جلست بمنتصف الغرفة أطالع جبل النقود التي اصطفت حولي، وقد بلغ مجموعها مليار دولار، وفجأة لمحت عُملة معدنية فئة ربع دولار، فسألت نفسي: ما قيمة هذا الربع دولار مقارنة بذلك المليار؟!.
أحضرت آلتي الحاسبة الصغيرة، وقسمت رقم (0.25) على مليار، فكانت النتيجة صفرًا. وبالرغم من أن الناتج الحقيقي هو 0.00000000025، لكن لم تشعر الآلة الحاسبة بوجود الخمسة وعشرين سنتًا واعتبرتها صفرًا مهملًا بجوار المليار دولار.
هذا ما تخيلته عندما كنت بالصف الأول الثانوي، حينما فكرت في كتابة أول مقال لي، وكان بعنوان: “المعادلة الصعبة”؛ حيث أخذتني مقارنة الدولارات إلى مقارنة الأعوام. فكرت في عمر الإنسان في كل من الدنيا والآخرة.
في الدنيا يعيش الإنسان ثوان أو دقائق أو ربما سنوات، في معظمها بين الستين والسبعين، وفي أقصاها مائة عام أو أكثر قليلًا، بينما في الآخرة هناك خلود (ما لا نهاية من الأعوام)، مليارات الأعوام التي لا نستطيع إحصاءها، ويكون عمرنا في الدنيا أشبه بالصفر بجانب هذه المليارات، أو ذلك العدد اللانهائي بالآخرة.
معادلة من طراز فريد، في جانبها الأيمن عملنا وعمرنا في الدنيا، وفي الجانب الأيسر ثمرتنا وعمرنا في الآخرة. أطلقت عليها “المعادلة الصعبة”؛ لأنه بالرغم من شِبه انعدام عمرنا بالدنيا وصِغر الرقم الذي يقارب الصفر بجوار الرقم الهائل اللانهائي في الآخرة، إلا أن المعضلة والصعوبة تكمن في أن مصيرنا بالآخرة، سواء كنا مُنعَّمِين –ونرجو أن نكون منهم- أو مُعذَّبِين – ونعوذ بالله أن نكون منهم- متوقف على عملنا في الوقت القليل الذي نحياه في الدنيا.
وقت قليل، لكن تبعاته خطيرة ومهمة، وهو أغلى ما يملكه الإنسان، ولايوجد شيء أطول من الوقت؛ لأنه مقياس الخلود في الآخرة،ولا أقصر منه؛ لأنه ليس كافيًا لتحقيق مايريده المرء في الدنيا.
ما مضى منه فلايعود ولايُعوَض، فهو أنفس مايملك الإنسان. لا يمكن تغيير أو استبدال الوقت، أو تحويله، أو إحلاله، أوتخزينه، أوشرائه، أوبيعه، أو استئجاره، أو استعادته، أو اقتراضه، أو مضاعفته، أو تصنيعه.
الوقت مورد يمتلكه كل الناس بالتساوي، ولايستطيع أحد زيادته، فكل إنسان يمتلك (24) ساعة في اليوم، بما يعادل حوالي (168) ساعة في الأسبوع، أو (8766) ساعة في السنة.
أقترح عليك صديقي رائد الأعمال أن تحدد أهدافك- بعيدة وقصيرة المدى- وحدد تاريخ إنجاز كل هدف، وحدد الأولويات يوميًا،ورتب المهام حسب أولوياتها وأهميتها. خصص فترات متواصلة للمهام الرئيسة، واجمع الأعمال المتشابهة معًا لاختصار الوقت، وحدد الوقت الذي تتمتع فيه بصفاء الذهن – البكور مثلًا – لإنجاز المهام الابتكارية والإبداعية والمهام ذات الأولوية العالية.سجل أفكارك وخططك دائمًا،ولاتثق في ذاكرتك.حدد وقتًا لكل عمل أو زيارة أو نشاط واحرص على الإنجاز في الوقت المحدد.
أرى أن تعبير “إدارة الوقت” ليس دقيقًا، فما نحتاجه هو “إدارة الأنشطة” في وقت واحد أتاحه لنا الواحد العدل؛ وهو 1440 دقيقة كل يوم. قيل قديمًا: إن “الوقت من ذهب”، وأقول بل “الوقت من قيمة”. الوقت القصير الذي قضيناه في الدنيا، سوف يسألنا عنه الواحد القهار يوم القيامة، ليس من ذهب، بل هو قيمة أغلى من الذهب، ومن كل كنوز الدنيا.