهما كان مصيريًا .